مقالات وآراء

هل تؤثر عقلية “السوق”على الطاهر حجر ؟

أحمد داوود

بين عامي “2012-2013” ، ومع اشتداد القبضة الامنية لحكومة الجنرال عمر البشير ؛ بدأت كغيري من الشباب في التشكيك في فعالية النضال السلمي او حتي قدرته علي الاطاحة بديكتاتورية الانقاذ . في ذلك الوقت الذي شهد فيه ازدياد عمليات الاعتقال خارج نطاق القانون ، وتكميم الافواه ، ومصادرة الحريات ، واستخدام العنف المفرط ضد الخصوم السياسين – لم يكن ثمة خيار وبالتحديد لاشخاص مثلي سوي خوض تجربة الكفاح المسلح .

بعد مشاروات كثيفة مع بعض الرفاق والاصدقاء – اتخذت قراراً بالانضمام لحركة تحرير السودان للعدالة التي اسسها الشهيد علي كاربينو ؛ والتي كان يتزعمها انذاك الطاهر حجر عضو مجلس السيادة الانتقالي في الوقت الراهن .

استند الموقف الجديد علي عدة معايير اهمها ان الحركة الناشئة كانت تختلف نوعاً ما عن المنظومات الثورية الاخري لكونها الاكثر تنوعاً ، والاكثر رغبة في استحداث و ارساء نموذج ثوري جديد ، عابر للاثنيات والانتماءات الضيقة بخلاف النماذج السائدة خلال ذلك الوقت .
في مدينة جوبا العريقة ، وبعد عمليات تنسيق عديدة ، وعلي احدي الفنادق المطلة علي النيل ، جمعنا لقاءا برئيس الحركة الطاهر حجر الذي بدأ وانه يعيش في رفاهية ملحوظة خلاف معظم الرفاق الاخرين.

هنالك خضنا نقاشات عميقة حول طبيعة الصراع في السودان واخفاقات قوي الثورة ، تكامل ادوات النضال السلمي والعسكري ، و السبيل الي بناء دولة مدنية ديمقراطية علي انقاض نموذج الجبهة الاسلامية . لقد كان نقاشاً عميقاً وثراً للغاية واتاح لي الفرصة للاطلاع علي تفكير حجر .

لكن بالنسبة لي دوماً ، وبفعل سنوات من التجربة –كانت الازمة لا تكمن في محتوي المشاريع النظرية ، وانما في التجربة العملية. ان التناقض الحاد بين النظرية والتجربة دفعني للتريث قليلا وعدم الاستعجال في مسالة الانضمام . وما دعم شكوكي في ذلك الوقت الرفاهية التي كانت تبدو علي حجر ، واستقراره بالمدينة والسيارة الفخمة التي كان يقودها- في سلوك ربما بتعارض مع سلوكيات الثوار الحقيقين .

كان السؤال الذي يلح علي ذهني باستمرار يتعلق بطبيعة التناقض الهائل بين سلوكيات الثوار واقوالهم . كيف يمكن تفسير هذا التناقض _ ولما يلجا القادة الثورين الي تفضيل حياة الرفاهية عكس الجنود الثورين ؟ وكيف يمكن ان يكون الشخص ثورياً بينما يقود سيارة تعادل ثمنها الاف الدولارات ؟ وما السر في تفضيل حياة المدن والرفاهية علي حياة الاحراش ؟ الا يمكن أن تتناقض مثل هذه السلوكيات مع قيم الثورين الحقيقين كدكتور قرنق الذي استطاع ان يقدم نموذجاً صادقاً لما يمكن ان يصبح عليه الثوري الحقيقي ؟

في الحقيقة لم اتوصل الي اية اجابة حول تلك التساؤلات . ولكن في احد الايام ، وبينما كنت برفقة احد رواد الاعمال في مكتبه ؛فاذا بالطاهر حجر يدخل علينا حاملاً رزمة اوراق علمت فيما بعد انها خاصة بالشركة التي يمتكلها . وخلال الحديث الذي دار بينهما علمت انه يعمل في إدارة الأعمال وانه يمتلك متاجر خاصة في جوبا .

من يدري ، ربما كانت ظروف النضال تحتم عليه امتلاك مصادر تمويل خاصة به . لكن ذلك في الحقيقة لا يفسر عدم التحاقه بالميدان او سر الرفاهية التي يعيشها . لكن دفعني ذلك في النهاية الي التراجع عن قرار الانضمام . لانه بحسب اعتقادي لا يمكن التوفيق بين الثورة وريادة الاعمال . اضف الي ذلك ان طبيعة المنافسة التي تخلقها الاسواق ستنزع الروح الثورية عن الثوري وتحوله لمجرد راسمالي تبلغ غاية اشواقة مراكمة راسماله ولو تحت غطاء الثورة . وهو بالتحديد ما حدث للكثير من القادة الثوريين ، وربما هو ايضاً ما سيحدث للكثير من رفاقنا الذين صارت الثورة بالنسبة لهم مجرد مطية للحصول علي السلطة والثورة علي حساب ضحايا الحرب والابادات الجماعية .

منذ تلك الفترة لم التق حجر . لكن عندما بدأت المفاوضات بين السلطة والحكومة الانتقالية علمت انه صار يتزعم تجمع قوي تحرير السودان . في ذلك الوقت كانت الامال تنصب حول حجر كثيرا لكونه وعي دروس الماضي ويمتلك الرغبة علي تقديم انموذجاً مغايراً. لكن بعد السلام وتعينه عضوا في مجلس السيادة سرعانما تلاشت تلك الامال وصار من الصعب علي ضحايا الحرب تمييزه عن لوردات الحرب الاخرين . ربما كان ذلك بفعل التأثير الهائل الذي أحدثته حياة المدينة والسوق علي شخصيته .

في مارس من العام الحالي – نقلت صحيفة المواكب اليومية انباء تفيد بوضع الطاهر حجر تحت الاقامة الجبرية من قبل قيادات التجمع وارغامه علي عدم العودة الي الخرطوم قبل ان تفرج عنه في وقت لاحق . كانت الاسباب التي ذكرتها مصادر الصحيفة تتمثل في انفراد حجر باتخاذ القرارات وتجاهل القيادة العسكرية بجانب ترفيع اقاربه في مناصب متقدمة في هياكل الحركة بغية توليهم وظائف رفيعة في الحكومة . علاوة على قيادته خطاً قبلياً يهدف للسيطرة علي الحركة .

ومع ان قيادة الحركة كانت قد سارعت الي نفي تلك الانباء الا ان ثمة همساً يدور الان عن ان الجزء المقدر من طاقمه اما تربطهم به علاقات قرابة او انهم ينحدرون من نفس المكون الاجتماعي الذي ينحدر منه . وهي وصمة ظلت تلاحق كافة حركات الكفاح المسلح منذ لحظة تاسيسيها ، لكنها تمظهرت بشكل واضع بعد اتفاق السلام . حيث كانت حوالي “80” % من مقاعد اطراف العملية السلمية في مجلسي السيادة والوزراء من نصيب اشخاص ينتمون لمجموعة اجتماعية واحدة بينما تم تهميش المجموعات الاخري والنساء اللاتي منحهن الاتفاق نسبة 40% .

قبل فترة – تصدرت احاديث ايضاً عن اتجاه عند حجر يسعي الي تعيين شخص تربطه به علاقات قرابة مديرا لمكتبه . كان الشخص المعني قد تم انتدابه للعمل بولاية شمال خلال حقبة مجرم الحرب احمد هارون . الان ربما شكل حجر طاقم مكتبه وتم اعتماده بصورة رسمية من ادارة القصر الجمهوري لكن ليست هنالك ثمة معلومات مؤكدة عما اذا كان الشخص المعني قد تم تعينه ام لا ؟ .

كما ان هنالك مخاوف من عمليات انفراد ونزعة مبطنة نحو الديكتاتورية . ويدعم عدم الانسجام بين مكونات التجمع وعمليات تسليط الضو علي حجر وظهوره المكثف من ذلك . ففي اقل من شهر واحد فقط بامكان اي شخص ان يحصي اكثر من ثلاثين مقابلة لحجر ما بين لقاء تلفزيوني وحوار في الصحف الورقية . ما الذي يدعو عضو مجلس سيادي مثلا للاطلال علي قناة تلفزيونة من اجل الافادة في قضية كان بامكان اقل عضو او محلل سياسي الافتاء فيها مالم يكن ذلك من اجل الانفراد ؟ .

صحيح لا يمكن القدح في الروح الثورية عند حجر او حتي المزايدة علي نضالاته _ وذلك ليس ما نبغيه – من هذا المقال . لكن يتحتم علي القائد حجر ان يعي جيداً ان الاساليب المعتمدة الان لن تساعد في بناء الوطن الذي ينشده السودانيون . وان الانزواء نحو الاطر الضيقة لن يجدي . وان الثورة التي نصبته قائداً قادرة علي لفظه متي ما حاد عن مسارها .

يتعين علي القائد حجر الاستفادة من الدروس السابقة والمصير الذي واجه كل القادة الذين حادوا عن مصير الثورة . ولكونه كان يعتزم المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا اليه الرئيس المباد عمر البشير برفقة ابوالقاسم امام – فانه بالتاكيد يعلم مسبقاً ما حدث لرفيق دربه ابوالقاسم وكيف لفظه الشارع العام . بالتالي فانه ليس بحاجة الي التذكير بذلك .

ربما كل قوي الثورة تعاني من خلل في بنيتها التنظيمية وتملك سجلاً حافلاً بالاخفاقات . لكن القائد الحقيقي هو من يضع مبضع النقد علي تجربته ويعمل علي تصويبها وليس تكريس الانتماءات الضيقة واثننة المنظومات الثورية .

‫2 تعليقات

  1. كل هؤلاء الجرذان المرتزقة اقسم انهم كانو سيكونون مجرد كلاب يلعقون احذية ود هدية اللص عند ود هدية ويهزون اذيالهم له لَلا ان نجحت الثورة، هؤلاء سينهبون من الشعب السوداني ما يخططون لنهبه ثم ياتون في ثوب جديد.

  2. كل هؤلاء الجرذان المرتزقة اقسم انهم كانو سيكونون مجرد كلاب يلعقون احذية ود هدية اللص عند ود هدية ويهزون اذيالهم له لَلا ان نجحت الثورة، هؤلاء سينهبون من الشعب السوداني ما يخططون لنهبه ثم ياتون في ثوب جديد.
    هذه العصابات تُدار كالشركات، هنالك اقسام للدعاية، واقسام لجذب التمويل، واقسام للعمالة، واقسام للتحاور مع من يدعون انه العدو، واقسام للخيانة، وهنالك الجنود والمقاتلين السُذج الرعاع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..