مقالات وآراء

المدد والمواعيد القانونية في عصر الهايبرلوب

أسامة رقيعة

منذ أمد طويل جداً درج المشرع القانوني على استعمال الزمن من أجل ترتيب الأنظمة القانونية، وربط الإجراءات مع بعضها بعضاً، وكفالة الحقوق، والتخلص من الخصومات الراكدة كما في حالة التقادم مثلاً، كما أنه قد درجت القوانين على استخدام وحدات قياسية مثل الساعات، والأيام، والشهور والسنين من أجل ضبط مواعيد الإجراءات، أو ضبط الظروف التي يجب أن تتخذ الإجراءات القانونية خلالها، أو بعد تمامها، أو قبل بدايتها، حيث إنه إذا لم يتم الالتزام بها ترتب على عدم الالتزام بها جزاء أو أثر قانوني معين قد يرقى إلى بطلان الإجراء أو الحرمان منه.

يذهب فقهاء القانون إلى أن المواعيد الإجرائية بشكل عام تنقسم إلى ثلاثة أنواع فهناك ما يعرف بالميعاد المرتد وهو عبارة عن الفترة الزمنية المعينة التي ينبغي أن يتخذ الإجراء قبل أن تبدأ، وثانياً هناك الميعاد الكامل وهو عبارة عن فترة زمنية يحددها القانون لاتخاذ الإجراء القضائي، أما ثالثاً فهناك الميعاد الناقص وهو الفترة الزمنية التي يجب أن يتخذ الإجراء خلالها أي قبل انقضاء شأنها.

والأصل في كل هذا أن المحكمة وأطراف الخصومة ملزمان باحترام المواعيد الإجرائية وعدم مخالفتها، غير أنه توجد حالات مختلفة يمكن فيها تعديل المواعيد الإجرائية إما بحكم القانون أو بإرادة المحكمة التقديرية، فالقوانين ذاتها كثيراً ما تمنح سلطات واسعة للمحكمة لكي تقرر في تعديل المواعيد الإجرائية أثناء نظر الدعوى مثل أن تمنح الخصوم آجالاً أكثر ويكون الهدف منها تمكينهم من استيفاء أسانيدهم أو أوجه دفوعهم، أو حتى المعارضة في الأحكام الغيابية مثلاً أو اعتراض غير الخارج عن الخصومة وغير ذلك.
في الواقع إن أغلب المواعيد الإجرائية لا تتعلق بالنظام العام وذلك للطابع الخاص للخصومة المدنية في ذاتها وعلى ذلك فإن الجزاء الذي يوقع عند مخالفة غالبية المواعيد الإجرائية يترك التمسك به للخصم الذي وضع الجزاء لصالحه، فالخصم له أن يتمسك بالجزاء عن طريق دفع شكلي كما أنه قد يسقط حقه في التمسك بهذا الجزاء ويستمر الإجراء رغم أنه مخالف للمواعيد، وينتج كافة الآثار التي يولدها الإجراء الصحيح، ولكن أيضاً وفي حدود ضئيلة عاد وربط المشرع احترام الميعاد بالنظام العام ولا يجوز مخالفته البتة أو تمديدها وهنا لا يجوز لمن شرع الجزاء في مصلحته أن يسقط الجزاء ويتمسك بالسير في الإجراء.

وعلى ضوء ما سبق نذهب إلى أن المواعيد والمدد الإجرائية التي اشتمل عليها القانون الإماراتي لم تعد مناسبة للطفره التي تشهدها الدولة في كافة المجالات خاصة في كل ما يرتبط قياسه بوحدات الزمن ففي الوقت الذي توفر فيه الدولة وفي مختلف إماراتها نظاماً سالكاً ومنساباً للطرقات مدعوماً بوسائل نقل مختلفة، وشبكة تواصل إلكترونية وغير إلكترونية تعد من الأسرع في العالم والأكثر أماناً فها هي إمارة دبي الواعدة تدهشنا بنظام تنقل عالي السرعة يفوق في سرعته سرعة الصوت حيث عزمت دبي بشكل رسمي على الانتقال إلى عصر جديد من التنقل باستخدام قطار فائق السرعة يمكن الشخص من قطع المسافة ما بين دبي وأبوظبي في 12 دقيقة، كما يمكن الوصول إلى دول مجلس التعاون الخليجي في وقت قياسي، حيث سيتمكن من الوصول إلى الرياض من دبي خلال 48 دقيقة، ومن دبي إلى الكويت في خلال 36 دقيقة، ومن دبي إلى مسقط في 27 دقيقة، وأما الدوحة فأنت تصلها من دبي في خلال 23 دقيقة لا أكثر هذا هو الهايبر لوب وبوقفة صغيرة عنده نجده عبارة عن دمج لأنابيب منخفضة الضغط خالية من الهواء، تربط بين محطتين و داخل هذا الأنبوب كبسولات ركاب تندفع بسرعات عالية على وسادة هوائية مضغوطة لا تحتك بجدران الأنبوب بفعل حقل مغناطيسي يولده مولد كهربائي يستمد قوته من الطاقة الشمسية، وهكذا تستطيع كل كبسولة حمل نحو 20 راكباً، ويمكن إطلاق كبسولة للركاب كل 30 ثانية في الخط الواحد دون أي مشكلة أو خطر لاصطدام الكبسولات ببعضها بعضاً أو خروجها عن المسار، كما توجد مسافة أمان بين كل كبسولة والأخرى تبلغ خمسة أميال..

وعودة إلى بدء المقال فقد يظهر لي كقانوني مهتم بالإجراءات ودقتها ونظاميتها أنه لابد أن يرافق هذا التطويع الباهر لوحدات الزمن مراجعة كاملة للمدد والمواعيد الإجرائية، فمواعيد الحضور لخصم يمكنه التحرك والتنقل وفقاً للمعطيات الحادثة حالياً لم يعد مناسباً فما بال خصم أو طرف ستصبح له إمكانية التنقل بأكثر من سرعة الصوت فهي حتماً لا يمكن أن تحسب بالأيام، و أن إخطار الخصم الفاشل في سداد دين ثابت بالكتابة سيتوجب تحديدها بالساعات في ظل إمكانية الوصول والعلم به، وينطبق الحال في شأن إمهال الطعون في الأحكام أو المدد الاستئنافية لا يمكن أن تتراخى في وحداتها الزمنية أو حتى الإبلاغ والتبلغ ،عليه أن يتوافق مع سرعة ودقة إمكانية إيصال العلم والتبلغ به ونتطلع أن يأخذنا عصر الهايبر لوب والتوثيق الإلكتروني إلى عصر المحكمة ذات الجلسة الواحدة.
أسامة رقيعة- المدير القانوني لمجموعة شركات ان ار ال بدبي.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..