هل كان خطاب القاعة فقاعة؟

لربع قرن ظلت القوى السياسية في السودان تطالب بالحوار مع الحزب الحاكم. وظل الأخير يراوغ ويماطل . وعندما يجد نفسه مضطر يعقد الحوارات الثنائية . وهي حوارات غير مفضية لحلول. لكن الحزب الحاكم يشتري بها المزيد من الوقت. يعرف من خلالها مواقف القوى السياسية التي يدعوها للحوار. الأحزاب في أغلبها ظلت مبدئية وبرئية في طرائق تفكيرها والمؤمن صديق. فكلما حاق بالحزب الحاكم امر جلل دعا القوى السياسية للوقوف معه من أجل الوطن. وللأمانة فقد كانت استجابة الأحزاب وكل القوى السياسية بقدر نداء الواجب .تتناسى ان كل مصائبها من المؤتمر الوطني وتسرع لتلبي نداء الوطن.

وفي خطاب قاعة الصداقة في أواخر يناير المنصرم والذي حمل اسم الوثبة ذهبت الأحزاب لتستمع لما ظنته خطاب تاريخي. كان الناس -كل الناس- يتوقعون خطاب يؤسس لمرحلة جديدة . ويبدؤها بمقترح حكومة قومية إنتقالية . لكنه لم يفعل. الخطاب كان محيرا بالفعل. إبتداءا من معانيه (المدغمسة) مرورا بقضاياه المطروحة واولوياتها إنتهاء بردود أفعاله من عضوية الحزب الحاكم .ولأن الهزيمة تولد يتيمة وللنصر ألف أب فقد تنصل الجميع من الخطاب.فهو يفترض ان يكون تاريخيا. ولم يكن كذلك .وكالعادة عندما قلت الفوائد وشحت العوائد شغل الحزب الحاكم الناس بالصوارف . فإنشغل الناس بالصياغة والبلاغة في لغة الخطاب . وفات عليهم إن البلاغة هي في مخاطبة الناس بما يفهمونه وفق مقتضى الحال. ومقتضى الحال كان يتطلب مفردات سهلة ومعاني واضحة فالخطاب كان موجها لكل الناس . وليس لنخبة فكرية فقط.

كنتيجة طبيعية لسنين طويلة من محاربة الإنقاذ للأحزاب ومطاردة قادتها وعضويتها ظهرت أثار هذه الحرب المتواصلة عليهم. كان ذلك واضح في دهشتهم وتساؤلاتهم وترددهم في المبادرة بالأسئلة والجرأة في الإستفسار. دخل رجالات الأحزاب ونساؤها للقاعة وخرجوا منها وهم كباقي الناس -كل الناس- أقل فهما منهم قبل أن يلجوا القاعة. دخلوا ليخرجوا للشعب السوداني بما يرجوه. حكومة قومية تمثل كل الطيف السوداني. تضع حدا للحروب وتتصدى لإشكالات البطالة والأزمة الإقتصادية .تصحح صورةالسودان التي شوهتها الإنقاذ .تزيل التشوهات التي ألحقها تجار الدين بوجه الإسلام الجميل .تعيد رتق النسيج الإجتماعي الذي مزقته القبلية والمحسوبية والتمكين.تقوم بتطبيق القوانين وتحاسب المفسدين تستعيد أموال الشعب السوداني هربها ضعاف النفوس للخارج وتعمل على رفع العقوبات الإقتصادية وإعفاء كل أو بعض الديون الخارجية . تلغي الرسوم والجبايات عن الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها حتى تدور عجلة التنمية . خلق المزيد من فرص العمل. هذه هي قضايا الشعب الملحة. ومع إستمرار الحزب الوطني على كراسي السلطة فإن حلولها غير واردة .السبب بسيط المؤتمر الوطني لا يملك حلول والدليل فشله في حل هذه القضايا التي أوجدها من عدم بسياساته الخرقاء. وهو الذي فاقمها بالتسييس والتمكين ومعالجة الأخطاء بالمزيد من الأخطاء. الذين أجلسهم على وظائف من شردهم ليس لديهم دوافع لتطوير انفسهم و الإبداع . فهم يأخذون إمتيازات ومخصصات أكثر وهم لا ينتجون حلول ولا يخافون حساب . وبعبارة أخري لا يملك الحزب الحاكم حلول وليس لديه حافز لإنتاجها ولا يستطيع وحده إيجادها. لو كان يستطيع لفعل وكفى نفسه شرالقتال وذل السؤال.

إن الحزب الحاكم لا يريد حوار معافي يفضى إلى حلول جذرية لأزمات السودان .حلول تولد في أجواء سليمة وتنمو معافاة . انه يريد ان يتحكم في القادم أيضا بعد ان تحكم في ربع قرن. ألا يذكرنا هذا بقصص من حاولوا توريث أبناءهم وأصدقاءهم؟ ينسى قادة المؤتمر الوطني إن البدايات الخاطئة تنتج أوضاعا خاطئة. وكل ما يعانيه منه السودان الآن سببه البدايات الخاطئة في التعامل مع المشكلات. حتى أصبح هم البعض هو الجلوس على الكراسي والتسبب في المآسي.

المؤتمر الوطني بعد أن (ضاق بيهو السبيل و حار بيهو الدليل).يدعو القوى السياسية للحوار. لكنه لا يدعوها بنية سليمة. انه يدعوها ليأخذ منه ما يساعده للبقاء أطول على كراسي السلطة. تفويض ومواقف وقبول خارجي وكوادر وأفكار .

إذن لتستعيد هذه القوى ثقتها في نفسها وعضويتها .تراجع مواقفها وأطروحاتها وأفكارها.ربما تجد إن بعض هذه الأقكار مثالي لكن إن تحقق بعضه فهو في صالح الشعب وخير السودان. حينها تجتمع الأحزاب بالمؤتمر الوطني أنداد بغير انقياد. وتناقش قضايا الوطن بكل ثقة. لثقة بالنفس تساعد العقل على التذكر والتفكر.إسترجاع التجارب المشابهة وإبتكار الحلول الصحيحة.ما يريده السودان هو حلول جديدة لمشكلات قديمة.مشكلات تتجدد وتتفاقم بسبب البدايات الخاطئة والوسائل غير الناجعة.القوى السياسية بمختلف احزاب ومنظمات مجتمع مدني وأفراد تملك عقول يمكن ان تنتج مقترحات حلول ناجحة . لكن الجزب الحاكم لن يعطيهم الفرصة . عليهم إنتزاعها منه .

والله المستعان
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..