
قضية دارفور منذ بدايتها شكلت أرضية ٍ للعديد من المواقف والإحداث والكثير من المتغيرات إن كانت على صعيد المواقف الشخصية أو المبدئية للأفراد والمجموعات وحتى الدول…بعض هذه المواقف شكلت مفارقات بعثت الحيرة في النفوس وأفعالٌ تقطبت لها الجبائن،ورفعت الحجب والحواجب من هولها بالعجب والذهول حتى فاضت الألسن والأعين بالدمع والحزن من هولها فلا هي بالصدقة للتي رأت ولا هي قد وجدت باب لتكذب الوقائع،وهي الشاخصة والماثلة كجبل الهم الذي لا تذريه ريح الامنيات ولا طنين الهنهنات ولا يخفف وقعها وواقعها ما يتصنعه الصانعون من سراب الوعود فهي أوهى من حبال العنكبوت،فلاهي بالساترة الواقية من الصدمات وعصف الريح وزرب المطر،كماء الظن فلا أسقى ولا أروى وما أكذب الظن من ماء،فاذا ما تمعنا أنا وأنت في سرعة التبديل وتغيير المواقف في الأشخاص والحكومات لبان عمق الأزمة وجسامة الموقف، وعرفت سر هشاشة المواقف وضعفها،ولعلمت جوهر عدم استقرار الحلول عندنا وأنفضاض السمار عن كل الذي يتم في الاتفاقيات على اختلافها ولعلمت لماذا هي كلها صارت هباءأً منثورا ،ولماذ هي تمزقت بين البين تبعثراً وتصرماً وتهشماً،فاستقرار الشعوب لا يأتي إلا بخلق مناخ ٍ يوفر الأمن والسلام الدائم والمستدام باستدامة إحقاق الحقوق وإقرارها لاهلها حقاً مكتسباً لا منحة ولا عطاءً نلا تبعيض فيها ولا تجزئ،أو يعطى البعض ويمنع البعض الاخر ولا أن جزء منها ويتركا بقايه ولعمرك هي وقتئذ القمسة الضيزى،فلا عدلٌ أقام ولا سلام ادام،وكل ذلك لا يأتي عن طريق إرضاء طموحات الأفراد واستقطابها وتغليبها خصماً على حقوق الأغلبيات والعمل على تفتيت مصالح الجماعات،فهذا لا ينجب إلا مزيداً من الصراعات ويضيفاها على النزاعات القائمة،كما أن هذا الميل في إرضاء النزعات الفردنية يزيد ويزكي من شهوتها الطامحة للإرضاء والاستحواذ،فطبيعة النفس المستغلة والمتربحة بقضايا الشعوب،هي باصل طيبنتها وتركيبها مستعدة للمساومة بمعانات الناس والمزاودة بجراحاتهم،و من ثم بيعها بابخس الأثمان،وهذا سمة من سمات وعلامة ٍ من علامات زمن الطموح الفردي،والاستقطاب المزايد على الحق العام والتربح به ،وكل من يأتي ويدخل بهذا العقل والفكر المكابر،هو أعمى لا يبصر وفكرٌ سقيمً عقيمٌ لا يثمر،وما أكثرهم ،فاذا قلبت النظر وتمعنت في حالنا لوجدت خمسة وستون عاماً ،ما أغنى عنا نظراتهم شيئاً،والنتيجة ما لا يتشكك فيه احداً مطلقاً من بيانها ,كل ما نحن فيه من عجزٍ وكره وبغض وما نحن فيه من تنكرٍ،وعدم ثقةً لبعضنا هي من تلكم الخلاصات،والبذرات النائمة في أعماق ماضينا القريب،وهذا ما جنيناه من تجاربنا بتلكم السنوات وقد تراكمت ،فكان هذا الطقس المكفهر مع الحكمة الغائبة وضياع الرؤية الثاقبة،فقدنا تلكم الرؤية التي تضع نصب عينها وهمها مشاكل الوطن،وتجعلها فوق الجميع ،الرؤية التي تحمل هم الجميع على قدم المساوة وتضع الحلول ،ولا تقديم متطلبات أهل المدن على حساب متطلبات اهل الريف، فالاولوية هنا وهناك يجب أن تكون متساوية في أهميتها وضرورتها،فالمعلوم بأن للريف متطلبات وضرورات،لا تشبه مطلوبات أهل المدن،فما يحتاجونه من غذاء ومواصلات مثلاً،يختلف عن أهل المدن في الكم والكيف،فغياب تلك النظرة الباصرة التي بمقدورها أن تتحسس هذه الفروقات والاختلافات ،وتستطيع بهذه المعارف أن تصوغ خطط تعالج هموم هذا الوطن وتتلمس مكامن الجراحات فيه ولا تتنكر أو تتنكب عليه أو أن تلغيه أو تغيبه أو تقفز عليه ولا تتمرغه بطينة الجهوية وأوحال الاثنية والعنصرية الآسنة ولا تعطنه بمستنقع الاستعلاء الأجوف،والمناطقيه الكليلة السقيمة.
خمسة وستون عاماً هو عمر السودان المستقل،وهو عمرٌ لسنوات العجز والتيه المبين،ايٍ ورب السماء والأرض أنه هو التيه والعجز المبين،فلقد عجزنا في كل شئ إلا التشدق ،وادعاء ما لا نملك وما لا يقم اصلاً ولا صلباً،وفيه عجزنا من ان نبي وطناً يجمعنا ،يشكل ملامحنا ويحشد كل ما فينا ،وعجزنا من أن نجد رأية توحدنا ونستطيع بها أن نصوغ تنوع تراثنا وتشكيله في سبك متقناً يصهر كل عناصره التاريخية والجغرافية ونوظيف من خلالها كل مواردنا لاجل أن خلق معطيات تجعل من الإنسان السوداني ينزع مفتخراً ينزع لوحدة طوعية ،بلا قسر أو إمتهان أو تعالي ٍ ونرجسية ،ومن المؤسف أننا قد نجد هذه النرجسية النازعة للتعنصرة والنازعة في جوهرها لتشطير هذا الوطن الذي يكاد أن يتماسك ،نجد ما يفرق بين السوداني والسوداني في كل الكيانات وما كل أفرزتها من منتجات،اذا تأملت ستجدها بين شفرات ذراته ،ومشارباً فكرأ،ستجدها كائنة متمكنة في خصائص جزيئاتها وفي بنياتها الثقافية التي لا تزال قائمة عليها،وستلمس بيديك العاريتين ملامحها وتفاصيلها اتي تظل بأئنة رغم المساحيق والطلاء لتزين عوارها وتغطية عوراتها ،وعندها ستعرف ،وقتها كم أن الممارسة السياسية ظلت عبر سنواتٍ طويلةٍ من تاريخ السودان القديم والحديث،محكومةً بطقس الصراعات القديمة ودوافعها التي لا تخلو من أثنيةٍ عنصرية،قبلية،مناطقيةً جهويةً تنطلق كعنقاْء عمياء بكماء تنفخ بالشهب واللهب،تسعر الأرض بالبغضاء وتزكي نيرانها لتحرق الارض والناس والشجر والحجر،فها نحن الان مكبلين بتلكم الاوصار والأغلال صراعاتها وثاراتها من أخمص أقدامنا الى نواصي جباهنا ،وتنكرنا على كل شئِ فينا حتى جلدنا، السنتنا ،وجوهنا،امهاتنا،ابهاتنا ،لقد تنكرنا يا سيدي تنكرنا،فأنكرنا دمائنا،أعراضنا،وبعنا أرضنا،فأنظر كيف صارت مساحة السودان الذي أصبح كعريان لا يكاد يغطى اسفل سوئته،ولا تعجب أو فأعجب فقد تنازلنا عن اجزاءه طوعاً لارضاء البعض من اجل الانتماء والتلصق بمن لا يرومنا الا كما يريد السيد الإماء والجواري والخصيان والعبيد،تنازلنا عن اخواننا وبعناهم وأنفسنا بالزيف ومن أجل هوية متوهمة،حتى صرنا مسوخاً كما ترى ,نلطخ ووجوهنا السمراء بالمساحيق وبالعار،حتى نكرتنا ذواتنا واصلنا،وقد كان ثرانا في تعددنا ونحن عادينا تعدد أنماط ثقافتناوتنكبنا على مشارب تراثنا رغم ما فيه زخائر،فعجزنا في أن ننسجه ونرفع منه علماً يوحدنا وعجزنا أن نقيم به وطناً يحترم عادتنا و يجمع كل ما فينا من تباينات ثقافتنا ليمنحنا الحرية ويعزز فينا الانتماء ويزرع في دواخلنا التقدير والاحترام، ليكون وطنا تحملنا ارضه ،وتظلنا سماه ،ألم يأن لنا إن ننهض ونستبين طريق الهدى وسبيل الرشاد،سوف نحصد ما غرسناه من بذور بغض ٍ زرعناها بأيدنا،فما زرعنا من بغص لا يثمر مناً ولا سلوى ،فما بذرة سيجني زارعه اضعافاً مضاعفة مما زرع ،فمن الغباء بمكان أن نرجو أن يعطينا زرعنا غير ما زرعنا،وأنى يكون من غير بذرها ثمراً…نخلص من هذا بأن الوحدة الوطنية هي بذرة تزرع فتأتي ثمارها استقراراً تعاضداً وأمناً واحساس وشعوراً مشتركاً بين أفرادها،وهل هي صناعة وبناء لها هندسة ؟!وهل هي تصاميم وخرائط ونماذج؟!،فإن كان كذلك فهل فكرنا بأن نقدم خريطة سودانية،لتحقيق الوحدة الوطنية وماهي مقترحاتنا كجماعات وأفراد في تصميم هذه الخارطة والمساهمة الوطنية النبيلة والواجبة لبناء وتشيد هذا الصرح.