مقالات وآراء سياسية

سوس الأجهزة الأمنية والنظامية والشرطة و 30 يونيو

جبير بولاد

لعل ما حدث البارحة من تمرد و إعتراض صاخب و إهانة لوزير الداخلية الفريق عز الدين الشيخ ، كان سبب دهشة لقطاع كبير من السودانيين ، و لكننا لأننا نرصد الاشياء و نعيدها بالقراءات المتأملة، لم تصيبنا أي دهشة ، بل و بالعكس ، كنا نتوقع اكثر من ذلك من تركة انقاذية لم يفعل فيها الكثير من أجل وضعها في مربع أهداف الثورة السودانية و تصحيح عقيدتها و أتساق تراتبيتها ، و ظللنا ننادي بالاشتغال في مناطق التغيير الحقيقية حتي بحت اصواتنا و تقطعت حبالنا الصوتية و في كل مرة يحدث ما حذرنا منه و توقعناه.
القوات النظامية و الامنية و الشرطة في عهد الكيزان الكالح تحولت الي دوائر أمراء و عصبجية يدفع لها فيما يشبه (المقاولة ) لتقوم بعملها الذي أساسا أنشئت من أجله و تنامي هذا الشكل العجيب لينتج ضباط(رجال أعمال ) و لما ترسخ هذا الشكل و ترهل و اصبح عبء علي البشير تحول الي صناعة المليشيات و الدفع الي قوادها، فظهرت لنا اسماء طبعها مثل الشياطين من امثال(كوشيب ) و (هلال ) و آخرهم(حميدتي ) و الذي مثل ذروة المشهد العبثي للبشير حتي سماه (حمايتي ) !
اذا ، تحول الزي العسكري و حمل السلاح من واجب وطني ، يحمل قيم رفيعة الي مهنة و احلام لبناء امبراطوريات مالية و شبكة مصالح شخصية.
ليس هنالك شك في اننا مع تحسين وضع العسكري، راتبه، حقوقه، احترامه اجتماعيا طالما هو يمثل خط الدفاع الاول للمجتمع المدني و اعرافه و قيمه، و يدافع ايضا عن الوطن و مكتسباته و لنا تاريخ مشرف في الافراد العسكريين من حيث الانضباط في المظهر و السلوك العام و يجب علي الحكومة بأستمرار ان تصلح أوضاعهم و لكن ما حدث من فرع العمليات (الامن ) من قبل ، و ما حدث البارحة من الشرطة ، يضعنا امام قنابل موقوتة خطيرة من مؤسسات عسكرية لا تشبه إرثها و لا تحمل اي قيم لتاريخها الطويل و لأننا كنا ندرك ذلك، قلنا من قبل، اولي القضايا التي تحتاج عمل سريع و حاسم هي تفكيك تلك التركة السامة، شكلا و مضمونا، و عقيدة و ثقافة قانونية.
الآلاف من المواطنين السودانيين و شريحة الشباب الخريجيين و المفصولين تعسفيا، كل أولئك كانوا من الممكن ان يكونوا بذرة جيدة لأجهزة نظامية ليست غريبة علي المجتمع المدني، بل فيما بعد الثورة تكون قد تشربت معني جديد اقرب لروح القانون و ثقافة التعامل مع عهود الديمقراطية و الحرية والعدالة، و هذا ما سيكون عليه الوضع في إستعادة الروح الاصيلة للسودانيين منذ فجر التاريخ و الحضارة .. لقد ضللنا طريقنا بعيدا و حان الوقت لأستعادة طريقنا و موضعنا الزاهي بين الامم في التاريخ و الحاضر  .
ما حدث يجب أن يؤقظنا من سباتنا العميق و استغراقنا في القضايا العبثية التي علي الدوام منشغلة بها قوانا السياسية و ممثليها في السلطة في المرحلة الإنتقالية  .. علي القيادة المدنية(حمدوك ) ان يكون اكثر يقظة  ، لقد ترهل الوقت عندك حتي انقسمت الكتلة الشعبية التي كانت تساندك و رحت في اخر السير تطلب تشكلها من جديد، التاريخ ليس طوع بنانك، حرك ايقاعك بمستوي المرحلة أو  الطوفان.
.. بقي أن نقول لابد من مواكب ال 30 من يونيو، فهو حق كان قربانه الدم و الروح و المحارق، هذا الفعل هو الذي يؤكد لنا دوما جذوة ثورتنا المتقدة، بدل تخويف الكنداكات و الثوار كان علي القادة مدنيين و عسكريين ان يتقدموا هذه المواكب و يحرسوها و يخاطبوها بما يضمن بقاء روح الثورة متقدة و اهدافها واضحة و معلنة و ماضية في التنفيذ و لكننا ماذا نفعل في ضعف الهمة و فسالة النفوس التي تأتينا علي غفلة منا لتسنم مشهدنا و لحظاتنا التاريخية .. قوي كل شغلها المحاصصات في الغرف المغلقة و عقد التحالفات الخائبة.
الثورة عمل مستمر.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..