(قيدومة) انقلاب الإنقاذ..!

خط الاستواء
عبد الله الشيخ
اليوم ذكرى انقلاب الإنقاذ.. سيتكفل التاريخ بايراد الحقائق عارية وصادمة.. سنتعلم من الأيام و الآلام، لكن ما تكشف من حديقة المساء، ألا مقارنة بين هذا، والانقلابات الاخرى… شهداء 19 يوليو وشهداء رمضان، لم ينقلبوا علي نظام حُكم مُنتَخب، إنما كان حراكهم انقلاباً علي انقلاب.
الحزب الشيوعي (رَكَزْ) لانقلابٍ لم يدبِّره، والاسلاميون أنكروا إنقلابا دبروه، وتحوطوا بكل الحيل لملافاة فشله، واستمرأوا التخفي شهورا.
كان 19 يوليو إنقلاباً، والإنقلاب العسكري – من أي جهة – هو محض مغامرة، أو (لائحة تفسيرية) تسعى إلى تبرير الفشل السياسي في الوصول إلى الحكم بطريقة شرعية. جاء إنقلاب يوليو في ظرف مرتبك فرضَ علي عبد الخالق – له الرحمة – واقعاً لم يتمكن من رفضه، فتحمل مسئوليته بشرف، تماهياً مع القيم السودانية في المرجلة والصمود، وعدم خزلان الرفاق.
كانت إنقلاباً ضد انقلاب قائِم. كانَ يوليو قيدومة لانقلاب الأُخوان، لولا أن مرارة الفقد ظلت محسوسة لدى طرفي النّقيض، لدى من كانوا داخل معسكر التصحيح، ومن كانوا خارجه.
ولقد بكى النميري – يقول د. منصور خالد – رفاقه بدمعٍ طافِر.. ما حدث في تلك الأيام لايمكن تقييده بإثباتٍ أو نفي عجول. كان للحزب الشيوعي رأيه في الحركة لكنّها حين أصبحت واقِعاً، تصدى لها.
كان جرحاً عميقاً عبِّر بصورة واضحة عن أزمة مثقفي وعسكرتاريا العالم الثالث. الرجال قضوا نحبهم: ماتوا واقفين كما الأشجار.. الشجاعة والشهامة التي واجهوا بها مصيرهم، نقلت الحدث من خانة إنتماءه إلى اليسار، ليكون حدثاً وطنياً بامتياز.
لم تزل دماءهم فائرة وطرية كما لو أنها سالت بالأمس. كان منفذي حركة يوليو فصيلاً متميّزاً داخل تنظيم الضباط الأحرار. قالوا في بيانهم أنّهم أرادوا تصحيح مسار الثورة السودانية الممتدة..
المواقف البطولية والعنفوان التي اظهره أبطال يوليو في المحاكمات وعند تنفيذ الأحكام، يجعل منهم كوكبة شهداء يصعب نسيانها. عندما تدحرجت تروس الانقلاب، دهَسَت عُظماء كان الثّبات سيماهم، وفي وجوهِهم.
فشلت (الحركة التصحيحية) لأن الجماهير الشعبية كانت في قمة تفاؤلها بالنظام المايوي الذي كان قد تبنى شعارات ثورة اكتوبر.
مايو في بداياتها وجدت تاييداً ودعماً واسعاً من القوي الحديثة. كان الثمن فادحاً على الحركة الجماهيرية التي كانت معبأة مع النظام، فالجمهور العادي لا تعنيه التكتيكات..
كان للإنقلابات العسكرية قبولا أوان الحرب الباردة، والقبول بها يجيئ من أحد القطبين، حسب (الكنْتَكَة) يمينا أو يسارا.. أما وقد إنهار النظام العالمي القديم، فقد أضحى الإنقلاب سباحة عكس التيار ولم يعد يجد القبول والدعم إلا على استحياء.
إنّ عدم نضج الظروف الموضوعية للتغيير، يفضي إلى إنهيار التدابير الدقيقة..
من هنا فشل انقلاب 19 يوليو،، فهل يا ترى (نجح) انقلاب يونيو؟؟
قال الفيتوري: كلُ سحابة موتٍ تنامُ على الأرض، تمتصُّها الأرض، تخلقها ثورةً في حَشَاها!
المواكب