المنوعات

العاقب محمد حسن.. فنان صاحب تجربة مختلفة عن حال السائد

على درجة عالية من التطريب حتى أصبح مطرب المطربين

(1)

العاقب محمد حسن.. مطرب المطربين، هكذا كان يطلق عليه هو والراحل خليل إسماعيل.. فكلاهما تمتع بتلك الخاصية النادرة التي لا تتحقق إلا بمقدار ضئيل جداً ولا تتوافر في العادة.. كان العاقب نموذج للفنان المختلف في كل شيء.. فهو سلوكياً عرف بأنه كان قويماً ومتديناً.. وإبداعياً كان ملحنا من المقام الرفيع لا سيما وهو المسنود بقاعدة أكاديمية تحققت له إبان دراسته للموسيقى في معهد الموسيقى الشرقية بجمهورية مصر.. كان العاقب فناناً صاحب تجربة مختلفة عن حال السائد وعرف باختياراته الرصينة والدقيقة فهو لا يغني “أي كلام” ولا يلحنه كذلك.

(2)

ذات مرة سألت الأستاذ الناقد صلاح الباشا عن العاقب محمد حسن، فتفضل وحكى لنا ولكن بشكل مغاير، حيث اختار الشكل القصصي وليس السردي التقريري.. حيث قال (حكى لنا ذات مرة صديقنا الشاعر السر قدور بأنه وفي نهاية خمسينيات القرن الماضي حين كان شاعرنا يسكن في حي البوستة بأم درمان ويسكن العاقب ايضاً في ذات الحي، أن كتب شاعرنا أغنية ذات جرس غريب ومفردة كانت جديدة وقتذاك، فعرضها للفنانة عائشة الفلاتية للتغني بها، فرفضتها وسخرت من مفرداتها، ثم عرضها على غير فنان وملحن .. فلم يستطيعوا فهم معانيها، بما في ذلك صديقه الملحن الراحل عوض جبريل، ثم أتى بها للعاقب وهو في حالة يأس من زوغان الفنانين منها.

(3)

وأضاف الباشا(كان العاقب لها.. بل أعجب بها أيما إعجاب وكان يحس بجمال مضامين مفرداتها الجديدة وقتذاك، فأنجز لها لحناً أعجب كل الوسط الفني.. بل أعجب كل محبي الفن الهادئ، مما أثار حنق وندم الفلاتية وغيرتها الفنية حين سمعتها من العاقب عبر المذياع وقد أصبحت الأغنية حديث المجتمع الفني، وحين قابلت الفلاتية شاعرنا السر قدور بردهات الإذاعة بأم درمان قالت له بكل غضب: داهية تخمك وتخم عوض جبريل مثل كل ألحان العاقب:

يا حبيبي …

نحن اتلاقينا مرة

في خيالي وفي شعوري ألف مرة

(4)

فمن منا لم يردد مع العاقب تلك الأغنية التي لازالت تحافظ على ذات ألقها، ومن منا لا يحس بمدى كمية التطريب العالية القادمة من خيال العاقب الخصيب والذي كان يمثل قمة من قمم الفن السوداني الجميل على امتداد مسيرة الأغنية السودانية الحديثة. وهو مبدع أسطوري من الصعب أن يتكرر أمثاله في ظل الواقع الفني الراهن الذي نشاهده الأن.. والعاقب تجربة عصية على التكرار والنسخ.. وهو بتقديري نسخة واحدة يصعب جداً أن نشهد مثلها في التاريخ الحالي.

(5)

وقال صلاح الباشا (نحن مازلنا نطرب ونعجب بروائعه الخالدات: غني يا قمري.. إتدللي.. هذه الصخرة.. نجوى، ونزداد طرباس حين يترنم العاقب كثيراً برائعة أحمد المصطفى عميد الفن السوداني: وين يا ناس.. حبيب الروح.. وين يا ناس أنا قلبي مجروح.. بل وتكفينا طربًا وتطريباً رائعته التي قام بإهدائها للفنان الطروب محمد ميرغني (حنين إليك) والتي صاغها شعراً شاعرنا السر قدور أيضاً. كما نظل نذكر كيف كانت الراحلة المقيمة المبدعة الأديبة (ليلي المغربي) لا تمل الحديث عن روائع العاقب محمد حسن، للدرجة التي طلبت منه أن تقدم كلمة جميلة جداً في بداية إلبومه الغنائي الخالد والذي كان يحمل عنوان (هذه الصخرة).. تلك الأغنية المشهورة: يا حبيبي ظمئت روحي وحنت للتلاقي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..