الاقتصاد السياسي للسودان.. الهيبيك بين مثالية إعفاء الديون و تحديات التطبيق

سبنا إمام ـ باحثة دكتوراة بجامعة أريثموس، هولندا.
إن اي تقدم للسودان نحو حل ديونه غير المستدامة هو بالتأكيد خطوة للأمام نتمنى أن تصل إلى نهايتها المنشودة. ولكن بالنظر إلى كيفية تعاطي القوى السياسية الداخلية والمحاور الإقليمية والدولية التي احكمت السيطرة على عملية الانتقال وافرغتها تماما من اي مشروع وطني خالص؛ يثير شكوكا كبيرة حول ان المحرك الأساسي للإصلاح الاقتصادي بات سياسيا واستخبارتيا ويبتعد كل يوم عن المهنية الاقتصادية التي تضمن نجاحه ووصوله لغاياته.
الشكل المرفق يوضح مراحل الهيبيك في نسختها الحديثة التي تمت المصادقة عليها في العم 1999. او ما يعرف بال HIPIC II. ويوضح الشكل ان اي دولة لتصل لنقطة القرار تحتاج ثلاثة سنوات وعلية فإن الوصول لنقطة القرار يؤكد أن عملية الانخراط في الهيبيك قد بدأت في عهدالنظام السابق وتحديدا منذ العام 2017.وهو ما يؤكد ما كررناه كثيرا من أن البنك والصندوق لم يأتيا للسودان بعد الحكومة الانتقالية وإنما هو برنامج انخرطت فيه الإنقاذ منذ انفصال الجنوب وفعلا قامت الإنقاذ برفع الدعم عن السلع والوقود كما اسلفنا في مقالنا السابق في إطار برنامج مراقبة الصندوق ولتستوفي شروط نقطة القرار الخاصة بالهيبيك. وعليه فإن السياسات الاقتصادية الحالية هي امتداد كامل لسياسات النظام السابق وهذا بدوره يفسر اختيار معتز موسى لحمدوك وزيرا للمالية. لأنه كان الرجل المناسب لتنفيذ هذة السياسات ولكن الشعب فاجأ الجميع بثورته التي لم يتحسب لها لا المحاور ولا الغرب ولا غيرها.
على اية حال الحمد لله ان وصل السودان لنقطة القرار ولكن استخدام قضية الديون للترويج السياسي والادعاء بأن الهيبيك خير مطلق لا شر فيه مجانب للصواب وينطوي على تضليل كبير. فبناءاً على الدراسات التي تضمنت تقيما لأداء المبادرة في كثير من الدول وعددها 40دولة حتى الآن خلصت إلى ان المبادرة لا يمكن وصفها بالنجاح او الفشل فقد نجحت في مساعدة بعض الدول الا انها فشلت في دول أخرى فمن بين ٤٠ دولة وصلت٣٢ دولة لنقطة الاكتمال بنتائج متفاوتة. وذلك لان الهيبيك كما انها تساعد في خفض الديون هي أيضا تنطوي على إجراءات لها آثار سالبة على مؤشرات اقتصادية اخري وفيما يلي نلخص اهم ما يؤخذ على المبادرة من الناحية العملية وأهم ماتنطوي عليه من تحديات :
أولاً، في أغلب الدول ال٣٢ التي وصلت نقطة الاكتمال تدهور فيها الإنفاق على التعليم والمساواة بين الجنسين نتيجه التكلفة العالية لإجراءات خفض الديون. وعليه فيمكن القول ان الهيبيك وان كانت تلعب دورا في تحسين استدامة الديون الا ان هذا التحسن لم تتم ترجمته في شكل تحسن تنموي ينعكس على رفاه المواطنين وتوفير احتياجاتهم الأساسية للصحة والتعليم.
ثانياً، عدم ملائمة المبادرة : تعتبر المبادرة غير ملائمة لظروف الدول الفقيرة بسبب معايير إستيفاء الشروط ومقاييس تقييم مدى استدامة الدين. وذلك لان المعايير تركز على السياسات والاصلاحات الهيكلية اكثر من معالجة مشكلة الفقر ولذلك ففي الوقت الذي تدفع فية في اتجاه تخفيض الديون فانها أيضا تزيد الفقر في الدول النامية. فمثلا نيجيريا وغينيا تم استبعادهما من الهيبيك بعد نقطة القرار لأنهما لم يستوفيا شروط IDA وعلى الرغم من أن نيجيريا كان حجم الدين للصادر فيها ١٨٨٪ وهو اكثر بنحو ٣٨٪ من معيار الهيبيك للوصول لنقطة القرار. ومع ذلك تم رفض وصولها لنقطة الاكتمال وبالتالي لم يتم إعفاء ديونهما ولم يصلا لنقطة الاكتمال.
ثالثاً بطء المبادرة، عادة يقال ان الفترة الزمنية بين دخول الهيبيك)(الوصول لنقطة القرار) وبين الوصول لنقطة الاكتمال هو ثلاثة سنوات ولكن في الواقع يتطلب الوصول لنقطة الاكتمال على الاقل ستة سنوات وبعد الوصول لها قد يستغرق اعفاء الديون عدة شهور كما حدث لبوليفيا واوغندا وموريتانيا.
رابعاً الهيبيك تتجاهل الصدمات الإقتصادية الخارجية؛ فالدول النامية كثيرا ما تتعرض لصدمات انخفاض اسعار صادراتها اوكميات الصادر نتيجة للتركيز العالي لهذة الاقتصادات واعتمادها مصدرا واحدا لعائد الصادر وعليه وفي أثناء فترة الهيبيك تعرضت دول كثيرة لا رتفاع نسبة الدين للصادر مثلا تنزانيا وحيث ان نسبة الدين للصادر تصبح من أهم المؤشرات الكلية لدولة الهيبيك فإن تدورها يحول بدوره بينها وبين الوصول لنقطة الاكتمال التي تسمح ببداية إعفاء الديون.
خامسا ًالهيبيك أداة تخدم أهداف الدول الدائنة، يجادل كثير من الاقتصاديين وعلى رأسهم بروفيسور ساكس ان الدخول في الهيبيك يفقد الدولة سيادتها الاقتصادية ويجعلها تحت سيطرة الدول الدائنة تماما طيلة فترة الانخراط في المبادرة وتجلى ذلك بوضوح في اضطرار الحكومات لتنفيذ شروط اقتصادية تؤذي في أغلب الأوقات الي زعزعة الأوضاع السياسية لكونها تضغط على الطبقات الفقيرة وتحملها اعباءاً اضافية لكونها الطبقة الأكثر هشاشة والاقل مرونه وبالتالي الاقل قدرة على التوافق مع الإجراءات الاقتصادية القاسية التي تفرضها الهيبيك على مدار سنوات طوال.
سادساً الهيبيك فشلت في أغلب الدول ال٤٠ في معالجة قضايا التنمية الاجتماعية وذلك لأن استراتيجية تخفيض الفقر الخاصة بالهيبيك لا تخاطب قضايا الصراعات الاثنية والقبيلة والدينية التي تعاني منها اغلب الدول النظامية خاصة الافريقية.
سابعا تضع الهيبيك مسارا متفائلاً اكثر بكثير من الواقع لانتعاش الاقتصاد تحت هذة المبادرة ولكن اغلب توقعات النمو الاقتصادي المتفائل في دول الهيبيك لم تتحقق على أرض الواقع بل ان بعضا من هذة الدول قد شهدت تراجعاً في معدلات نموها بعد دخولها المبادرة
ثامناً البنك الدولي والصندوق لن يلتزما بإعفاء اية ديون قبل الوصل لنقطة الاكتمال وهو ما قد يتطلب من ثلاثة لست سنوات وخلال هذة الفترة ستكون الحكومة تحت ضغط تنفيذ السياسات القاسية لاستيفاء شروط الوصول لنقطة الاكتمال من جهة وضغط الشعب الذي لا يمكنه تحمل ارتفاع تكاليف هذة الإصلاحات القاسية مما يزيد من خطر الاضطرابات السياسية خاصة في الدول الاكر هشاشة وقابلية للتفتت.
تاسعاًخلال فترة الوصول لنقطة الاكتمال يزداد الفقر كما وعمقا، ذلك أن الإجراءات التي تتضمن رفع الدعم الحكومي وخصخصة الخدمات الحكومية تجعل شريحة اكبر من السكان كل يوم غير قادرين على الوصول لهذة الخدمات الأساسية خاصة الصحة والتعليم مما يزيد الشرائح المنضوية تحت خط الفقر ويعمق من درجة فقرها بإستمرار.
عاشراً القروض التي تمنح حتي الوصول لنقطة الاكتمال يتم منحها لقيام مشروعات بنية تحتية غالبا من تقدمها شركات أمريكية واخري تابعة لدول نادي باريس، وهذة الدول تعتبر شريكا استثمارياً لا يعتمد عليه لأنها قد تغادر البلاد في حالة حدوث اي إنفلات او صراعات أهلية وذلك لان هذة الدول تولي اهتماما كبيرا بقضايا حقوق الإنسان مثل تجربة شيفرون في السودان حين تركت الاستثمار في النفط مع اندلاع الصراع في جنوب السودان بعد فشل اتفاقية أديس أبابا.
وعليه فالترويج لمبارة الهيبيك وكإنها عصى موسى وبأنها خير لا شر فيه يفتقر الحقيقية العلمية ولا تصدقه الدراسات العملية. وهو محض حديث نظري يتطلب الحكم عليه مزيدا من الوقت كما يجب أن يعي الناس بأنه ليس طريقا منبسطا وخال من أية تحديات بل انه بالنظر للظروف الخاصة بالسودان كان من المفترض أن يخضع دخولنا في هذة المبادرة للتداول طويل في مجلس تشريعي يقيم المنافع والمضار المحتملة كون الهيبيك تعني رسميا رهن القرار الاقتصادي للمؤسسات الدولية والدول التي من خلفها.
كما أن ديون السودان ينبغي أن يكون جنوب السودان شريكا بنصفها وهو ٥٠٪ منها حسب اتفاقية نيفاشا وهي ذات النسبة التي ستخفضها الهيبيك على الاقل بعد ثلاثة سنوات إذا نجح السودان في الوصول لنقطة الاكتمال بشروطها القاسية جداً. فلماذا الصمت عن هذا الأمر ولماذا يتحمل الشمال ديون جنوب السودان؟
واخيرا قد يتكرر ذات السيناريو لكون اتفاقية جوبا تسمح بأن تستدين الحركات الموقع مباشرة منالمؤسسات الدولية على حساب حكومة السودان وعليه قد نشهد انفصال اجزاء أخرى من السودان لكونه دولة قابلة للتفتت لخمس دول. وحينها ستذهب كل دولة بما استدانت ولن يبقى للدولة الام سوى أعباء الديون.
لا نكتب لنحبط الشعب الذي نتفهم ان الهزائم النفسية التي تعرض لها مراراً جعلته يتمسك حتى لو بالسراب كإستراتيجية للبقاء كما قال الطغرائي
اعلل النفس بالآمال ارقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
ولكن لرفع مستوى الوعي الجمعي والتوضيح الوجه الاقل جمالا للحقيقة والذي نادرا ما يتصدى احد لتسليط الضوء عليه.
واخيرا نحتاج شفافية اكبر من مجرد الترويج السياسي الذي يسطح العقول ويتعامل مع قضايا حساسة ببراغماتية سياسية قصيرة النظر قد تورد البلاد والعباد مورد الهلاك.
Isar, S., 2013. Was the Highly Indebted Poor Country Initiative (HIPC) a Success?.Consilience, (9), pp.107-122.
د. سبنا إمام
اولاً ود هدية اللص تم تقفيل كل الأبواب في وجهه القبيح من اي دولة و هو أصبح وقتها كالفتوة يقلع أموال الشعب عنوة و في الشارع، العقوبات الأمريكية كانت تمنع حتى سفر ود هدية اللص و من معه من اللصوص، ولم يكن يزور السودان اي مسؤول امريك او اوربي كبير، هي وإن حدث كما حدث لا يقابلون ود هدية اللص الباطل،
اما موضوع إعفاء الديون معروف انه عصابات البنوك العالمية لا تمنح قرش لله، وانها لها أغراض ومصالح وشروط معروفة منها إحتكار اي تنفيذ اي مشاريع يتم تمويلها باموالهم بعد إعفاء الديون وأن سياستهم تكون لها الكلمة العليا على حساب السيادة الوطنية؛ السودان افقره الكيزان وهم سبب بلاويه، فلا تجميلي وجوه هؤلاء السفلة وتنسبي له فضل تحركات إعفاء ديون هم من نهب نصيبها الأكبر، وأيضاً موضوع إحباط الشعب السوداني من سياسيه الخونة و العملاء و المرتزقة و الجواسيس و اللصوص ليس شي جديد عند الشعب السوداني، وما هو أهم هو تراكم هذا الوعي لدرجة ان تتكون فئات واعية قادرة على إدارة الدولة نحو آفاق تتجاوز سياسة الإتكال على الغير مقابل رهن موارد و سيادة السودان لمقابلة إحتياجات الشعب الحياتية اليومية، كما هو حال السودان منذ عهد المُتسلط الجاهل نميري مهيي وممهد طريق عصابة الفطيسة الترابية النتنة النجسة للسيطرة المُلطقة على السودان بالتحالف مع اليانكي وجرذان الخليج ليكون السودان فريسة سهلة يسهل إقتناصها في الوقت المناسب، من مصلحة جميع هؤلاء أن يكون السودان كسيحاً و مُكبلاً بديون و مليشيات مسلحة و تفتت سياسي مرحبا و تخبط إقتصادي للسيطرة عليه، وقد اربكت الثورة الشعبية الأخيرة حسابات العديد من هؤلاء الأعداء، لأن الشعوب لا تتآمر على نفسها، لذلك حساباتها تفاجي دائماً حسابات الدول المتآمرة وعملا هذه الدول، كما حدث للمليشيات التي كانت تدعي محاربة عصابة الكيزان، َقد كانت على وشك أن تتحالف مع عصابة ود هدية اللص، ولكن بعدما رأت تعالي نار الثورة، تحولت إليها وقفذت على صفها الأمامي وتسيدت المشهد، وقد فاجأت الثورة هذه ايضاً الدول التي كانت ولا زالت تتآمر على السودان، فقد سارعت بدعم عملائها في السودان ليكونو على كراسي السلطة ومنحتهم الضوء الأخضر لقتل شباب الثورة لتخويفهم وإرهابهم، وحتى روسيا قدمت مشورات أمنية بواسطة شركتها الأمنية ذات اليد الطويلة في السودان و عربان الخليج ايضاً دعمو أعداء الشعب السوداني لوأد ثورته؛ ولكن كما قلنا لإختلاف عقليات الشعوب لا تتلاقى مع عقليات الحكام المُستبدين و الطغاة و خدمهم من العملاء والجواسيس و الخونة، تفاجأ هؤلاء عند إشتعال الثورة و فقدو ميزة زمام المبارة، والمخزن ان الثورة ولدت يتيمة ووجدت نفسها في الغراء و هي صغيرة لا تقوى على الوقوف على ارجلها لإفتقادها لقادة مُجربون ذو خبرة في المُكر و الدهاء السياسي و معطونون في نجاسة الخبث السياسي، فلذك فشل من منحهم شباب الثورة تفويض اتحاور السياسي مع العملاء و الجواسيس و الخونة و وكلاء الدول الأجنبية الذين يعج بهم السودان، حتى أنه كان للسعوديه جاسوس مزروع داخل مكتب و غرفة نوم ود هدية اللص المخلوع، وحين كشفه ود هدية اللص التور، بمكالمة واحدة من من كان يرسل ملايين الدولارات و اليورو لد هدية اللص، تم إطلاق سراح العميل والجاسوس و اللص و القواد السوداني المدعو طه الحسين عميل بن سلمان في السودان.
السودان مشكلته مشكلة قيادة متلاحمة ذات مشروع وطني جامع يتم تنفيذه بعزيمة تتحدى كل الدول المتربصة بالسودان و عملائها و جواسيسها من السودانيين الذين يتسابقون للوصول لهذه الدول وعرض خدماتهم مقابل حفنة من المال و/او مناصب سياسية؛ لم تبني دولة دولة أخرى الا الدولة نفسها، و السودان حالياً تتقاذفه تجاذبات في غالبيتها خارجية اكثر من كونها داخلية، وإن كانت هنالك قيادة قوية متوحدة ذات نزاهة و شرف و وطنية، لكانت فعلت الكثير خلال فترة العامين بعد إسقاط و خلع عصابة ود هدية اللص ذلك المسخ المولود من الرحم المعفن لعصابة الفطيسة الترابية النتنة النجسة.
و لكن المهمة هذه لها ثمن وهو لابد منه وهو المواجهة الداخلية الشرسة و إن ادت إلى إسالة دماء الخونة و العملاء و الجواسيس السودانيين في الداخل و بصورة حاسمة و قوية و قاسية ليكونو عبرة لمن يعتبر.