الأولويات المقلوبة مرة أخرى يا “النور حمد”

صديق الزيلعي
النور حمد مثقف سوداني شجاع، لا يهاب طرح رأيه، مهما خالف المعهود والمقبول عند الناس. وهي خلصة طورها من خلال الفكر الجمهوري. ولكن الشجاعة في ابداء الرأي والاستعداد الرصين للحوار العقلاني، ليسا صكا جاهزا بصحة أو معقولية ما يطرح من رأي. عند اعلان النظام المباد لانتخابات 2020 كتب السر سيد أحمد مقالا داعيا للمشاركة فيها كخطوة أولى في برنامج ممرحل لاستعادة الديمقراطية. وكان النور من أكثر المتحمسين لذلك. وكتبت عندها سلسلة من المقالات في الرد على تلك الاطروحة، وكانت بالعناوين الآتية: الحوار حول الانتخابات والالويات المقلوبة (1) ، الحوار حول الانتخابات والاولويات المقلوبة : مناقشة أطروحات الداعين (2) ، الحوار والاولويات المقلوبة: لماذا ضعف صوت النقابات؟( 3)، الحوار الأولويات المقلوبة: هل ستعلب النقابات أي دور في التغيير القادم؟(4)، الحوار والاولويات المقلوبة : منظمات المجتمع المدني والصمود في وجه العاصفة (5) ، الحوار والاولويات المقلوبة: احزابنا هل جديرة بقيادة التغيير القادم؟(6) ، الحوار والاولويات المقلوبة: نشطاء الخارج والامساك بجمر القضية (7)، الحوار والاولويات: وحدة المعارضة وضرورة التفكير خارج الصندوق ( 8). خلاصة المقالات لا للانتخابات.. نعم للانتفاضة. واثبت شباب ونساء وشعب السودان صحة تلك الاطروحة، وذهبت فكرة المشاركة لركن منسي من تاريخ بلادنا.
ضحت الاسافير بلقاء إذاعي للصديق النور حمد داعيا فيه للحوار مع الإسلاميين. ورغم ان الخبر كان مختصرا، وحتى لا اغمط النور حمد حقه في طرح رأيه الكامل، أقدم ملاحظات أولية:
- لم يعرف لنا النور ما يقصده بالاسلاميين: هل أعضاء الحركة الإسلامية وكل التيارات التي خرجت منها، ولكنها تتفق معها في الرؤية الفكرية؟
- هل يقصد التيارات الأخرى كأنصار السنة وحزب التحرير وتيارات الجهاد؟
- أم يقصد الطرق الصوفية، بتياراتها المختلفة؟
- ما هي اجندة الحوار المقترح، وهل تتعلق بإنجاز التحول الديمقراطي، ومشاركة الاسلامويين فيه، بشكل علني، بدلا عن أذرعهم التي تخرب كافة خطوات الإصلاح؟
مضمون وتوقيت الطرح بجعلنا نميل لان المقصود هو أولئك من حكموا السودان ثلاثين عاما، مهما اختلفت تسمياتهم؟ إذا كان يقصد هؤلاء، فانه يناقض نفسه، لأنه قال انهم يتآمرون ويخربون تحولنا الديمقراطي. فهل يطالبنا النور حمد بالحوار معهم لنجاحهم في التخريب، مما يعطي لهم الفرصة لتخريب بشكل أكبر، بل وإعادة سيطرتهم الكاملة.
هل خلال تحكم الاسلامويين على بلادنا، منذ يومهم الأول وحتى إزاحة البشير، التزموا باي حوار أو اتفاق أو معاهدة مع أي فئة أو جماعة؟
سأحكى هذه الحادثة، وكنت أحد المشاركين فيها، وهي واحدة من عشرات الأمثلة التي توضح التزام الاخوان بالحوار والمواثيق. مارس الاخوان كافة اشكال العنف والتخريب، بعد فوز قوى التمثيل النسبي بقيادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في أكتوبر 1979. ووصل الصراع نقطة الانفجار المسلح. تدخلت الدولة المايوية وإدارة الجامعة وكونت لجنة وساطة بقيادة عبد الله احمد عبد الله رئيس مجلس إدارة الجامعة آنذاك وبمشاركة عدد من الأساتذة الكبار منهم ابوسليم. وكنا، في قوى التمثيل النسبي نشكل اغلبية مقاعد المجلس الاربعيني ، والاخوان كانوا اقلية. وخلال اجتماع طويل استمر طيلة الليل، وكان الترابي يتصل من منزله ليتابع ما يجري. وتوصل الاجتماع لاتفاق، وقام مدير الجامعة بتكليف موظف لطباعته ليوزع في الصباح على الطلاب. وفي حوالي الخامسة صباحا، وقف المعتصم عبد الرحيم، وكان رئيس الاتحاد في الدورة التي سبقتنا، ليقول للاجتماع، الذي استمر طيلة الليل، انه غير مكلف بإجراء أي حوار أو اتفاق، ثم خرج ومعه فريقه. وفي حوالي الثامنة صباحا أصدر إبراهيم عبد الحفيظ بيانا باسم قائد كتائب المجاهدين، يعلن انهم ليسوا طرفا في أي اتفاقات تمت. ثم بدأت الاستعراضات العسكرية والتي انتهت بالصدام المسلح مع الطلاب.
يا صديقي النور: هل فئة تقوم بمثل هذا الفعل الشنيع، وبدعم مباشر من قيادتهم، يمكن الاتفاق معها؟ أين ذهبت كل الاتفاقات مع حركات دارفور والتجمع الوطني الديمقراطي، ومجموعات السلام من الداخل الخ؟
لقد قامت ثورة ديسمبر لإبعاد الاسلامويين من السلطة. ولإيقاف تخريبهم لكافة مناحي الحياة في بلادنا، واسترجاع ما أخذوه بالباطل، ولتفكيك منظماتهم العسكرية والأمنية والاقتصادية تماما. ثم نمضي في طريق إقامة ديمقراطية مستدامة، لا يملك فيها أي تنظيم حق استغلال الدين في العمل السياسي.
هنا يجب الوضوح، اننا لا ندعو لمكارثية سودانية، تدين الآخر بناء على الهوية. بل نريد حكم القانون وانتزاع كل ما اخذ بالتمكين من وظائف وشركات وعقارات الخ. ولن يدان من هو غير مجرم أو مشارك ومتستر على جريمة.
أتوقع ان تتلاحق هذه الدعوة للحوار، وتلتحم معا في مشروع واحد يدعو للانتخابات لإنها تعطي المشروعية لمن يحكم، وهي دعوة حق اريد بها باطل. نعم الانتخابات في كل العالم هي الشكل الأفضل لاختيار الحكومات. ولكنها تتم في دول مستقرة. فكيف ودولتنا تم اختطافها لمدة ثلاثين عاما، وتم تحطيمها تماما، واستلمنا حطام دولة. وفي الجانب الآخر، من حطموها، لا تزال دولتهم العميقة تمارس سلطتها، ولا زالوا هم اساطين المال والسوق والاعلام، والجيش، والأجهزة العدلية، والمدنية. دولة تمت إزاحة الملايين من سكانها من قراهم، دولة ليس بها احصائية سكانية موثوق بها. وتحت هذه الظروف القاهرة تأتي دعوات الحوار والانتخابات. جوهر العملية الانتخابية هي الصراع الحر الديمقراطي المتكافئ، فهل هذا واقع بلادنا الراهن.
أما إذا كان النور يريد حوارا على المستوى النظري حول قضايا نظرية مجردة، فهذا حق مكفول له وللآخرين، فقط بعيدا عن محاولة حرف الانتقال الديمقراطي، ويكفي الانتقال الديمقراطي ما به من تحديات كسيطرة العسكر، والأحزاب المكنكشة في قيادة المجلس المركزي للحرية والتغيير، والتفلت الأمني، والازمة الاقتصادية الطاحنة، وإصلاح المنظومة العدلية، وتوحيد الجيوش والمليشيات في جيش واحد بعقيدة قومية سودانية.
التحدي الأساسي والأهم، الذي يواجه كل الأكاديميين والمثقفين والنشطاء السياسيين وكوادر الخدمة المدنية والعسكرية في بلادنا، هو ان تنجح تجربة الانتقال الحالية، لإنها المرة الرابعة والأخيرة، وإذا فشلت، لن يكون بعدها السودان كما نعرفه حاليا. فهلا ارتقي ذلك الجمع المتميز لقبول التحدي.
((أتوقع ان تتلاحق هذه الدعوة للحوار، وتلتحم معا في مشروع واحد يدعو للانتخابات لإنها تعطي المشروعية لمن يحكم، وهي دعوة حق اريد بها باطل. نعم الانتخابات في كل العالم هي الشكل الأفضل لاختيار الحكومات. ولكنها تتم في دول مستقرة. فكيف ودولتنا تم اختطافها لمدة ثلاثين عاما، وتم تحطيمها تماما، واستلمنا حطام دولة. وفي الجانب الآخر، من حطموها، لا تزال دولتهم العميقة تمارس سلطتها، ولا زالوا هم اساطين المال والسوق والاعلام، والجيش، والأجهزة العدلية، والمدنية. )))؟
مشروع واحد يدعو للانتخابات؟ أي نعم دعوة حق أريد بها باطل والباطل هنا في رأي هو الانتخابات الحزبية بين الأحزاب وهذا ما لن يسمح به الشباب فهم لا يقبلون بالأحزاب، لا وأنت القائل بعضمة لسانك في مقالك:
احزابنا هل جديرة بقيادة وانجاز التغيير القادم؟
20 يونيو، 2018
((الأحزاب تهمش الشباب: نعم هذه حقيقة، وحقيقة مؤلمة حقا. ففرص الشباب للصعود لمواقع القيادة ضئيلة. السبب الرئيسي في ذلك يعود للعقلية الغير ديمقراطية التي تعشعش في أدمغة اغلبية قيادات احزابنا. فتداول المواقع وافساح المجال للأجيال الجديدة غير ممارس. ومن يتم السماح لهم بالصعود في سلم القيادة هم من الشباب الذين يؤيدون او يحملون نفس أفكار ويدعمون مواقف القيادات الراهنة.))).
ولكن أن ترفض الانتخابات ذاتها جملة وتفصيلاً ولو مؤقتاً، وهي وسيلة الديمقراطية الوحيدة وأنت تستبطن (الانتخابات الحزبية) ولم تفصح عن ذلك صراحة بعد أن كنت تدعو لها وتقول بأن لا ديمقراطية بدون أحزاب – أي بضرورة الانتخابات الحزبية – والآن ترفض الانتخابات نفسها لأنك لا تجد حلاً لمشاكل الأحزاب التقليدية ذات الأغلبية الطائفية؟! انك بهذا لتهدم المعبد على رؤوس من فيه لعدم امكان اصلاحهم، وهذا لعمري افلاس ما بعده افلاس! أنا متأكد بأنك تعي بوجود الحل الأمثل وهو أن تزول الأحزاب ولكن تبقى الديمقراطية والانتخابات لاختيار ممثلي الشعب مباشرة من غير أحزاب – بعلاقة شراكة المصالح كالانتماء لمناطق جغرافية وزمالة مهن وأعمال وحرف (عمال مزارعين رعاة مهندسين اطباء ستات شاي الخ) وانتماء فئات نوعية طلاب ذوي حاجات خاصة الخ، ولكن لأن هذا الخيار سيمحو النظام الحزبي إلى الأبد من خارطة سودان الثورة وليس مؤقتاً فقط، وفي هذا اعلان بوفاة حزبكم مع أموات الأحزاب الأخرى، فقد تجنبت بحثه وذكره هنا!!!
كتبت عشرين سطر وفي الاخير ( ديمقراطية بدون احزاب ) كويس يا القذافي هههههههههههه قياتو السودان ده فيه جنس محن
أبعاد الاسلاميين لا يعنى ان الدوله ستسير الى الامام فكل احزابنا لا خير فيها ومن الافضل ان تتصالحوا بدلا من ان تتصارعوا وتودونا فى داهيه معاكم.
شكرا على هذا التعليق الدسم الذي يثير قضايا كثيرة ومعقدة ومتداخلة. اوعدك بان اعود اليها في مقالات مكرسة لتلك القضايا.
نعم لا ديمقراطية بدون احزاب والحل ان يقود الشباب وغير الشباب التغيير داخل احزابهم وعلى نطاق الوطن. وأهمس في اذنك بان ما طرحته هو عين ما قام به نظام مايو، وكانت أسوا من ممارسات الاحزاب. أما تجربة ليبيا المماثلة لما تقول فقد كانت لعبة في يد قائد مجنون. انا لا اهاب الانتخابات ولكن بعد اعداد مطلوباتها والف مرحب بمن يفوز. شك
را مرة اخرى.
مصيبة السودان الكبرى هي في النزاع القائم بين اليسار واليمين… العلاج ليس في تصالح فقط بل في التوصل لحدود دنيا تضمن اننا امة واحدة تتعايش سلميا بدلا من أمة متحاربة متباغضة كل عنل الهلال شئيا حطمه المريخ وهكذا بالعكس.
من يعارضون التصالح بعارضون استقرار السودان.
الاحتراب الداخلي ستكون له نتائج في غاية الخطورة وحروب قبلية ومناطقية اساسها المشاكل بين اليسار وايمين ولغة الكرايهه ولغة البذاءة السائدة بين الطرفين. خاصة اليساريين الذين يسودون صفحات الصحف والاعلام بمنهج الأحقاد السوداء التي ستصيع الجميع