الكلوب هاوس وبؤس المعرفة في السودان

عماد البليك
منذ أشهر وجيزة ومع ظهور برنامج التواصل الصوتي “كلوب هاوس” clubhouse فقد وجد انتشارًا وسط السودانيين بدرجة معقولة قياسًا لزمن ظهوره، وبدأت هجرة من الفيسبوك وتويتر الذي ليس له جماهيرية سودانية كبيرة، إلى هذا البرنامج الذي يُلبي أشواق الكائن السوداني في عشقه للكلام “الونسة”، وهو يعيد إنتاج الخطاب الشفاهي الذي أدمنه السودانيون، خاصة أن البرنامج لا يتيح التسجيل، بمعنى أن كل ما يقال ينتهي بنهاية الغرفة “الروم” التي كان يدور النقاش فيها.
تعرفت على البرنامج منذ فترة ليست طويلة، ولم اهتم به كثيرًا، إلى أن تلقيت دعوة من شاب للحديث عن أحد رواياتي، وحملت التطبيق لأبدأ في متابعة هذا العالم الجديد، الذي سوف يخدعك في البداية بأنه عالم معرفي وبعد حداثي، هذا صحيح من ناحية أولية وفي إطار السياق الذي أنتج فيه هذا البرنامج. أما في بلداننا فالغالب أن التوظيف سيتم بطريقة خاطئة.

كشف لي “الكلوب هاوس” العدد من الأمور التي يمكن أن نلخصها في التالي:
الجزء الأول يتعلق بالطبائع السودانية..
أولًا: أن السوداني بطبعه يحب الكلام وفي أي موضوع كان، فقط اختر له العنوان وسوف يدخل إليك ويفتي بكل شيء.. بغض النظر عن المرجعيات أو التخصصية، كل ذلك ليس مهما.
ثانيا: أن السوداني لا يحترم النقاش الجدلي، العقلاني والحر، الذي يُحترم فيه الرأي والرأي الآخر، فهو إنسان يتعصب لرأيه ويظن أنه مالك الحقيقة المطلقة وما سواه لا يفهمون أو “أغبياء” بالمعنى المباشر، وسمعت من يصف الآخر من مناقشيه بهذه الصفة وبلا تردد.
ثالثا: مركزية الذات في أن الجميع يجب أن يسمعوا لهذا الشخص وينسون من سواه، خاصة إذا كان يظن أنه نجم اجتماعي في أي مجال كان، حيث يسوح و”يجوط” ولن يقف حتى لو استمر الزمن لخمس ساعات أو أكثر، إذا لم يجد من يقول له قف.
الجزء الثاني يتعلق بطبيعة المعارف:
أولًا: بدا الجدل السياسي طافيًا على السطح، وهو نفسه الديالكتيك السطحي الذي لم يُطوّر أي أدوات معرفة أو علمية، بل يقوم على الغلبة للصوت الأعلى والضجيج، ويصل إلى حد الشتم.
ثانيًا: تدوير الموضوعات نفسها، ما بين مناصري الإلحاد والمتدينين، وكلاهما يفتقد للعقلانية، والمنطق.. حيث الخطاب المتعالي والنفس الحار، والعقل المغتال والمغلق الذي يظن أنه يمتلك ناصية الخطاب ومطلق الحقائق.
ثالثا: ظهور الجانب الترفيهي كالغناء والموسيقى ممتزجة بالونسة على ذات نسق البرامج التلفزيونية والسهرات، وحيث لا إضافات جمالية أو معرفية.
رابعا: الجانب الغيبي يطغي على العديد من الغرف، في مناقشة موضوعات لغة الجن والسحر والزار، وكرامات الشيوخ، وليتها تناقش بأسلوب علمي أو معرفي، بل بادعاء العلم، وهو ناقص للأسف، لأن الدأب على دربة التعلم صعبة وليس هينة في كل الأحوال، حيث يسهل الكلام.
الجزء الثالث يتعلق بخلاصات حول اتجاه الفكر السوداني، ونعني به الفكر في أشكاله المختلفة من فكر سياسي لثقافي لاقتصادي إلى نقد اجتماعي، الخ..
أولًا: من الواضح هيمنة العقل القديم، فبرغم أن هناك ثورة سودانية مفترض أن تكون محفزة للتغيير إلا أن الوعي الجمعي لا يزال بذات الأنساق المتوارثة في رؤية المشاكل والحلول المقترحة.
ثانيًا: لم يتطور إلى الآن عقل نقدي حصيف، يعي بخطورة اللحظة الراهنة وسوء التدهور الحاصل في كل مناحي الحياة الإنسانية، والحاجة إلى النهضة السريعة واجتياز فراغات الوعي.
ثالثًا: يغيب دور النخبة التي سوف نكتشف أنها غير حاضرة، وأن العقل المجتمعي السائد غير مهتم بها من الأساس، ولا يرى لها دورًا، وفي هذا الوضع يختلط الحابل بالنابل ولا تعرف إلى أين يسير الطريق.
الخلاصة.. أننا أمام رحلة قد تطول إذا لم نتحرك بسرعة لإنتاج عقل معرفي جديد، قادر على الرؤية والتبصر، تتحقق فيه أدوات النقد الاجتماعي وفي كل المجالات، بحيث يتجه الناس فعليًا إلى الاندماج في تحدياتهم الحقيقة لحلها، وسوى ذلك ليس إلا الطوفان كما يقال.
يا عماد
السلام عليكم ورحمة الله
بما انك كاتب و صحفي و ناقد فلقد قدمت او طرحت لنا نقدا سلبي في الشخصية او المكون السوداني ولكن لم تقدم او تطرح حلول او رؤية مسقبلية و هذا ديدن كل سوداني مثقف او غير..
النقد ثم النقد ولا حلول او رؤية او اختراح..
لا اعلم من انت ولكن اعرفك هنا عبر كتاباتك وقد زكرت ان لك كتب لم تسنح لي الفرصة لقراءتها ولا اعلم ان كنت طرحت فيها الحلول و المشاكل ايضا ولكن احكم عليك هنا فقط…. ماهو الحل في وجة نظرك بحكم انك عارف للمشكل و التركيبة الوجدانية الثقافية العاطفية للمكون السوداني..
و تشكر اخي
يابوب
وكما ذكر البليك …اسمعها منى انا (سيد العارفين – ههههههه)
لايوجد حل لاي (مشكل) سودانى….الا بموت (المتكاجرين)
كان فى سياسة أو اقتصاد أو كوووورة أو قعدة أو بيت بكا او بيت عرس او تجمع فى شارع الله والبحلقة فى الرايح والجااااي- واحيانا سلام الله مايردوهوا ؟
منه واليه العوض….أنا شخصيا أها ده طرفييي
قد يحدث ذلك إن استبدل الله شعبه فى السودان بشعب آخر
من الحلول لمشكلة إنعدام مهارة الكلام والاستماع هي ببساطة التعليم. نحن في المدارس والجامعات درسنا القراءة والكتابة ، لكن لا يوجد إهتمام بمهارات مثل التفكير التحليلي لحل المشكلات و المخاطبة الجماهيرية والعمل الجماعي فكل هذه المهارات لا غني عنها لتطور الفرد والمجتمع.
يا اخونا ..ورينا فنونك..أنجز.. قدم طرح جديد..فكر جديد..سيب البكاء والنواح..ايه المانعك..اكتب في الراكوبة سلسلة كاملة اطرح فيها فهمك كلووو.. وبعدداك اطبع كتب…اطلع على اليوتيوب ..زي تراجي..طلحة..الضي بشارة ..وربنا يوفقك…وبالمناسبة مركزية الفكر والتجديد لا تزال في اوربا وامريكا.. الكل تابع..ليس السودان وحده..ولا السودانيين براهم ..كل الخليج ..معظم آسيا وأفريقيا..مغيبين..الشعوب التابعة شغالة ترجمة..وتلهث لمواكبة سرعة التطور والجديد.