أخبار السودان

شهداء 28 رمضان .. العدالة الغائبة

تقرير: هيثم دفع الله

أصدرت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، في السابع عشر من يوليو الجاري تصريحاً صحفياً استنكرت فيه منع النائب العام لوفد الخبراء الدوليين من تقديم العون اللازم لهم لدخول مشرحة التميز، والذي طالبت به لجان المقاومة وتصدت له من أجل كشف حقيقة الجثامين فيها وبقية المستشفيات.

وأكد التصريح أن السلطة تسعى لوضع العراقيل أمام تحقيق العدالة؛ المرتبطة أصلاً بقضايا الحريات العامة، كما يؤكد ذلك على مواصلتها في انتهاك حقوق الإنسان بأدوات شمولية. واضاف التصريح إن هذا الموقف من دخول الخبراء الدوليين لمشرحة التميز يؤكد أن السلطة تسير في اتجاه التسويف في كل قضايا التحقيقات والمحاكمات الجادة تجاه جرائم النظام المباد.

كما أكد على سيطرة انقلاب اللجنة الأمنية للنظام المباد على مقاليد الأمور، وأنه يسعى للانقضاض على ثورة الشعب في ديسمبر ٢٠١٨م وإجهاض شعاراتها المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.

وطالبت سكرتارية اللجنة المركزية في التصريح بالتحقيق والعمل على تمكين لجنة الخبراء الدوليين من المساعدة في كشف الحقائق احقاقاً للعدالة وسعياً للسلام، كما طالبت الحكومة بإصدار بيان يوضح ما حدث.

وكانت لجنة التحقيق في قضية إعدام شهداء ضباط الثامن والعشرون من رمضان قد صرحت للصحف، عن منع فريق الخبراء الدولي في الطبّ العدليّ، الذي يزور السودان، من دخول مشرحة التميّز والتعرّف على جثامين المقبرة الجماعية التي عثر عليها قبل فترةٍ ويعتقد أنّها تعود لشهداء 28 رمضان.

وكان عضو لجنة التحقيق في قضية اعدام شهداء الثامن والعشرون من رمضان صالح عمران، قال في تصريحاتٍ صحفية يوم الأربعاء (14 يوليو 2021)، إن السلطات منعت فريق الخبراء الدوليين في الطب العدلي الذي زار المشرحة في يوم الثلاثاء 14 يوليو الجاري، وأضاف “عند دخول الوفد للمشرحة فوجئوا بوكيل النيابة الموجود في المشرحة، يخبرهم بأنّ لديه توجيهات صادرة عن النائب العام المكلّف مبارك محمود عثمان بمنعهم من الدخول”.

الجدير بالذكر أن لجان المقاومة التي أقامت اعتصاماً بمستشفى التميز استطاعت في أبريل الماضي، أن تنجح في اجبار السلطات على فحص الجثامين الموجودة بمشرحة التميز حيث تم فحص أكثر من 100 جثة كان من بينها جثة شهيد لجان مقاومة الجريف شرق محمد إسماعيل الشهير بود عكر، فيما تم دفن أكثر من أربعين جثة بعد فحصها، كما تم اثبات الشبهة الجنائية على أكثر من أربعين جثة أخرى حسب بيان صادر في السادس والعشرون من يونيو الماضي من اعتصام التميز، وقد جاء في بيانهم أيضاً (كانت الأمور تتم بسلاسة تامة حتى وصلنا للجثامين التي وصلت للمشرحة في العامين 2019/2020). وأضاف البيان أيضاً (الجدير بالذكر أنه في ١٩ يونيو الحالي حاولت بعض الجهات الرسمية أن تطمس هوية الجثامين بالدفن دون الرجوع لبعض اللجان).

إن هذه الأحداث وأحداث أخرى تؤكد أن هناك من يعبث بالعدالة ويعمل على طمس واخفاء الحقائق حتى تغيب العدالة، وهذه الجهات هي في قمة السلطة سواء في شقها المدني أو العسكري أو ربما الاثنان معاً، وهو ما أكد وأشار إليه تصريح سكرتارية اللجنة المركزية، من سيطرة اللجنة الأمنية للنظام المباد على مقاليد الأمور، وبالتالي من المستحيل تحقيق العدالة طالما ظلت اللجنة الأمنية مسيطرة على الوضع ومتحكمة في إكمال المؤسسات العدلية، خاصة المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للنيابة العامة وكذلك المحكمة الدستورية.

وكانت السلطات قد كشفت في وقت سابق عن العثور على مقبرة يشتبه في أنها للضباط الذين اعدموا في التاسع والعشرون من رمضان، وقد دلت جهات رسمية على مكان المقبرة، إلا أن الإجراءات حول هذه القضية قد توقفت فجأة ولا احد يعرف السبب، حتى جاءت قضية اعتصام التميز والتي أعادت القضية إلى السطح مرة أخرى بعد الاشتباه في أن بعض الجثث الموجودة في المشرحة ربما تكون لشهداء ضباط التاسع والعشرون من رمضان، ثم جاءت زيارة فريق خبراء الطب العدلي في الرابع عشر من يوليو الجاري، والتي تم منعهم من قبل النيابة العامة حسب ما جاء في التصريح الصحفي لعضو لجنة التحقيق في القضية.
وكانت المفاجأة أن النيابة العامة أصدرت بياناً نفت فيه منعها لفريق خبراء الطب العدلي كما نفت علمها بوجوده في السودان، وأكدت أن أبوابها مفتوحة، وقال البيان (إن النيابة العامة لم تتلق إخطاراً من قبل أي من مؤسسات الدولة بقدوم هذا الوفد، كما لم تتلق أي إخطار من الوفد بنيته زيارة السودان من باب العلم فقط، وأن النيابة علمت بقدوم هذا الوفد مثلها والعامة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضحت النيابة في توضيحها الصحفي إنها لم تتلق كذلك ما يفيد بماهية الوفد وتبعيته لأي دولة أو منظمة أو الجهة التي ينتمي إليها وتخصصه وطبيعة زيارته للسودان.)

ويبقى السؤال من الذي منع فريق الخبراء الدوليين في الطب العدلي من الدخول إلى مشرحة التميز؟ ونشير إلى أن مواقف النيابة الغريبة هذه لم تكن الأولى، فقد نفت من قبل إصدارها أمراً بإغلاق بعض المواقع الصحفية الإلكترونية مما أثار الكثير من الاستفهامات حول من هي الجهة التي أصدرت البيان وحجبت المواقع الصحفية الإلكترونية ومحاولة لجم الحريات الصحفية.

إن العدالة لن تكتمل طالما كانت هناك قوى في السلطة تعمل على تغييب الحقائق تارة واخفائها تارة أخرى، وكان من أكبر الأخطاء أن يتم تعيين النائب العام ورئيس القضاء من قبل مجلس السيادة، وكان الأجدر أن يتم تعيين هذين المنصبين من قبل مجلس القضاء الأعلى والمجلس الأعلى للنيابة العامة، وهو ما يفسر عدم تكوين هذين المجلسين حتى الآن، وكذلك بقية المؤسسات العدلية كالمحكمة الدستورية، وهو ما يعيدنا إلى الوثيقة الدستورية المعيبة وأن من قاموا بصياغتها أرادوها ان تكون بهذا الشكل المعيب لتمرير أجندتهم.

ستظل العدالة غائبة طالما ظل هذا الوضع قائماً، ولن تكتمل مهام المرحلة الانتقالية إذا لم تتحقق العدالة وستظل قضية العدالة الانتقالية معلقة. وما حدث في قضية شهداء رمضان من تعطيل لسير العدالة سيحدث أيضاً لقضية مجزرة شهداء معسكر العيلفون، كما سيحدث أيضاً لقضية مجزرة فض اعتصام القيادة العامة التي حدثت في الثالث من يونيو من عام 2019م، وهو ما يتطلب العمل على تغيير الوضع القائم واستعادة مسار الثورة الصحيح حتى تكتمل مهام ثورة ديسمبر المجيدة وفي مقدمتها قضية العدالة.
________
الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..