إذا حَلَقوا للتوانسة بِلُّوا لِحاكُم يا سوادنة

ليس مهما أن يتم سك مفردة محددة لتفسير ما أقدم عليه الرئيس التونسي قيس سعيد من تفكيك الأذرع التنفيذية والتشريعية في البلاد، ووضع سلطاتها وصلاحياتها في يديه: انقلاب؟ إجراء دستوري؟ قد يكون شيئا من هذه أو تلك، ولكنه وتحت كل المسميات طعنة نجلاء في صدر نظام ديمقراطي ظل يعاني من مشاكل التسنين، في بلد ظل يرزح تحت حكم الفرد معظم سنين استقلاله.
الانقلاب على الحكم لا يتم فقط بتحريك الدبابات ونشر العسكر في مفاصل العواصم والمدن الكبرى، والتونسيون يعرفون ذلك، ففي أواخر عام 1987 استولى زين العابدين بن علِي على الحكم فيها بعد إزاحته للرئيس الحبيب بورقيبة، متكئا على الدستور الذي ينص على أن يتولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية في حال عجز أو وفاة رئيس الجمهورية، ولم يكن صعبا علَى بن علِي وهو رجل الأمن المعتق أن يحصل على تقرير طبي يجزم بأن بورقيبة عاجز عن تصريف مهام منصبه، ولم يعدم من يناصره في ذلك من أقطاب حكم بورقيبة، وهكذا حدث انقلاب شديد النعومة لتؤول السلطة إلى رجل شديد الشراسة.
وعليه فليس من العسف وصف ما أقدم عليه قيس سعيد مؤخرا بأنه انقلاب ناعم استقوى فيه بالمؤسسة العسكرية، التي لعبت دورا مشهودا وإن كان صامتا في إزاحة بن علي في مطالع عام 2011، بأن تولت “تسريبه” خارج البلاد، وللمراقبين مذاهب في تأويل سبب إقدامها على ذلك: هل كان انحيازا لثورة الياسمين أم حرصا على سلامة بن علي من المحاكمة والعقاب، بعد أن اتضح أن الثورة أوشكت على الوصول إلى غايتها المتمثلة في اجتثاث نظام بن علي تماما، فقيس جهر بالقول بأنه شاور المؤسسة العسكرية قبل الإقدام على حل الحكومة وتجميد البرلمان، وخلال الأيام التي تلت الحل لم يعد خافيا أن الجيش ضالع فيما حدث، بدرجة أن أمر مكافحة فيروس الكورونا آل إلى العسكريين.
من المفارقات العجيبة أن حزب النهضة المستهدف باستيلاء قيس سعيد على السلطة كان لديه فقط 53 نائبا في البرلمان المحلول من أصل 217 نائبا، وفي عام 1989 كان للجبهة الإسلامية في السودان (وهي كما النهضة تنظيم الإخوان المسلمين) نفس العدد من النواب في البرلمان المنتخب، وكانوا بذلك ثالث كتلة في البرلمان وانعقدت لهم زعامة المعارضة، وكان ذلك إنجازا لم يسبقهم عليه تنظيم للإخوان في أي بلد، ولكنهم قرروا أن يصبحوا الكتلة الأولى والوحيدة في المشهد السياسي، وقلبوا نظام الحكم، وصاحب ذلك تبريرات كثيرة لا تختلف كثيرا عن تلك التي طرحها قيس سعيد لـ”إنقاذ” البلاد، ثم غشى إخوان السودان هادم اللذات ومفرِّق الجماعات في أواخر عام 2018 ومطالع عام 2019، فصاروا حضارة سادت ثم بادت (طوال سنين حكمهم الثلاثين ظل إخوان السودان يتكلمون عن أنهم مكلفون بإنفاذ وإنجاز مشروع حضاري).
قيس جهر بالقول بأنه شاور المؤسسة العسكرية قبل الإقدام على حل الحكومة وتجميد البرلمان، وخلال الأيام التي تلت الحل لم يعد خافيا أن الجيش ضالع فيما حدث، بدرجة أن أمر مكافحة فيروس الكورونا آل إلى العسكريين.
تم إجهاض الثورات الشعبية في ليبيا وسوريا واليمن، وكان الثمن زج البلاد في أتون حروب أهلية شرسة ومدمرة، وظلت تونس رائدة تلك الثورات “متماسكة”، وحاول السودانيون اللحاق بالربيع العربي بتأخير سنتين أي في عام 2013، ولكن القمع المفرط أحبط مسعاهم، واستأنفوا الحراك في أواخر عام 2018 ونجحوا في الإطاحة بحكم عمر البشير ورهطه، وعلى هشاشة الأوضاع الراهنة فيه فقد بقي السودان “متماسكا” خلال العامين الماضيين.
وإذا كان عسكر تونس ميالين إلى الإمساك بخيوط أمور الحكم من وراء ستار، فإن كبار قيادات عسكر السودان كانوا أكثر طموحا بحكم نشأتهم وترقيهم في ظل أنظمة عسكرية حكمت البلاد 52 سنة من إجمالي سنوات استقلاله الـ 64، وقرروا اختطاف الثورة الشعبية بعد أن تأكدوا من أنها أسقطت نظام البشير بالفعل، فانقلبوا على البشير ثم انقلبوا على الثورة، وانفردوا بحكم البلاد بالحديد والنار خلال الفترة من نيسان (أبريل) 2019 إلى آب (أغسطس) من تلك السنة، بعد أن استشعروا خطر الغضب الشعبي عليهم، فقبلوا الشراكة في الحكم مع القوى المدنية التي قادت الحراك الذي أطاح بالبشير وجماعته.
ولا شك أن نكوص قيس سعيد ومن يحركونه عن المسار الديمقراطي في تونس يفتح شهية عسكر السودان لتنفيذ الأجندة التي في سبيلها انقبلوا على البشير، فالملاحظ أنه ما من كيان إقليمي أو دولي بادر حتى الآن بإصدار إدانة صريحة لما حدث في تونس، وصولا إلى التلويح بعقوبات على حكومة سعيد كما تقضي بذلك المواثيق والعهود، ولا شك بالتالي في أن الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان والذي قاد محاولات انفراد العسكريين بالحكم والذي عليه أن يتنازل عن منصبه هذا لشخص مدني في غضون شهرين، قد يتأسى بالتجربة القيسية السعيدية لتحقيق حلم والده (في أول مقابلة صحفية له بعد تصدر المشهد روى كيف أن والده رأى في المنام أنه ـ أي الفريق البرهان ـ سيكون ذا شأن في البلاد).
ولو كانت غاية قيس سعيد تأصيل الديمقراطية في تونس كما يزعم، لعالج عللها بالمزيد من الديمقراطية أي بترك الأمر للناخبين: أسقطوا حزب النهضة بنفس الأسلوب الذي جعلتموه به ذا ثِقَل برلماني كبير أهَّله للفوز بقسم كبير من كعكة الحكم، فكما قال إسماعيل الأزهري الذي رفع علم استقلال السودان، فالديمقراطية نار ونور، وعلى من يريد نورها أن يصطلي بنارها.
ولأهل السودان أقول إن عنوان هذا المقال مأخوذ عن مثل شعبي رائج في كثير من البلدان: إذا حلقوا لجارك (لحيته على ما في ذلك من إذلال له) فإن عليك أن تبِلّ لحيتك، وتقول العرب انج سعد فقد هلك سُعيد (وهو غير سعيد التونسي الذي يتولى حلاقة لحية تونس حاليا).
عربي 21
وقفة : نحن سودانيون و ليس سوادنة كما يقول بعض الاعراب نصححهم و لا نتبعهم و لا هي بقت عادة عادة نتبعهم وبس في كل شيء
المشكلة أن هناك اعتقاد قوي سائد في السودان الان بأن المجتمع الدولي لن يقبل بحكم شمولي او دكتاتوري، وما حدث في تونس يهز هذه القناعة بشدة، واي تربيطات اقليمية يمكن ان تقود لانقلاب مدعوم دوليا، ولذلك يتوجب علينا ان نحرص على تحسن ممارستنا السياسية ولا فانها ستذهب في خبر كان
لا تربيطات دولية لا بطيخ..السودان مختلف تماما..لان عدد الحركات المسلحة كبير وتستطيع أن تهزم الجيش وقد فعلت من قبل واستولت على مدن كثيرة…وكاودا الآن تمد لسانها للعسكر ..الحركات المسلحة تحكم النيل الازرق…دارفور..واجزاء من جنوب كردفان وتتواجد في العاصمة ….دا غير الشعب المعلم ..الشعب الذي سيطيح باي عسكري متفلت..
كأنك يا استاذ جعفر ‘وانت صحفى كبير- تشجع البرهان على الانقلاب على السلطة
حسب تعريفهم (By difinition), الأخوان المسلمون لا يؤمنون بالديمقراطيه بل يعملون لإستقلالها للوصول لأهدافهم, تأمل فيما فعلوا فى تونس, فى مصر وما يجرى فى إيران, بل تأمل فى التجربه السودانيه. لذلك يصبح من الطوباويه أن ننتظر إنقضاضهم على ديمقراطيتنا. أنظر إلى تكتيكاتهم التى تعمل على الإسراع بالأنتخابات حتى يستغلوا أموالهم (المنهوبه, والتى للأسف لا زالت بيدهم), كوادرهم التى مكنوها (والتى للأسف لا زالت باقيه),الطقس الدينى المزيف(والذى لا زال باقيأ , بفضل الأعلام الذى لا زال لهم). لذلك, يجب أن ننتبه لما يدبرون وأن نعمل على إقصاء الأحزاب الدينيه, نعم إقصاء من يسعى لإقصائنا جميعأ وقد سبق وفعلها فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين……خذوا مثال ألمانيا فى تعاملها مع الحزب النازى.
يا يوسف يا ريتك لو اكتفبت بعبارة (حسب تعريفهم)!!!
الشي الثاني اليسار السوداني ايضا انقض على الديموقراطية وجاء بجعفر نميري ثن انقلاب يونيو وبالتالي يجب اقصاؤه!!
لما ينعدم المنطق الناس يجخلوا في الفوضى لان كل واحد يمتلك حجج كافية لاقصاء الاخر، والذي يتم اقصاؤه يعلن الحرب حتى سقوط ليس النظام بل السودان ككل.
التطرف سبب افات البلد ومصدر جوعها ومرضها وتخلفها
مقال رائع …من شخص اروع …
.ارجو ان لا يكرر الشامتون في السودان ….ذات موقفهم من تاييد نظام السيسي في مصر …علما ان عروش الخليج ….ونظام السيسي …ومن يحركهم من بؤر الشر الصهيونية ….لاتريد ان تترسخ بين شعوبنا الانظمة الديمقراطية ..اذ تخشى (اسرائيل ) الديمقراطية في المنطقة ….اكثر من خشيتها من السلاح النووي
المشكله فى احزابنا كلها فهى لا تعرف من الديمقراطية الا اسمها ومع ذلك نتمنى ان ينجح الخيار الديمقراطي رغم الصعاب.
اي انقلاب حيكون عنصري ..وسيتفتت الجيش..ليه..لان عملية الدمج إذا تمت فهى تعني تقسيم الجيش..واذا لم تتم ..فهي تعني تعدد الجيوش..ليه لان الحركات لن تسلم سلاحها…وحميدتي وقواته دليل ناصع…المدنية هى الحل الوحيد العملي والمنطقي بالنسبة للمجتمع الدولي..ليه لان السودان يمر بصعوبات اقتصادية..واي انقلاب يعي هجرة ولجوء ونزوح جماعي..وتجدد الحرب ..لان المدنية هى التي اتت بالسلام..
الشعب اقوى و الردة مستحيلة
الترس صاحى ..
واعين ومكملين…
عندما تدق ( المزيكة العسكرية ) سيتوحد الجميع …رغم هذا الشتات الظاهر بقوى الحرية والتغيير و تجمع المهنيين السودانيين..
عيشتكم في الخليج و اكل الكبسة خلاكم تتكلمو كأنكم إعراب الخليج، شنو سودانية دي؟
و بعدين قطرك دي ما هي ملجأ الكيزان المُفضل حالياً، تقدر تقول حاجة هناك؟