مقالات سياسية

عساكر، لكنهم (أوﻻد ناس)..!!

خط الاستواء

عبد الله الشيخ

السودان في طفولة لا تنتهي، وتجاربه الديمقراطية قصيرة الأجل، والحلقة المفقودة في مجتمعنا هي غياب الطبقة الوسطي ــ المستنيرة ــ التي توازن بين الديمقراطية والتنمية. ليست مصادفة أن يبقى عبّود في السلطة 6 سنوات، بينما تبقى مايو 16 سنة،  الكيزان 30 سنة، حتى إذا جاءتنا آزِفة أُخرى، مكثت فينا إلى ما شاء الله!

هل هي مصادفة، أن تتوق قوى التغيير إلى الحكم المدني فتستعيده، ثم تردد نفس الاكتوبريات عندما تفتقده؟

كل من يصنع انقلاباً  يسميه (ثورة)!

ليس ممكناً تمجيد دكتاتورية بأنها أقل بشاعة من الأخرى، لكن من الممكن تقييم طبيعة كل نظام، فتبقى الفروقات بين نظام إنقلابي وآخر، محض فروقات، وليست مآثر. كان الفريق عبّود ــ له الرحمة ــ عسكريا مهنياً، بينما صنع نظام مايو الإتحاد الاشتراكي كغطاء مدني وواجِهة سياسية لنظام شمولي.. ثم طال ليل تجربة الاخوان فتعسكرت البلاد وتم تحطيم القوي الحديثة ونقاباتها، ومورست الشعوذة السياسية ممزوجة بالقمع، و (وحدس ما حدس)..!

حكومة عبود – نظام 17 نوفمبر 1958  – كان إنقلاباً غير مؤدلج حتى رحيله، أما نظام مايو  فقد أردف الأدلجة وراء ظهره.

عند تقييم انقلاب نوفمبر ينبغي أولاً النظر إلى أنه إفترع الحلقة الشريرة.. الفريق ابراهيم عبّود، هو من علّم صبية العسكر الانقلابات،، هو من بدأ سياسة الأسلمة والتعريب وتبني الحل العسكري في الجنوب.. كان انقلابياً وموالٍ للطائفية وملتحقاً بالناصرية، لكن برضو، كان إنسان طيِّب!

عندما ثارَ السودانيون في وجهه، لمْلَمْ عَفشو طوّالي.

ارتكب نظام نوفمبر جريمة إغراق حلفا، بينما ارتكبت مايو العديد من الجرائم، آخرها كان التستر علي مجاعة ١٩٨٤م.. لم يستوعب السودانيون خطل المهدية، ففجعهم التاريخ باعادة الدرس على يد الترابي والبشير … لم يتأمّلوا أكتوبر فركبتهم مع الهوس الديني هذه الطائفية، وهي أسوأ من الانقلاب.

قصة عبّود بعد تنازله عن السلطة، في سوق الخضار معروفة، فهل نقول مآثرته بأنه جاء الى السلطة بدعوة كريمة من كيان حزب الأُمّة، و أنه غادر السلطة بطلب كريم من الشعب كله؟ لا خير في انقلاب عسكري، وان جاء بالمن والسلوي، لكن من حسنات عبّود – رحمة الله عليه – أنه كان عسكرياً منذ لحظة ظهوره في القصر وحتى دخوله القبر.

طاف عبّود أغلب مناطق السودان البعيدة وزرف على حلفا بعض الدموع وأعطى أهلها بعض التعويضات، وتسلّم المعونة الأمريكية وبنى بها الكوبري والشارع.

رغم ديكتاتورية عساكر نوفمبر، إلا أنهم كانوا اولاد ناس، لم يكتنزوا ولم تحللّوا.

الفريق عبّود لم يتكسب من المنصب، أتى إليه فريقا وغادره فريقا. كان بيته هو نفس بيته، عندما كان ضابطاً. في عهده كانَ طعام الغني والمسكين متقارباً، وكان ــ وهو الرئيس ــ يعيش بمستوى أقل من جيرانه الاطباء. كان يُستقبل بحفاوة في المحافل الدولية، ولقد استُقبِل إستقبال الملوك في بريطانيا وأمريكا وروسيا، رغم أنه رئيس غير ديمقراطي. ترك عبّود خزينة الدولة ممتلئة فافرغها الذين جاءوا من بعده.

المأثرة الكبري لعبّود أنّه حقن الدماء، وغادر السلطة طائعاً لإرادة الجماهير.

قالت له الجماهير:  مع السلامة، قال لهم: وعليكم السلام!

فتأمل هؤﻻء الذين فضوا الاعتصام.. إنهم يضعونك بين خيارين: إما أن يقتلوك، أو يحكموك!!

المواكب

‫8 تعليقات

  1. (( ليس ممكناً تمجيد دكتاتورية بأنها أقل بشاعة من الأخرى، لكن من الممكن تقييم طبيعة كل نظام، فتبقى الفروقات بين نظام إنقلابي وآخر، محض فروقات، وليست مآثر. ))
    تعبير موفق جدا …..اختزل الكثير …مما كنت احاول ايضاحه …عند المقارنة بين الانظمة المتعاقبة ….
    بهذا اعتقد ان من يريد ان يقارن بين نظام ديمقراطي انتخابي حر ..وبين نظام عسكري او شمولي استبدادي …كمن يريد ان يقارن بين الطهارة …….والنجاسة ….
    خالص تقديري

  2. عبود لو كان ود ناس ما كان فرط في حلفا ووقع اتفاقية المياه مع مصر سنة 1959 عبود بجهله سبب مشاكل لا يمكن تجاوزها قال ود ناس قال ما هو المقياس يكون ود ناس لو كان فضل في بيته و بس

  3. متى تفهم النخب المدنية وكل الرتب العسكرية على مستوى عسكري نفر … أن الديكتاتورية مهما كان صلاح من هو على سلطتها تحرم البلاد من خاصية نظرية الفكر المتناسل التي تنزل الحلول … والتي تقول: (الحوار ينزل الحلول) الشيء الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وبارك بخلافة على نهج النبوة … وهي نبوة تفاعلية يشترك فيها كل الشعب المسلم عن طريق الاستفتاء والانتخاب وووو.

    وكذلك أن يفهموا أن القرآن الكريم بعد أن فرض إمارة المسلمين لشورى المسلمين؛ جعل جهنم مرصاداً ومآباً للطاغين وبدون أي استثناء أو عذر لجهل أو حسن نية.

  4. لقد أنصفت عبود لا فض فوك فقد كان (رجلاً) عسكرياً وكل عسكر زمان كانوا رجالاً صارمي العقيدة العسكرية فلم يتأثروا بأي أدلجة يسارأ أو يميناً وانما وعوا مصلحة والون وتنميه نصب أعينهم فأنجزوا ما لم ينجزه حكم بعدهم وحيث كانوا متأكدين من أن انجازاتهم البنيوية لمصلحة الوطن مائة بالمئة فلم يحتاجوا إلى هتيفة حزبية لدعمهم ولم يفكروا في دغمسة حزب سياسي شمولي يحكمون من خلاله ولذلك ظلوا على موقف صارم د كافة الأحزاب ابعاداً واستبعاداً وتفرغوا للعمل الجاد.
    وما أحوجنا اليوم لذات الروح الوطنية الجادة ذات الرؤية الموجهة للتنمية واستبعاد الأحزاب وألاعيبها الانصرافية عن هذا الهدف ويمكننا تجاوز مثالب حكم عبود على كثرة مناقبه، وأبرز هذه المثالب هي استغناؤه عن الاسترشاد بالرأي العام ومشاركة الشعب في الحكم فوقع في خطيئة مصادرة الحريات العامة بتكميمه الأفواه رغم أنه لم يفعل ذلك رغبة في الاستبداد والتمكين وانما كان بحسن نية لمنع عوائق التنمية بالفوضى والهرج والمرج والجعجعة السياسية والتشكيك في القرارات والمنجزات . وكان بامكانهم السماح بحرية الصحافة مع السماح بتمثيل شعبي في برلمان أو مجلس شورى لكي يناقش مشروعات القوانين بموضوعية واستفاضة صوناً للحريات والحقوق واحترازاً من التضحية بها مقابل التنمية الاقتصاديةعلى حساب التنمية البشرية. ولعلهم لو كانوا يستعينون بمجلس شورى ذي تمثيل شعبي ولو نسبي، لكانوا قد صُرِفوا عن الحلول العسكرية الصرفة التي طبقوها في مشكلة الجنوب آنذاك. ومن يدري لربما كانوا ينوون اعادة الحكم المدني بعد فترة (انتقالية) محددة لم تكتمل بثورة أكتوبر 1964م!
    أما الحل اليوم يا ود الشيخ، استلهاماً لكل التجارب السابقة العبر المأخوذة منها، فنه لابد من استنفار كل القيم والهمم الوطنية وتركيز الجهد كل الجهد المادي والعلمي اللازم للتنمية الاقتصادية ونبذ واستبعاد الأحزاب وألاعيبها من أجل مصالحها الصيرة التافهة في مقابل مصلحة الوطن ومواطنيه تماماً كما فعل عبود الذي كان يعلم مسبقاً بفشل هذه الأحزاب فهم الذين سلموه السلطة اقراراً بفشلهم. واقصاء الأحزاب لا يعني مطلقاً ياب الديمقراية كما يروج لهذا المتحزبون يساراً ويميناً وهم أحزاب غير ديمقراطية في دواخلها ولا تختلف فيما بينها خول برامج تنموية وانما ترفض بعضها بعضاً على أسس عقائدية ومذاهبية وطائفية ولا يتصور أن يجمعها مشروع وطني واحد أو مشترك مستقبلاً إلى أبد الآبدين. والحل هو اقامة الديمقراطية المباشرة التي يتم فيها تمثيل كل الشعب (وليس فقط المتحزبين منهم كما في حالة الديمقراطية الحزبية التي لا تمثل ثلث السكان!) في مناطقهم الجغرافية ودوائرهم المهنية والحرفية والفئوية إلخ. فكر في هذا يا ود الشيخ ون جاز سؤالك كيف يأتي هؤلاء النواب الممثلون بمشروعات برامج فردية ينتخبون على أساسها، أقول لك ير مطلوب من ممثل أي منطقة أو فئة أكثر من طرح مطالب من يملهم أمام بقية النواب في البرلمان لمناقشتها واقتراح الحلول لها مستصحبين مشاركة الرأي العام الصحفي والاعلامي والأكاديمي في مراكز الرأي وورش العمل والندوات والمؤتمرات إلخ.

  5. تصحيح وأرجو ياراكوبة نشر التصحيح فقط عندما يكون هناك تصحيح ولا داعي لتسويد صفحات الراكوبة بكلام مكرر!
    لقد أنصفت عبود لا فض فوك فقد كان (رجلاً) عسكرياً وكل عسكر زمان كانوا رجالاً صارمي العقيدة العسكرية فلم يتأثروا بأي أدلجة يسارأ أو يميناً وانما وضعوا مصلحة الوطن وتنميته نصب أعينهم فأنجزوا ما لم ينجزه حكم بعدهم. وحيث كانوا متأكدين من أن انجازاتهم البنيوية لمصلحة الوطن مائة بالمئة فلم يحتاجوا إلى هتيفة حزبية لدعمهم ولم يفكروا في دغمسة حزب سياسي شمولي يحكمون من خلاله. ولذلك ظلوا على موقف صارم ضد كافة الأحزاب ابعاداً واستبعاداً لهاوتفرغوا للعمل الجاد. وما أحوجنا اليوم لذات الروح الوطنية الجادة و الرؤية الموجهة للتنمية واستبعاد الأحزاب وألاعيبها الانصرافية عن هذا الهدف. ويمكننا تجاوز مثالب حكم عبود على كثرة مناقبه، وأبرز هذه المثالب هي استغناؤه عن الاسترشاد بالرأي العام ومشاركة الشعب في الحكم فوقع في خطيئة مصادرة الحريات العامة بتكميمه الأفواه رغم أنه لم يفعل ذلك رغبة في الاستبداد والتمكين وانما كان بحسن نية لمنع عوائق التنمية بالفوضى والهرج والمرج والجعجعة السياسية والتشكيك في القرارات والمنجزات . وكان بامكانهم السماح بحرية الصحافة مع السماح بتمثيل شعبي في برلمان أو مجلس شورى لكي يناقش مشروعات القوانين بموضوعية واستفاضة صوناً للحريات والحقوق واحترازاً من التضحية بها مقابل التنمية الاقتصاديةعلى حساب التنمية البشرية. ولعلهم لو كانوا يستعينون بمجلس شورى ذي تمثيل شعبي ولو نسبي، لكانوا قد صُرِفوا عن الحلول العسكرية الصرفة التي طبقوها في مشكلة الجنوب آنذاك. ومن يدري لربما كانوا ينوون اعادة الحكم المدني بعد فترة (انتقالية) محددة لم تكتمل بثورة أكتوبر 1964م! أما الحل اليوم يا ود الشيخ، استلهاماً لكل التجارب السابقة العبر المأخوذة منها، فإنه لابد من استنفار كل القيم والهمم الوطنية وتركيز الجهد كل الجهد المادي والعلمي اللازم للتنمية الاقتصادية ونبذ واستبعاد الأحزاب وألاعيبها من أجل مصالحها الصغيرة التافهة في مقابل مصلحة الوطن ومواطنيه تماماً كما فعل عبود الذي كان يعلم مسبقاً بفشل هذه الأحزاب فهم الذين سلموه السلطة اقراراً بفشلهم فضحى بها من أجل هدف أسمى وأنفع. واقصاء الأحزاب لا يعني مطلقاً غياب الديمقراية كما يروج لهذا المتحزبون يساراً ويميناً وهم ينتمون لأحزاب غير ديمقراطية في دواخلها ولا تختلف فيما بينها حول برامج تنموية وانما ترفض بعضها بعضاً على أسس عقائدية ومذاهبية وطائفية ولا يتصور أن يجمعها مشروع وطني واحد أو مشترك مستقبلاً إلى أبد الآبدين. والحل هو اقامة الديمقراطية المباشرة التي يتم فيها تمثيل كل الشعب (وليس فقط المتحزبين منهم كما في حالة الديمقراطية الحزبية التي لا تمثل ثلث السكان!) في مناطقهم الجغرافية ودوائرهم المهنية والحرفية والفئوية إلخ. فكر في هذا يا ود الشيخ ون جاز سؤالك كيف يأتي هؤلاء النواب الممثلون بمشروعات برامج فردية ينتخبون على أساسها، أقول لك غير مطلوب من ممثل أي منطقة أو فئة أكثر من طرح مطالب من يمثلهم أمام بقية النواب في البرلمان لمناقشتها واقتراح الحلول لها مستصحبين مشاركة الرأي العام الصحفي والاعلامي والأكاديمي في مراكز الرأي وورش العمل والندوات والمؤتمرات إلخ.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..