أخبار مختارة

ثلاثة عشر كوكباً… ماذا يفعلون؟!

فتحي الضَّو

تعلمون أن ما يحيِّر في الساحة السياسية السودانية كثير، ورُبَّ بعضه من شاكلة ما أعيا (الطبيب المداويا). أما أنا فقد بحثت ونجمت وتأملت فلم أجد مسألة استعصت على فهمي وإدراكي مثل هذه القضية التي نحن بصددها. وبقدر ما عجزت ليت غيري يجدون لها الدواء الشافي الذي يدرأ عنَّا مغبة الأذى. فقد بت أسائل نفسي حتى كاد عقلي أن يذهب: هل هذا هو الكسل الذهني الذي أصابنا بدائه اللعين؟ هل تلك هي الحيرة وفقدان البصيرة؟ هل هي اللامبالاة وعدم الاكتراث.؟ هل هي الخيانة العُظمى رُغم عِظم الاتهام؟ هل هو القصور في الوعي؟ هل ذلك استهتار بالثورة واستخفاف بدورها؟ هل هو التآمر عينه أم الكذبة البلقاء التي صدقناها؟ هل هي الذاكرة الغربالية التي وُصِمنا بها؟ هل ذلك استدعاء لتاريخ عليل؟ هل هي الغفلة الحمقاء؟ هل هي شهوة السلطة وسُكرها اللذيذ؟ جيش من الأسئلة الحيرى تترى، لو سرنا في دربها لما بلغنا لها أمدا!

(2)

ثلاثة عشر كوكباً في أعلى هرم السلطة، يسكنون قصر غردون ويجلسون القرفصاء. يقال لهم مرة المجلس السيادي، وأخرى يسمونهم المجلس المشترك وما هو بمشترك، وثالثة يتعمدونها استفزازاً ويقولون المجلس العسكري وقد صدقوا، وما ضرُّوا جنرالات صنوه المدني في شيء. لا أدري كيف ومتى بلغوا هذا الرقم بالرغم مما ندَّعيه بأننا نرصد دبيب النمل في هذا البلد الصابر أهله. فهل جاءوا على غفلة من الزمان أم على غفلة مِنَّا؟ هذه الحكومة تمنحك البلايا والرزايا ولكنها لا تنسى أن تزودك بالصبر على المكاره. إن شئت أن تختلي بنفسك وتمتحن ذاكرتك بترديد أسماء هذه الكواكب، أنصحك ألا تفعل فقد حاولت أن أذكر نصفهم فارتد إلىَّ جهدي وهو حسير. أما إن شئت أن تجيب على سؤال ماذا يفعلون؟ فذلك سيجعل من المجلس برمته كياناً عاطلاً عن العمل. هذه البلاد يا سائلي أمرها عجب، تثور وتفور كالتنور وتلد ثورة تقول لنا أدخلوا بيوتكم حتى لا يقتلكم (الجنرالات) وجيوشهم. ونقول لها سمعاً وطاعة.. فلماذا إذن كل هذا الجيش العرمرم يا سيدي؟

(3)

صيغة مجلس السيادة بدعة ضيزى. شئنا أن نقتبسها من الاستعمار البريطاني الذي كان يسمه (مجلس الحاكم العام) فشوهنا الفكرة، فلا صرنا طواويساً ولا عدنا غِرباناً. فبعد الاستقلال مباشرة توافقنا على تلك الفكرة الألمعية، وتمَّ اختيار أول مجلس سيادة خماسي 1956م-1958م وهم: (أحمد محمد صالح، أحمد محمد يسن، الدرديري محمد عثمان، عبد الفتاح المغربي، سيرسيو إيرو) أما لماذا خماسي؟ فذلك ما لا يستطيع حتى مقترحوه أن يجيبوا عليه. فكلهم جاء من وسط البلاد عدا خامسهم من جنوبها، وبذلك تنتفي دعاوى تمثيل كل الوطن. والغريب في الأمر أيضاً أنها لم تخضع لآفة المحاصصة القبلية التي رُزئنا بها حتى اليوم. إذن فالأمر لا يعدو إلا ليكون محض نزوة قالت للديمقراطية: إني أرى في المنام إني أذبحُك!

(4)

بعدئذٍ بدأت الظاهرة تفرض نفسها وتطل علينا بوجهها البهي كلما طافت علينا حقبة ديمقراطية. وذلك ما حدث بالضبط في الحقب الثلاث، وبذات تمثيل العدد الخماسي أي بحذافيرها لأن (الولف كتال) كما نقول في دارجيتنا الجميلة. لكن مما يدهش أن الظاهرة أصابت هذه المرة الحكومة الانتقالية في مقتل، فلأول مرة تعرف ظاهرة مجلس السيادة التي لم تشهدها الفترتين الانتقاليتين السابقتين، الأولى 1964م-1965م والثانية 1985م-1986م ليس ذلك فحسب فقد قفز ماراثون العضوية عنهما بما يزيد على الضعفين، وما يزال الحبل على الجرار كما يقولون.

(5)

لعل أسوأ ما يمكن أن يستذكره المرء من ممارسات الأنظمة الديكتاتورية التي استولت على السلطة مثنى وثلاث، إنها أورثتنا حُب السُلطة، ومن فرط حبنا أفسحنا لها مساحة حتى في أمثالنا الشعبية (سُلطة للساق ولا مال للخناق). ولهذا ليس هناك ما يدهش إذا ما تضخمت ذواتنا وانتفخت أوداجنا ورقصت دواخلنا طرباً عندما تسمع صافرات المواكب وهي تنطلق في الشوارع المكتظة بالبشر والأوساخ والخطايا. ولعمري تلك مفارقات لن تجد لها مثيلاً في أدب الثورات، وحتماً ستجد لها شبيهاً في مخازي الديكتاتوريات. أنظروا هناك سيدة فاضلة اسمها عائشة موسى السعيد، وخزها ضميرها نتيجة التضخم الوظيفي فاستقالت. خرجت ولم يشعر بها أحد، تماماً مثلما ينحسر الظل. طرحت اتهامات غلاظ تنوء بحملها النفوس، ومع ذلك لم يقل لها أحد (جزاك الله خير) وليت أحداً طلب منها البقاء لكي تؤازر رفيقتها وسط ذلك الكم الذكوري المفزع.. بأضعف الإيمان!

(6)

يا للهول كما يقول الممثل الراحل يوسف وهبي. هل خطر ببال أحدكم تكلفة هذا المهرجان؟ كنا نقول لمثل هاتيك المواقف في زمن العصبة أنها أزمة أخلاق، لنذكرهم بأنهم كانوا يموتون من التخمة بينما لا يجد أطفال المدارس لقيمات يقمن صلبهم. فما الذي يمكن أن يُقال لهذا الجيش الجرار؟ بل ما الذي يمكن أن تفعله ميزانية (القصرين) للصحة المتهالكة والتعليم المتدهور. في شهر مايو المنصرم امتطى الجنرال البرهان الطائرة الرئاسية وتوجه للعاصمة الفرنسية باريس لحضور المؤتمر الاقتصادي لدعم التحول الديمقراطي في السودان. قلنا بخ بخ، لكن الجنرال حمدوك كان حضوراً أيضاً. ذهبا معاً لحضور فاعلية واحدة وتركا وراءهم الجنرال حميدتي الذي استلم الرئاسة لمدة يومين كتمت البلاد فيهما أنفاسها.. يا للتعاسة!

(7)

بهذه المناسبة لم يحدثنا أحد عن الكيفية التي تبوأ بها الجنرال حميدتي نيابة رئاسة الجنرال البرهان وأصبح (يُكنى) رسمياً بنائب رئيس مجلس السيادة. بحثنا في دهاليز الوثيقة الدستورية فلم نجد لها أثراً. قلنا تلك بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في القصر. عموماً فالسؤال أعلاه موجه بالطبع للأبرياء الذين يظنون أن الوثيقة الدستورية المفترى عليها اُنتُهِكت، وكأنهم لا يعلمون أنها (شبعت) انتهاكاً منذئذٍ. وبهذه المناسبة أيضاً. أليس من المفروض – طبقاً لذات الوثيقة – أن تكون هناك فترة ثانية لجنرال مدني يرأس مجلس البرامكة هذا. ألم يحن أوانه بعد أم أنه أصبح نسياً منسياً؟!

(8)

ثمة أسطورة من صُنعي: قيل إنه عندما كان جيش المهدية يحاصر قصر غردون، تسلل رجلٌ في جنح الدجى، وتلمس طريقه في ردهات القصر حتى وصل إلى مكتب غردون. وكان يحمل صندوقاً صغيراً مغلقاً بإحكام، فوضعه على طاولة غردون الذي كان خارج المكتب يتفقد جنوده. وأراد الرجل العودة بذات الطريق، لكن غردون رآه وسأله عما كان يفعل في مكتبه. فقال له: إنها شرور الدنيا كنت أجمعها طيلة عملي في القصر. فقال له غردون وما هي؟ فقال له: الكراهية والجشع والطمع والنفاق والشحناء والبغضاء والأنانية، وأنا أريد أن أحميك منها وفاءً لمعاملتك الطيبة طيلة الفترة التي عملت فيها بالقصر. فصدقه غردون واغرورقت عيناه وفاضت بالدموع حتى ابتلَّت لحيته، وضمه إلى صدره في حنو بالغ ومنحه سبيكة ذهبية مصكوك عليها صورته. وعندئذٍ قال لغردون هل تسمح لي يا سيدي أن أفتح الصندوق وأرمي شروره في النيل. فقال له غردون: لا تفعل بل أتركه مغلقاً في مكتبي سوف يأتي قوم بعدي يجلسون في القصر وسيفتحونه ويتوارثونه الواحد تلو الآخر!

هل عرفتم أسطورة مجلس السيادة يا سادتي!؟

آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!!

[email protected]

‫6 تعليقات

  1. والله انها الخيبه بعينها …. نشهد بالله اننا افشل شعوب الارض واكثرها بؤساً.

  2. لا امل لا امل العودة فورا للشارع وليحدث ما يحدث واخرها الموت وهو قادم لا جدال فيه .

  3. نحن لسنا افشل شعوب الارض لأن الفشل يأتي عن عمل جربته فلم تنجح فيه ففشلت ولكن نحن اكسل واغبى واسوأ شعوب الارض لاننا لا نعرف العمل ولا نعرف طريقا اليه لنسلكه ونعمل فيه سواء نجحنا او فشلنا و لأن الفشل يحيط بنا من رأس السلطة الى قدميها ..!!
    الثلاثة عشر كوكبا ماذا يعملون ..؟؟ انهم يأتون لمكاتبهم ليشربون القهوة والشاي ويضحكون ويتسامرون وفي النهاية يذهبون الى منازلهم بعد عناء يوم عمل طويل لينامون …
    اما فيكم ايها السادة الكرام رجل يعرف يدرس ويخطط ويخرج للوجود مشاريع صغيرة وضخمة تستوعب هذه الجيوش الجرارة من الشباب ( العواطلية) الذين يقضون كل يومهم في الاعمال الهامشية ( مسح اورنيش -بيع لبان- بيع جرايد -..الخ)التي لا تكاد تطعمهم من جوع و(تأويهم من خوف ..) المسؤولون .. مالكم لا تأتون بلواري وبصات وتجمعون هذه الجيوش العواطلية وتذهبون بهم الى المزارع الكبيرة والصغيرة في موسم الحصاد للاستفادة منهم في الانتاج(على الاقل يأكلوا ويشربوا وينتجوا ويناموا ) مش احسن من تجيبوا عمالة يدوية من الخارج ..

  4. استاذي العزيز ارسل اليك رسالتي الاولي للسيد/حمدوك وسوف ارسال اليك رسالتي الثانية.
    كما ارجو منك اخي العزيز ان تنير لنا الدرب حتي نخرج من هذا النفق المظلم
    رسالة
    الي السيد/ عبدالله حمدوك
    المحترم
    ——————
    عندما كان أهلي يتمنون ذهاب الحكم الإسلاموي الفاسد بأي وسيلة ،. كانت أمنيتي وأنا أدعو وأتضرع الى الله ان يزول بثوره ، بعد نضالاً دام ثلاثون عاماً فسادا.. تحقق الحلم وكان اكثر جمالاً وبهاء ، عشت كغيري تلك اللحظات الحلوة في ساحة القيادة ، كان جسدي بعيداً أما روحي ومشاعري كانت تمتد بمساحة الساحة .،
    الفرح والنشوة يملآن قلبي كنّت اكثر زهوا من أبي دجانه وهو يحمل السيف والعالم أكثر دهشة وإعجاباً..
    تحدثنا بكل فخر واعتزاز عن تميز هذه الثورة عن غيرها ووصفها بالثورة الفرنسية
    كتبت في الساحة مقالي وأخذت العهد على نفسي عند إجازتي ان اذهب أولاً للساحة وان اقف حافياً أتلمس الجدار بيدي كما يتلمس الضرير الطريق ، وكنت يا حمدوك الحلم الثاني ..كانت صورتك تزين هواتف اسرتي قبل اختيارك مثل كل الشعب ، فأنت المنقذ وفارس الثورة وعريس هذا الكرنفال البهي ..والحبيبة في انتظارك أجمل وأحلي ما تكون ،
    الحلم ممتد والآمال عظيمة ان تكون مؤسس وباني النهضة لنا مثل مهاتير و لي كوان يو ، بارك شونغ هي ، دينج هسياو ينج ، او بول كاجامي وأنت اكثر حظاً.. سنفاخر بك الدنيا بكل زهو واعتداد ، مازالت قلوبنا تدمي لما ( حدث ما حدث ) في حديقة القيادة فلا تجعل نزيف القلب شلالاً ولا تجعل أمالنا قصور رمال ،. اجلس القرفصاء مع الثوار واستمع اليهم جيداً عبر عن مشاعرهم وتطلعاتهم وآمالهم قولا وعملاً
    يقول ناصر : (عندما تتعارض الثورة مع شبابها فإن الثورة على خطأ)
    انظر الى ما مضى من حكمك و أعد النظر كرتين اقف على الترس كما وقف الشهيد عباس فرح واعلم ان الشعب أمامك وقل للفساد مثل زياد : (حرام عليّ الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدماً وإحراقاً )
    انت قائد ثوره ولست موظفاً مغلول الأيدي ،
    اخيراً يقول احمد مطر : (اذا كان الثوري نظيفا فلماذا تتسخ الثورة ؟!.)
    ويقول ناصر : (نجاح الثورة يتوقف على إدراكها للظروف التي تواجهها وقدرتها على الحركة السريعة ).
    ويقول جيفارا : (الثورة شيء تحمله في أعماقك وتموت من اجله وليست بالشيء الذي تحمله في فمك وتعيش على حسابه ).
    محمد حجاج
    الرياض 20/4/6

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..