مقالات وآراء

الفوضى

الرشيد العطا

قال الإمام الشافعي: “تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى…وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ: تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد”

رحم الله الامام الشافعي..
دعوني أنتقي من فوائد السفر (الآداب)..
سفري إمتد لأربعة عقود ونيف.. تعاملت خلالها تقريباً مع جميع سكان كوكب الأرض. على اختلاف إثنياتهم.. وألوانهم. وأديانهم. ما عدا (الإسكيمو)… أقول تقريباً….
حاولت أن آخذ منهم ما أراه أسلوب حياة جميل.. وأعكس لهم بمعاملاتي ما أظنه جميلا من عاداتنا.. وعاداتنا غنية بالجمال… ولكن!!

اكتشفت أن حياتنا الاجتماعية تعاني من عوارٍ كبير…..
نحن فوضويون..!! بالمعنى الدقيق للكلمة. حياتنا الاجتماعية تختلط فيها الأوراق.. وتختفي منها حدود (الخصوصية) بدرجة غايةً في الإزعاج. يجب أن لا تأخذنا (العزة بالإثم) فنكابر.. ونغالط. يجب أن نكون أمناء مع أنفسنا حتى تتغير حياتنا للأفضل.. ولو تعلمنا آداب إسلامنا لكفتنا…

لا أتحدث عن الجنة والنار.. ولا الجهاد والحج. بل عن ضبط حركة المجتمع ليستقيم أمر المجتمع.
وقفت يوماً في صف الرغيف.. او لنقل حاولت أن أكون نواةً لصف… وقفت في مكان اعتبرته المؤخرة… ما رأيته أمامي عدة مؤخرات.. وعدة مقدمات.. لعدة صفوف. قلت في صوت خجول لكنه مسموع.. (السلام عليكم يا جماعه.. يا اخوان ويا أخوات… اقيفوا ورا بعض.. عشان نسهل الموضوع.. والناس الجو أول.. يخلصوا أول.)… لا حياة لمن تنادي. حدجتني إمرأة بنظرة فاحصة.. ثم عوجت خشمها تلك العوجة الساخرة الشهيرة.. واكملت المشهد ب (هه ياااااا يممممه!!).

ذكرتني بحكاية حكاها لي واحد من إخوتي العمانيين.. قال (كنت واقفاً في صف محاسب في (سوبر ماركت “صابر”.. أحسست فوق رأسي قماشاً أبيضاً يزحف نحو المحاسب.. تبينته. كانت يد جلابية لسوداني طويل.. داخلها يد تمسك بأوراق نقد.. خاطب السوداني المحاسب.. موضحاً أن في يده أغراضاً بسيطة… طالباً منه أن يمشيه) مضى الاخ يحكي أنه طلب من الرجل أن يلتزم بالدور.. أو ان يستأذن من الذين أمامه.. غضب الرجل أرجع بضاعته و (شتت)….

كنت جالساً يوماً في بيت نسابتي بحي الشهدا القريب من السوق.. فجأة (نبل) شاب في الاربعين من عمره في ظني.. دفر الباب… كان مشنقاً جلابيته.. وهو يردد (وين الحمام؟)… من فضل الله كان الحمام في موقع قرب الباب الرئيسي.. دلف الرجل. ثم خرج بعد فترة مبسوطاً… ومضى الى سبيله يتمطى. كان يمكن أن تكون نساء البيت يتجولن بملابس البيت التي لا تستر.. وكل جواز مروره لاقتحام حرمة البيت.. انه يعرف أحد أعضاء الأسرة… طيب ياخي هناك (جامع) بالسوق…. هناك دكاكين (بامبرز)… هناك بعض الزوايا الساترة.. وخاصة أن (الزنقه) كانت من الدرجة الخفيفة… استناداً الي الزمن الذي قضاه في (بيت الراحه!!) الحلول التي اقترحتها اعلاه فيها ما هو غير لائق… لكن أن تقتحم بيت أناس.. من دون اذن… هو أسوأ منها جميعاً.

بالأمس القريب زارتنا مشكورة أسرة كريمة. من ضمنها شاب وزوجته وأمه… وجارة لنا.. عند (الافرنقاع) اقترح الشاب لأمه أن تبيت عند الجارة… ويمر عليها بكره يأخذها.. لا بأس فبين أمه والجارة قرابة ليست من الدرجة الأولى ولا الثانية!! لكن ماذا عن الجارة؟ ماذا عن ظروفها؟ كيف لا تُستأذن؟

ثم يتخذ قرار المبيت؟
تلك أمثلة بسيطة… ناهيك عن أطفال الجيران الذين يقتحمون عليك غرفتك.. في أي وقت… حسب مزاجهم… (يورجغون) ما طابت لهم الورجغه. في وقت يعلم مربيهم أنه لا يجوز اقتحام غرفة الام والاب الا في اوقات معينة وبعد استيئذان… مسبق..ناهيك عن غرف الجيران.
المجتمع من دون ضوابط… يصبح أشبه بزريبة بهائم. الترحاب من دون أصول ودستور يصبح استباحة.. الزيارات في غير اوقاتها… وان تكون فجائية تصبح اقتحاما…
(البساط الأحمدي) الشهير… بلا خطوط حمراء… يصبح بساطاً في سرادق عزاءٍ لقيم المجتمع…
فهل من مدّكر؟
الرشيد العطا
ام درمان
٧ / ٨ / ٢٠٢١م

‫3 تعليقات

  1. كلامك جميل لي زمن بنبح انه مجتمعيا سلوكنا فوضوي ولو مااتغير لن نمشي قدام خطوه شوف لينا حل

  2. شكرا الأخ الرشيد لقد تناولت أمرا من السكوت عنه كأنه وحي انزله الله من السماء وهذه فعلا منتهى الفوضى ولذلك بهذا الأسلوب والذي اعتبره من أسباب تخلفنا وعدم تحمل المسئولية. فلا بد من ان ينصلح المجتمع اولا لان مجتمع بهذه الخصائص التي لو كانت سليمة لتطورنا وحضرنا. ولهذا انا في الغربة اتجنب مجاورة السودانيين في السكن على الرغم من انه لي علاقات طيبة مع عدد لا يستهان به منهم ولكن لا احبذ منهم عدم احترام الخصوصية. ونأمل ام ينصلح الحال وحال البلد عموما.

  3. عندنا أداة لو أستعملت أستعمالها الصحيح لحلت كثير من المشاكل. ألا وهو الجامع وخطبة الجمعه. لكن الحاصل أنه مستلمنها من يوظفونها لخدمة أغراضهم السياسيه. الكلام موجه لوزير الأوقاف للإلتفات لهذه القضيه. ثم وسائل الأعلام من راديو وتلفزيون وهى الأقدر على الوصول لعقول ووجدان حتى الأميين من خلال البرامج الهادفه. تعجبنى أعمال فرقة مسرح على الهواء فهى تجربه تستحق الإشاده فى معالجتها لكثير من القضايا الإجتماعيه. كمان حقو مع أجواء الحريه دى ينشط الشباب فى اندية الأحياء الثقافيه والإجتماعيه. ما بنا هو تخلف عمد الكيزان على المحافظه عليه وحان الوقت لتغير هذا الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..