استراتيجية جديدة أم سياسة الأمر الواقع..واشنطن لم تقدم الجزرة ولم تستخدم العصا بل لوحت بالاثنين معا..نظام الإنقاذ درس الواقع الأمريكي بالقدر الذي مكنه من المناورة على تفتيت السودان

منذ عهد الرئيس الامريكي جورج بوش الابن ظلت الادارة الامريكية تضع استراتيجية تلو الاخرى تجاه السودان على خلاف الخطة الواضحة التي وضعتها ادارة الرئيس الديمقراطي الاسبق بيل كلينتون والتي تقوم على احتواء الجيران تارة وسياسة العصا والعقوبات تارة اخرى ولكن لم تثمر هذه الاستراتيجيات وظلت تتغير تبعا لتغير الادارة او تغيير المبعوث الرئاسي.

وهذا الواقع في المواقف الامريكية قاد الى هذا الواقع الذي يقوم على عدم الثقة بين الطرفين خاصة بعدما عينت الادارات الامريكية المختلة مبعوثين رئاسيين بدءا من العام 1999 حيث لم يفلح أي منهم بخلاف جون دانفورث في رسم سياسة امريكية واضحة تجاه السودان وظل عدم الثقة هو السمة المميزة لعلاقات الخرطوم مع واشنطن التي لا تقوم على اسس واضحة.

فواشنطن ظلت تتبع سياسة العصا والجزرة تجاه الخرطوم التي من جانبها ظلت تطالبها بأفعال لا أقوال، فالادارة الامريكية لم ترفع اسم السودان من قائمة الارهاب ولم ترفع العقوبات الاحادية الجانب رغم قول الخرطوم انها نفذت كل ما تطلبه واشنطن، فهي تعاونت معها في مكافحة الارهاب حتى اصبحت عينها في افريقيا وهي رضخت لمطالبها ووقعت اتفاقية نيفاشا للسلام والتزمت بتطبيقها.

ولكن ماذا جنت من امريكا؟ لاشيء وفقا لما يرى مسؤولون سودانيون كبار فالادارة الامريكية الجديدة بقيادة باراك أوباما رغم ان الخرطوم تفاءلت بوصولها للسلطة واكدت رغبتها في فتح صفحة جديدة للتعاون معها تقوم على امال واسلوب جديد الا أنها وقعت كما تقول في فخ الحرس القديم من الادارة السابقة التي وصفت ما حدث بدارفور بانها إبادة جماعية.

ووفقا لهذا الواقع فان سياسة ادارة اوباما تجاه السودان لا تختلف عن سياسة ادارة بوش رغم انها وضعت استراتيجية واضحة للمبعوث الرئاسي للسودان اسكوت غرايشين الذي زار السودان اكثر من عشرين مرة منذ تسلمه منصبه قبل عام ونصف ولكن يبدو أن الرجل اصطدم بالواقع السوداني المعقد، فهو يحاول حل ازمة الثقة بين الشمال والجنوب من اجل تطبيق سلس لاتفاقية السلام الشامل خاصة فيما يتعلق ببند الاستفتاء لمصير جنوب السودان ولكنه يصطدم بازمة دارفور التي لا تقل تعقيدا عن ازمة الثقة بين شريكي الحكم.

ولذلك فشلت جهوده وفشلت معها استراتيجية ادارة اوباما تجاه السودان والتي تقوم على العصا والجزرة لان واشنطن لم تقدم الجزرة ولم تستخدم العصا بل لوحت بالاثنين معا والخرطوم من جانبها درست الواقع الامريكي وتعاملت معه بالقدر الذي مكنها من المناورة هنا وهناك خاصة بعدما ادركت مدى حرص واشنطن على انجاح الاستفتاء حول مصير جنوب السودان وخوفها من افشاله لانها ادركت ان ادارة اوباما تفهم جيدا ان لا استفتاء الا بالتعاون معها ولا قيام لدولة الجنوب المرتقبة الا بالمرور عبر الخرطوم.

هذا الواقع المعقد قاد واشنطن للبحث عن مخرج خاصة مع اقتراب موعد قيام الاستفتاء حول مصير جنوب السودان وان هذا المخرج يكمن في استراتيجية جديدة لعل فيها ترياقا يرتق الشقوق في العلاقات السودانية الامريكية بالقدر الذي يمكن من قيام الاستفتاء في موعده والتحضير لما بعده من اجل الطلاق المدني السلس بين الشمال والجنوب ومن هنا جاء الكشف عن الاستراتيجية الجديدة والتي لا تختلف عن سابقتها الا في جزئية اصدار قرار دولي بتأجيل ملاحقة الرئيس البشير قضائيا من الجنائية الدولية لمدة عام الامر لم تقبله الخرطوم التي وصفت الاستراتيجية نفسها " بقلة الادب" بل مضت اكثر من ذلك واعلنت رفضها الصريح لها واكد اكثر من مسؤول سوداني ان الخرطوم ليس لها علم بأي استراتيجية امريكية لا قديمة ولا جديدة وان العلاقات مع اشنطن لاجديد فيها.

فالخرطوم رغم حرصها على عدم اغضاب واشنطن لدورها المؤثر في أزماتها وقضاياها المحلية والتي تأقلمت وتدولت الا انها بدات مؤخرا في اتخاذ مواقف متشددة مع تولي الوزير علي كرتي حقيبة الخارجية والذي بدأ عهده بتصريحات نارية ضد مصر وتبعتها اخرى خلال الاسبوع الماضي ضد واشنطن بعدما تحدثت مصادر صحفية امريكية عن استراتيجية جديدة للتعامل مع السودان خلال الفترة القادمة.

فالواقع يؤكد فشل الاستراتيجيات التي ظل يضعها غراشين تجاه السودان فهو في نظر معارضيه لم يقرأ الواقع السوداني ومنح الخرطوم الفرص للتربص به وهو في نظر الخرطوم لم يكن له اى تاثير كبير في القضايا الملحة رغم زياراته المتعددة و المتكررة لانه وقع تحت تأثير نفوذ اليمين، فهو لا نفوذ لديه على الخارجية الامريكية ولا على المندوبة الامريكية بالامم المتحدة سوزان رايس التي لها مواقف متشددة واضحة تجاه الخرطوم منذ عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون حينما كانت تتولى مسؤولية الملف الافريقي.

فالواضح ان الادارة الامريكية وقعت تحت صراع الارادات والمواقف تجاه السودان، ففي حين يتخذ غريشين مواقف لينة تجاه الخرطوم بل نقل لها رسائل فهمت منها ان واشنطن قدمت تنازلات، تتخذ كل من رايس وهيلاري كلينتون مواقف متشددة يدعمها نائب الرئيس بل ان مواقف غرايشين اصبحت محسوبة عليه لا له الامر الذي ربما يرغمه للاستقالة او الاقالة.

ولذلك فالقضية ليست في استراتيجية امريكية جديدة تجاه السودان وانما في مدى الالتزام بها وتنفيذها، فالخرطوم التي تطالب بالجزرة لا ترى اي وضوح في المواقف الامريكية الا المتعلقة بجنوب السودان او دارفور، فواشطن ادركت اخيرا ان لا بديل للتعاون مع الخرطوم في كل الملفات على الاقل في الفترة التي تلي الاستفتاء حول مصير الجنوب والفترة التي تسبقه فكل اوراق اللعبة اصبحت بيد الخرطوم بسبب المواقف الامريكية غير الواضحة ، فهي اعلنت عن العصا ولم تستخدمها مطلقا واعلنت عن الجزرة ولم تقدمها للخرطوم بل ظلت مجرد وعود واصبحت ضعيفة تنشد تعاونه لانها امسكت بكل خيوط اللعبة وضربت واشنطن في مقتل.

هذا الواقع لم تنفع معه لا استراتيجيات جديدة ولا قديمة فقضية السودان اصبحت قنبلة زمنية موقوتة هل ستنجح واشنطن في اطفائها من خلال جمع نائبي الرئيس السوداني سلفا كير وعلي عثمان طه في لقاء دولي بنيويورك في الرابع والعشرين منذ الشهر؟ الجميع يريد استفتاء حرا ونزيها لمصير الجنوب وهذا لم يتم الا في ظل جو معافى ولكن هذا الجو غير موجود والزمن لن يسعف واشنطن ولا الخرطوم او جوبا في جعل ذلك ممكنا والجميع يدركون ذلك ولكنهم يختلفون في تفسيرات وفهم المحاذير التي تحدث.

فواشنطن تريد طلاقا سلسا بين الجنوب والشمال وادركت اخيرا أن ذلك يتم عبر الخرطوم والخرطوم ادركت وفهمت جيدا النوايا الامريكية فهي تعاملت معها منذ عام1999 عام بداية تعيين المبعوثين التي بدأت بهاري جونسون وصولا إلى المبعوث الحالي غرايشين.

فواقع العلاقات ظل هو هو رغم ان الخرطوم قدمت تنازلات وقعت اتفاقية السلام مع الجنوبيين برعاية امريكية واضحة ولكن حظها العاثر اوقعها في فخ ازمة دارفور التي اعادت العلاقات الى مربعها الاول وفشلت الاستراتيجيات في التعامل معها او حل لغزها.

حامد إبراهيم حامد
الراية القطرية

الأمم المتحدة تعمل لنقل زعيم العدل والمساواة من ليبيا إلى قواته في دارفور
يبدأ اليوم الوسيط الدولي المشترك من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لسلام دارفور جبريل باسولي مشاورات في الدوحة مع المسؤولين القطريين حول عملية السلام في دارفور التي تستضيفها قطر، في وقت كشفت مصادر مطلعة («الشرق الأوسط») عن أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أيد خطوة باسولي تسهيل مهمة عودة زعيم حركة العدل والمساواة دكتور خليل إبراهيم إلى داخل الإقليم لإجراء مباحثات معه حول مشاركته في مفاوضات السلام في منبر الدوحة. ووجدت هذه الخطوة الترحيب من الحركة المتمردة التي اعتبرت أن وجود زعيمها بين قواته بالميدان هو الاتجاه الصحيح.

وكان خليل إبراهيم قد احتجز في أنجمينا في 19 مايو (أيار) الماضي في طريقه إلى قواته في دارفور، بعد فشل محادثات في الدوحة، وطلب العودة إلى طرابلس التي يقيم بها منذ ذلك الوقت، مما خلق أزمة دبلوماسية بين ليبيا والسودان. ويرفض خليل منذ ذلك الوقت العودة إلى المفاوضات، إلا إذا تم تسهيل عودته إلى قواته في دارفور.

وقالت مصادر مطلعة إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رحب بخطوة الوسيط الدولي المشترك جبريل باسولي بشأن البحث عن تسهيل دخول رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم إلى دارفور، من طرابلس. وذكرت المصادر أن باسولي لم يلب دعوة الخرطوم له للمشاركة في الاجتماع الذي دعت إليه الحكومة الأطراف الدولية حول مناقشة استراتيجية الخرطوم لسلام دارفور الذي عقد الشهر الماضي، ولمحت بأن الوسيط المشترك غير راض عن تلك الاستراتيجية، باعتبار أنها ضد التفويض الممنوح له من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لإيجاد حل متفاوض عليه في الإقليم.

وقالت المصادر إن تحرك باسولي يتزامن مع تحرك واشنطن في الاجتماع المزمع عقده في الرابع والعشرين من الشهر الحالي والذي يضم الرئيس الأميركي باراك أوباما والأطراف الدولية الأخرى إلى جانب نائبي الرئيس السوداني سلفا كير ميارديت وعلي عثمان طه. وأضافت «باسولي يجد غطاء دوليا من قبل عدد مقدر من الدول الغربية».

وكشفت المصادر أن باسولي سيتوجه في غضون الأيام القادمة إلى نيويورك لتقديم تنوير إلى مجلس الأمن الدولي حول العملية السلمية في دارفور، وأنه سيصل الخرطوم بعد الرابع والعشرين من الشهر الحالي لإجراء مشاورات مع المسؤولين في الحكومة السودانية لتحريك جمود المفاوضات بينها والحركات المسلحة.

وأضافت أن باسولي سيطرح أمام قيادات المؤتمر الوطني خطواته الجديدة بشأن عملية السلام في دارفور، وأشارت المصادر إلى أن الحركات المسلحة ستجري لقاءات مهمة نهاية الشهر الحالي في طرابلس التي قدمت مقترحات لتوحيد مواقف الحركات في عمل جبهوي مشترك.

وكان باسولي قد قال في تصريحات إنه سيصل العاصمة السودانية لإجراء لقاء مع المسؤولين في الحكومة حول تأمين عودة رئيس حركة العدل والمساواة دكتور خليل إبراهيم إلى إقليم دارفور، وأضاف: «سأعقد اجتماعات مع السلطات في طرابلس وأنجمينا لتسهيل عودة خليل إلى دارفور»، وقال إنه سيطلب من بعثة حفظ السلام في الإقليم (يوناميد) تقديم الدعم الفني لتسهيل الاجتماع الذي سيجمعه مع زعيم الحركة في دارفور، غير أنه لم يحدد مكان وزمان الاجتماع بينه وخليل إبراهيم.

وتعتبر خطوة باسولي في تسهيل إعادة زعيم العدل والمساواة إلى دارفور هي الأولى منذ الأزمة التي نشبت بين الحركة والوسيط المشترك والدولة التي تستضيف مفاوضات السلام، والتي تطالب الحركة بإجراء إصلاحات جذرية في المنبر. وبحسب مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن تسهيل عودة خليل تعتبر ضربة للاستراتيجية التي طرحتها الخرطوم لسلام دارفور.

من جانبه، رحب المتحدث باسم حركة العدل والمساواة أحمد حسين آدم بخطوة باسولي، معتبرا أنها جاءت متأخرة لكنها في الاتجاه الصحيح واستجابة لطلب حركته، وقال: «وجود خليل في الميدان حق مكفول بالقانون الدولي، لأنه يمثل حركة لديها شرعية ويمثل شعبا لديه قضية، هذا هو موقفنا المبدئي»، مشيرا إلى أن حركته ستنتظر اتصال باسولي المباشر لتتعرف على الخطوة رسميا.

إلى ذلك، أعلنت جامعة الدول العربية تأييدها ودعمها للاستراتيجية الجديدة للحكومة بشأن سلام دارفور، ووصفتها بأنها ستعزز من فرص السلام الشامل، ونوهت إلى دعم وتأييد العملية السياسية والسعي نحو تسريع خطواتها. وقال السفير الدكتور صلاح حليمة مبعوث الجامعة العربية إلى السودان لوكالة السودان للأنباء الحكومية إن الاستراتيجية الجديدة التي طرحتها الحكومة السودانية بشأن السلام في دارفور تحظى بكل الدعم والتأييد من جانب الجامعة العربية، لأنها تركز على تولي الحكومة السودانية عملية السلام وتحقيق الأمن والاستقرار باعتبارها دولة ذات سيادة.

مصطفى سري
الشرق الأوسط

تعليق واحد

  1. التحيه للشعب الصامد الذى تجرع الاسى والحرمان بفعل الخائنين الذين خالفت أقوالهم افعالهم فكانو بئس الرجال إن كانو كذلك اضاعو البلاد والعباد بمكرهم وخبثهم وقلة عقلهم وقصور تصورهم.
    أما بالنسبه لإجتماع سلفاكير وعلى لا يأتى بخير قط لان هذا العلى نفذ كل مايطلبه الامريكان واتى بيفاشا عصفت بنا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..