صراع المراغنة (2-2) سباق مثير نحو مقعد القيادة ..

محمد المبروك
رأينا في الحلقة الأولى كيف أنّ المشاركة في نظام الإنقاذ لم تضف شيئاً جديداً للسيدين جعفر الميرغني والحسن الميرغني؛ والتي هيأها لهما والدهما مولانا محمد عثمان الميرغني، بل ربما كانا في غنى عنها. شارك السيد جعفر كرجل دولة في القصر الجمهوري مساعداً لرئيس الجمهورية، وظهر السيد الحسن كسياسي مسؤولاً تنظيمياً عن الحزب. لم يترك السيد جعفر الميرغني أثراً في الدولة، وترك السيد الحسن أثراً دامياً في الحزب الذي آلت إليه مقاليده فاشتعل الصراع في عهده كمسؤول تنظيمي، بين قيادات الحزب واضطر لفصل عددٍ منهم، فذهبوا إلى التيارات الاتحادية الأخرى التي كانت تراقب ما يحدث داخل أروقة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا محمد عثمان الميرغني.
ولكن، كما ذكرت في الحلقة السابقة، لن تكون هذه نهاية المستقبل السياسي للسيدين الصغيرين، فكلنا يعلم بأن النجاح والفشل ليست هي العوامل الأساسية التي تقرر مستقبل الكائن السياسي في السودان، وخاصة في الحزبين التقليديين، حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي. هناك مؤثرات أخرى وعوامل أخرى تلعب الدور الأكبر في تقديم شخص ما للقيادة؛ وليس الكفاءة ولا مهارات القيادة كما هو الحال في باقي دول العالم.
بالعودة لموضوع هذه الحلقات، وهو سباق القيادة بين قادة الختمية الجدد الأربعة وهم السادة جعفر الميرغني والحسن الميرغني وإبراهيم احمد الميرغني وتاج السر محمد سر الختم الميرغني سنجد أن المعايير الطبيعية المتعارف عليها ليست حكماً أساسياً في تحديد من سيكون القائد القادم للختمية وللحزب الاتحادي الديمقراطي في شقه الطائفي. ما المعايير إذن التي يجب أن نضع لها اعتباراً عند الحديث عمن سيكون القائد الجديد للختمية؟
توجهت بالسؤال لباحث متخصص في شؤون الأحزاب والجماعات السياسية السودانية؛ فتكرم مشكوراً بالإفادات أدناه، مفضلاً عدم الإشارة لاسمه: [ ظلت قيادة الختمية باستمرار في بيت السيد علي الميرغني لأسباب تتعلق بموقع هذا البيت الذي لديه رمزية وتحالفات ومصاهرات مع قبائل السودان الشمالي والوسط ، وهو أمر له علاقة بنشأة الطريقة الختمية والمصاهرات مع قبائل الشايقية، الرباطاب، العبدلاب، والجعليين .. يعني حتى الرئيس الحالي لمجلس السيادة السيد عبد الفتاح البرهان ينتمي بجهة جدته للسيد الحسن الميرغني الكبير، بمعنى أنّ له علاقة بالبيت الميرغني.] [ التنافس بين جعفر والحسن مفهوم على قيادة الحزب والطريقة، ويقال إنّ الميرغني الأب قدم جعفراً لقيادة الطريقة، وبالتالي قيادة الحزب، وهو أمر يفهم من أعراف وإشارات يرى المؤمنون بالطريقة الختمية أو السالكون فيها بأنها إشارة (للتخليف) ..] [ بالنسبة لإبراهيم الميرغني وتاج السر الميرغني، ففي البيت الميرغني هنالك (هامش مراغنة) أي بيوت مرغنية لكن منزوعة الصلاحية السياسية، وكان في القديم صراع بين جد إبراهيم الميرغني والسيد علي الميرغني (راجع كتاب أبو سليم عن مدينة الخرطوم) وتحزم الخلفاء من الشايقية والجعليين وغيرهم من المنتمين للوسط والشمال؛ للوقوف خلف ابنهم السيد علي .] [ الأمر معقد ولديه صلة بحيثيات عرقية وثقافية واجتماعية نصبت بيت السيد علي وكأنه بيت (ملك) رمزي لأهل الشمال والوسط، حاولت أن أجيبك بصورة شاملة، القصة ما سياسة فقط .. القصة عندها علاقة بتحالف بين الجعليين والشايقية والرباطاب والعبدلاب والهواوير والجموعية والشكرية والبوادرة ومكونات كثيرة على انو البيت الميرغني هو واجهتهم السياسية، أي بيت الملك الشمالي؛ في مواجهة بيت ملك آخر للأنصار يشمل قبائل في كردفان ودارفور وبعض قبائل الوسط .. هذه هي القصة كما أراها.] انتهت إفادات الباحث. وكما ترى، فقد أغلق الباب تماماً أمام إبراهيم الميرغني وتاج السر الميرغني. وجهة نظر معقولة ولكنها ليست كل القصة، هناك جوانب أخرى ربما ستقلب الطاولة تماماً على هذه المعادلة القديمة. هناك متغيرات جديدة دخلت على المشهد الختمي العام، وعملت بشكل حاد وقاطع على تعرية الأعراف والمعادلات القديمة للطريقة الختامية؛ ولكل الجماعات السياسية السودانية، فالجيل الجديد من الختمية والشباب الذي قامت ثورة ديسمبر على عاتقه لديه ما يقوله ويقرره في هذا الشأن، والأمر من هذه الجهة يفتح الحظوظ واسعة أمام إبراهيم الميرغني – خاصة وسط الشباب – وذلك لما أثبته من قدرة فائقة على مخاطبة شباب الختمية من موقعه كوزير سابق أو كقيادي اتحادي واعد في الوقت الراهن.
ذكرنا في البداية، أنّ قضية الاتحاديين خرجت من مجالها الوطني المحلي إلى مجالها الإقليمي والذي كان ينحصر في الزمن الأول في القاهرة، ولكن خلال السنوات الأخيرة بدأت كل من عواصم الحلف العربي الرياض وأبوظبي تضع اعتباراً كبيراً لتأثير السيد محمد عثمان الميرغني على المشهد السياسي السوداني، وفي البال من رشح في العام 2012م من أنّ قبول السيد محمد عثمان بالمشاركة في نظام الإنقاذ، رغم رفض عدد كبير من قيادات الحزب، كان بإيعاز من الرياض وأبو ظبي وليس هذا ببعيد. أما بعد نجاح ثورة ديسمبر في إسقاط نظام البشير فقد نشطت العواصم الثلاث (القاهرة، الرياض، أبو ظبي) في محاولات حثيثة لرأب الصدع بين التيارات الاتحادية المتنازعة؛ وهي تقارب الأحزاب الستة الرئيسية بما فيها التجمع الاتحادي والوطني الاتحادي والاتحادي الأصل والاتحادي المسجل وغيرها. ولا بد أن نجاح هذا المسعى سيرتبط، في المقام الأول، بخطوة تأسيسية تتمثل في تقريب الشقة بين المتنازعين داخل البيت الختمي نفسه، أي بين السيدين جعفر والحسن؛ باعتبار أن الطريقة الختمية الكبرى هي أكبر داعم للحزب الاتحادي الديمقراطي الكبير.
ولعل تصريح السفير السعودي في الخرطوم، علي بن حسن جعفر، الأخير حول المسألة الاتحادية؛ والذي قال فيه إنّ الحسن الميرغني هو الأقدر على توحيد الاتحاديين يصب في ذات الاتجاه. أي وجهة أنّ الدول العربية الثلاث لا تقبل التعامل مع الاتحاديين إلا في إطار حزب واحد، وتلتقي هذه الإرادة الإقليمية مع إرادة داخلية عبّر عنها رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان – في تصريح شهير في شهر رمضان الماضي – حين طالب الاتحاديين بالوحدة.
اليوم التالي
[email protected]