مقالات سياسية

سفارات السودان بالخارج .. لا جديد على صعيد التفكيك

نقوش

لؤي قور

لعله مما لا يخفى على أحد، أنه ومنذ مطلع التسعينيات، اقتصر التوظيف في وزارة الخارجية السودانية على أعضاء المؤتمر الوطني، أو حلفائهم. ولاحقاً أصبح من سابع المستحيلات، أن يتم استيعاب أحد في وزارة الخارجية، إلا من اطمأن القوم لولائه من شيعتهم، وكان عضواً في النسخة السودانية من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وللغرابة لم يقتصر تمكينهم ذاك على فئة الدبلوماسيين، بل امتد ليشمل الملحقين الثقافيين، والموظفين حتى المحليين منهم (المقيمين في البلد المضيف للسفارة من السودانيين)، وكذلك شمل التمكين الملحقين الإعلاميين، والاقتصاديين، والعسكريين، والإداريين.

وفي أواخر سنوات الديكتاتورية المبادة، وبفعل مخرجات هذه السياسة، جأر الناس بالشكوى من فساد السفارات. ابتداءً من فرض الأتاوات على طالبي الخدمة من السودانيين، وحتى التنمُر، والإساءة التي وصلت لحدود الاعتداء البدني في عدد من المرات (وثق بعضها بالفيديو، ونشر على وسائط التواصل)، فضلاً عن صراخ السودانيين المقيمين في دول الغرب البعيدة، وهم يرزحون تحت سلطة هذه السفارات، التي كانت أشبه بمكاتب الأمن الوطني البائد سيئ الصيت والسمعة. ولم تغب التجاوزات من قبيل التعيين على أساس الولاء للتنظيم دون اعتبار للكفاءة مما أسفر عن وجود كوادر معينة في وظائف لا تعرف عنها شيئاً، وقفز البعض من وظائف عمالية ودنيا، ليتبوأ مقعداً مميزاً في البعثة الدبلوماسية السودانية في عدد من الدول. كان أبرزها على الترتيب مصر، والمملكة العربية السعودية. باعتبار كثافة عدد السودانيين المقيمين بهاتين الدولتين. خلال زيارتي للقاهرة يوليو الماضي، ضمن وفد اللجنة القومية لإحياء ذكرى الراحل فاروق أبو عيسى، استغرب الوفد طلباً لعدد من أمناء المجلس الدائم لاتحاد المحامين العرب، بإمهال ممثل النظام البائد في الاتحاد حتى إكمال دورته في ديسمبر القادم، وطالبوا بإطلاق سراح آخر هو موقوف على ذمة تجاوزات مالية من قبل لجنة تفكيك التمكين!! بل واستغربوا غضب الوفد من مجرد الطلب!!

لكنه طلب مفهوم إن تم النظر إليه من خلال استمرار تواجد البعثة الدبلوماسية لنظام الإخوان البائد بالقاهرة في مواقعها بالكامل، وكأنما لا ثورة قامت ولا نظام سقط فهي مستمرة في أداء مهامها لا يعكر صفو من يعملون بها من كوادر المؤتمر الوطني المحلول شيئاً، على الرغم من كل ما علق بسيرتها من سوءات أسوة بغيرها من سفارات السودان، خاصة في العقد الأخير من عمر النظام الإخواني البائد. فوصفت سفارة السودان في القاهرة في العهد البائد بمكتب الأمن، وحامت حولها شبهات في عدد من الجرائم، ووصفت بأنها مرتع للصوص والمتسكعين. لكن صمت حكومة الثورة عنها حتى اليوم، وفي سفارة تعد هي الأهم، كونها تقع في دولة تضم أكثر من ستة ملايين من السودانيين أو يزيد، شجع العاملين بها من الفلول على ممارسة ذات الأساليب السابقة في الفساد المالي والإداري، والتعالي على طالبي الخدمة من السودانيين. وتستقوي هذه العناصر بوجود (كمال حسن علي)، في الجامعة العربية، كمندوب عن السودان لا يزال، على الرغم من اتهامه في قضية شهداء مجزرة العيلفون. مستفيدين من صلاته التي تمددت في العهد البائد. فظلت السفارة السودانية في القاهرة كما هي، وكأن الثورة لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت. باستثناء تغيير السفير مع الإبقاء على كامل طافم البعثة التي تتمتع بكامل نفوذها الدبلوماسي، وللغرابة فإن كوادر الإخوان من أمثال جمال عنقرة هم وجه السودان في مصر اليوم، وفي سودان ما بعد الثورة.

ولا تجد للجنة تفكيك التمكين، سواءً اللجنة الأم، أو لجنة التفكيك في وزارة الخارجية أثراً ولا ذكراً، في سفارة السودان بالقاهرة ولا زالت بعض مناصب البعثة شاغرة، خاصة في الجانب الثقافي، والإعلامي، والاقتصادي، والقانوني. بينما لا يزال من تم تصعيدهم من ضباط جهاز أمن المخلوع لوظائف عليا في البعثة الدبلوماسية، يتمتعون بكامل الامتيازات، ويتقاضون أعلى الرواتب. فالوضع مستقر للغاية، يتنفذ فيه منسوبو الفلول بأسمائهم وصفاتهم، ويسومون السودانيون من طالبي الخدمة سوء المعاملة، تحت بصر وسمع الجميع.

الوضع كارثي في سفارة السودان بالقاهرة، ويتطلب التدخل العاجل لإبعاد عناصر المؤتمر الوطني البائد عن البعثة الدبلوماسية السودانية بمصر، وأن لا تُترك كباب خلفي ينفذ منه الفلول لمؤسسات سودان ما بعد الثورة. ومن نافلة القول إن هذا الحديث ينطبق على معظم إن لم نقل كل السفارات التي لا زالت تلبس ذات الرداء القديم، تمد لسانها للبطء الحكومي الملموس، في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية في هذا الجانب. وإذا رجعنا بالزمن سنوات قليلة فسنتذكر سفارات للسودان في دول لا يتجاوز عدد السودانيين المقيمين فيها أصابع اليدين، وهناك التهديد الواضح والصريح للسودانيين المحتجين على سوء الخدمة في تلك السفارات بالإبعاد، وتلفيق التهم. فضلاً عن اتهامات بالتحرش الجنسي، والضلوع في أنشطة وأعمال إجرامية من قبل هذه الطواقم الدبلوماسية، وتعيين عدد من الضالعين في جرائم انتهاكات لحقوق الإنسان بالسودان فيها، باعتبارها مخرجاً لكل من ثبت تورطه من الإخوان في جريمة قتل شهيد، أو تعذيب معتقل.

وعليه تصير عملية التطهير هذه ضرورية، وواجبة النفاذ، عاجلاً غير آجل. خاصة والسودان يستشرف عهداً جديداً في تعامله مع المجتمع الدولي، وانفتاحه على الآخر، ويحاول تقديم نفسه للعالم بشكل مغاير. ومما لا ريب فيه أن سفارات السودان بالخارج هي من أهم الأدوات لعكس هذا التحول، والتبشير به. ولا يستقيم عقلاً أن يتم هذا الأمر باستخدام عناصر سفارات النظام الديكتاتوري البائد، في عهد الانتقال، والبلاد تتطلع لعلاقة مختلفة مع العالم عبر سياسات جديدة، ومختلفة تماماً أملتها الوثيقة الدستورية الحاكمة، وصدحت بها حناجر الثوار.

خُلاصة القول إنه ينبغي أن يفعل أحد ما شيئاً، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ووضع بعثاتنا الدبلوماسية بالخارج على الطريق الصحيح. حفظ الله السودان وشعب السودان.

الديمقراطي

‫2 تعليقات

  1. هذه السفارات من صميم عمل مجلس الوزراء حتى لا يرموا اللوم على مجلس السيادة والمكون العسكري. بصراحة العمل التتفيذى ضعيف جدا كأنما هؤلاء الوزراء لا بستطيعون انجاز عدة مهام فى وقت واحد. multi tasking

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..