مقالات سياسية

لواء في قبضة ضباط الخلاء (2-2)

عثمان شبونة

* قلت في الحلقة الأولى: أن المسائل المتعلقة ببعض الضباط المحبوسين في فترة الحكومة الإنتقالية الحالية تحتاج إلى وعينا في التعامل معها بعيداً عن العاطفة؛ فالأخيرة في هذا المقام ربما تكون مفسدة للحقيقة قبل كل شيء.. لذلك لا أملك سوى التساؤل في القضية التي أمامي؛ وأطراف الأخذ والرد فيها هم أبناء اللواء عثمان ود القبائل الذين يتساءلون بدورهم عن مبررات حبس والدهم لما يزيد عن العامين في أحد معاقل مليشيا (حميدتي).

ولأن الغباء مع ظاهرة التهجم وعدم القراءة الصحيحة للمكتوب أمراً عادياً بالنسبة للكثيرين؛ يحتاج الكاتب منا إلى صبر خاص بمعِية الجهل الذي يغطي مساحات واسعة في الجماجم.. وقد أصبح الشعور العام فجاً لا يستدرك أين تكمن المصلحة الوطنية في طرح بعض القضايا وإعادة طياتها إلى الضوء؛ وهي قضايا يهابها كثيرون أو يتجاهلونها ربما جبناً أو خبثاً.. كذلك أسوأ ما يحيط بنا هو ظاهرة (النقر) على سطح الأشياء والإنشغال (بالنوايا) وترجيح سوء الظن؛ وليس فهم (المقال ــ المقام) والتفاعل معه وفق ما هو مطروح؛ دون الخروج لتفاصيل لا تخدم أيّة قضية؛ بل تمحق الوقت بلا فائدة..!

ورغم تنبيهي أمس في مقدمة السطور التي تصدرت محاورتي لأسرة اللواء عثمان عوض الله المقبوض على خلفية (فض الإعتصام)؛ رغم تنبيهي المكرر أعلاه؛ إلّا أن ذوي الغرض تناسوه وآثروا القراءة من منظور ضيق ترك عظم الموضوع وتمترس في المزايدات والخيال المريض؛ ظانين أن الكاتب يبحث عن براءة أو تبرير للرجل الذي عمل مع الجنجويد؛ وليس يبحث عن الحقيقة أو على الأقل بعضها.. الحقيقة التي نرجو بها وضع الأشياء تحت الضوء؛ كما نرجو القصاص والفضح للقتلة وإن طال الزمن (حتى ولو كان منهم لواء الجيش الذي يحبسه ضباط الخلاء).. فإذا كان البعض يعتبر العمل مع الجنجويد خيانة وجرم؛ فأنا أذهب إلى أبعد من ذلك؛ إذ أعتبر الصمت عنهم خيانة ودعمهم ولو بشق حرف خيانة؛ بل حتى تسميتهم بغير اسمهم (الجنجويد) أعتبره خيانة.

وطرق موضوع اللواء عثمان ــ لمن يفهم أبعد من أرنبة أنفه ــ نثيره لخدمة قضية المجزرة لكى تظل (حارّة)؛ المجزرة التي نفذها العسكر والجنجويد أثناء وبعد فض الإعتصام؛ وهي قضية أفضل لنا الموت من نسيانها؛ لم تغب عن كتاباتنا منذ 2019م؛ أملاً في الوصول للعدالة وللجناة كافة سواء كانوا محبوسين أو مطلوقين (كحال رفقاء المجلس العسكري)!

وأذكِّر الغافلين بأن مقدمتي الأولى قلت فيها أن الحوار مع أسرة اللواء متروك لتقييم القاريء والجهات التي يهمهما الأمر.. ومن حق الأبناء أن يتجهوا للإعلام ولأي مكان ليقولوا ما يشاءون؛ فقضيتنا (الأم) ليست معهم؛ بل أوسع من ذلك؛ إذ تتصل بالمحبوسين وبالمطلوقين معاً.. كما أن من حق الآخرين أن ينظروا لرب الأسرة من أية زاوية أو وجهة نظر وفق المعطيات (في إطار القضية المحددة) بعد طرحها للرأى العام.

الأهم من ذلك أن خدمة قضية أسر الشهداء لا تنجز بالحبس وحده ولا بلجنة نبيل أديب المخزية؛ بل بالضغط الشعبي أو الثورة على العسكر وتابعيهم من المدنيين؛ خصوصاً وأن الساحة الراهنة خالية من رجال رسميين شرفاء؛ كما هي ساحة مايزال يسكنها البوم (فلا محاكمات يتبعها قصاص من القتلة) بل الأدهى أنه لا محاكمات من الأساس لكبار القتلة (داخل الحكومة) وتبدو الرغبة قوية في ترك ملف مجزرة الإعتصام معلقاً (رهين لمزاج كائنات المجلس العسكري) أو الفيل الذي يجب طعنه مباشرة في هذا الشأن. وللذاكرات المبتلاة بالقِشر أوجه هذا السؤال: ماهي جريمة الكاتب إذا تساءل عندما يصمت الآخر؟ ثم.. أليست هنالك عبرة بتأمل العنوان البسيط: (لواء في قبضة ضباط الخلاء)؟!

الأنكأ الذي جلبه التطرق لموضوع اللواء والجنجويد؛ أن بعض العنصريين اعتبروا دواعيه (عنصرية) تستهدف حميدتي لأنه من الغرب.. نعم بهذا الفهم القذر يعيش آلاف بيننا (الناقصين الأراذل)! ونفس هذه العينة المتعفنة لا يعتبرون كتاباتنا عن البشير وقوش وبرهان وكباشي وحمدوك عنصرية!!

(1) بقية الحوار:

ــ تقول أسرة اللواء عثمان عوض الله: نحن نبحث عن العدالة.. وموجوعين بأوجاع أهالي الشهداء الذين فقدوا أبنائهم.. والحبس لوالدنا بدون أي تهمة واضحة قاطعة تثبت ضلوعه المباشر في جريمة فض الإعتصام هو عار في وجوه الحكومة والعدالة والجيش.

(2) رغم أن الأبناء ليسوا مسؤولين عن تصرفات آبائهم؛ لكن البعض يأخذ على الوالد أنه كان يدرّب مليشيات حميدتي وهذا يفقده كثير من التعاطف.. ما قولكم؟

ــ يجيب محمد ابن اللواء عثمان بالقول: من حق أي شخص يقول ما يريد.. الثورة أتت وكان من شعاراتها الحرية.. لكن كل الضباط في القوات المسلحة يتم إنتدابهم في التدريب أو العمليات بقوات حميدتي على حسب الخبرة العسكرية وذلك قبل وبعد الثورة التي سُرقت؛ ومازال هذا مستمراً؛ ولا نعرف حتى الآن هل قوات حميدتي جزء من القوات المسلحة أم هي دولة داخل الدولة؟ وإذا كان لحميدتي قانون خاص به فليحاكم الوالد إذا عنده دليل واحد؛ أو إرساله إلى القوات المسلحة لأنه لواء بالخدمة بدليل الترقية؛ رغم علمي بأن الذين تمت ترقيتهم (ما فيهم زول نزل شغل).

(3) كيف تمت ترقيته من رتبة العميد إلى رتبة اللواء وهو في المعتقل؟

ــ تمت ترقية الوالد بفضل الثورة وبفضل الدفعة (38) أي دفعته؛ فقد قاموا بكتابة تظلُّم وانصفتهم اللجنة التي تكونت لهذا الغرض، وكان قد تم فصله تعسفياً في النظام البائد بواسطة وزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين؛ وأعيد الآن بقرار من البرهان.

(4) بمناسبة البرهان؛ هل تواصلتم مع الحكومة في قضية الوالد؟!

ــ يقول محمد: نعم تم التواصل مع كثير من القادة العسكريين.. وقالوا لنا تم استجوابهما من قبل لجنة نبيل أديب.. وأقصد الوالد اللواء عثمان واللواء الصادق سيد فهما في نفس القضية.. وأخذت أقوالهم.

(5) هل تواصلتم مع لجنة التحقيق في هذا الخصوص؟

ــ نعم.. تواصلنا مع الأستاذ نبيل أديب رئيس اللجنة وأكد لنا أنه ليس هناك سبب للإعتقال؛ ولكنه شأن يخص قيادة قوات حميدتي وهي الجهة المسؤولة عن هذا الأمر؛ وأن موضوع إعتقالهم لا علاقة للجنة به.. وتواصلنا مع حميدتي الذي قال أنه سيحل المشكلة.. وتواصلنا مع أخو حميدتي (عبدالرحيم) الذي لم يجيب على سؤال عن سبب إعتقال الوالد؛ وكان اللقاء معه غير مثمر؛ وقال لنا بالحرف: نحن نعتقلهم بدون سند قانوني ولكن إن شاء الله ستحل هذه المشكلة.. ومضى عام ونصف على تلك المقابلات ولم يحدث جديد.

(6) خلفية أخرى:

ــ تقول الأسرة: اللواء محمد عبدالله عبد الجليل مدير استخبارات مليشيا حميدتي قدم شهادة في حق الوالد؛ وقد كشف بعض الحقائق عن فض الإعتصام؛ وتم فصله بعد ذلك من الجيش ومن الجنجويد.. وهنالك الكثير الذي ستكشفه الأيام.. وما يهمنا حالياً صحة الوالد وهو مريض بالقاوت وقد أصيب بمرض الضغط في معسكر الإعتقال.

(7) أين يُعتقل والدكم؟!

ــ هو معتقل في عمارة الشرطة العسكرية بمعسكر قري شمال الخرطوم؛ وممنوع التواصل معه الآن.. وربما يكون تم ترحيله في الأيام الفائتة إلى معسكر آخر.

(8) هل من رسالة لأيّة جهة في ختام هذا اللقاء؟

ــ نناشد كافة الجهات الإعلامية والحقوقية في الداخل والخارج بالإهتمام بقضيتنا.. ونحن في الآخر نبحث عن الحق (لنا أو علينا).. لقد نفذنا وقفات إحتجاجية في سبيل قضيتنا؛ خاطبنا بها من يهمهم الأمر؛ ولنا نشاط بالفيسبوك عبر صفحة يمكن من خلالها معرفة بعض المعلومات.. كل ذلك وغيره نرجو من خلاله الحق.. وسنظل متمسكين بهذا الخط: (أطلقوا سراح اللواء عثمان؛ أو حاكموه).
[email protected]

‫9 تعليقات

  1. مفروض تشكر بدل تهاجم استاذ شبونة وقضية فض اللعتصام يجب الا تدفن كما يريدون لها في السلطات العليا بل لا توجد عدالة ان لم نصل فيها لنهاية…الامر الاسوأ الذي ذكرته إعتقال رتبة رفيعة في جيش وطني بواسطة مليشيا وده يوضح خطورة الوضع وهشاشته داخل الجيش الذي نخاف ان يجري عليه ما جري للافغان فنصبح الصبح وقد تبخر الحارس مالنا ودمنا وتعم الفوضي

  2. “موضوع اللواء عثمان نثيره لخدمة قضية المجزرة لكى تظل حارّة”
    القضية حارة ومولعة واكرم واشرف من هذه النخنخة ولا تحتاج الى اثارة موضوع “مرتزق على مؤائد الجنجاويد”
    الفاضى يعمل قاضى!!
    من ليس عنده عمل ينشغل به، يشغل نفسه بإصدار أحكام على الناس….

  3. ظابط بالمعاش فاتح مغلق يعيش منه وفجأة يقرر الالتحاق بمليشيا الدعم السريع لتدريبها والاستفادة من خبراته – أين الانتداب هنا – وفض الاعتصام وقتل الثوار معروف بأنه كان من الجنجويد فى قسم التدريب ..
    هو الآن فى قبضتهم لأنهم وجدوهوا من المسؤولين فى تحريك المتدربين
    لن نتعاطف معك ابدا

  4. بغض النظر عن حقيقة الموضوع فإنني أجد الكاتب المرموق عثمان شبونة فقد فقد إتزانه على غير العادة و أساء لمن خالفوه الرأي من معلقي صحيغة الراكوبة بصورة مكثفة….
    لقد إستخدم الأستاذ شبونة لغة في منتهى الخشونة مع من إنتقدوا موقفه من دعم رجل يرون أنه مدرب جنجويدي عمل تحت إمرة حميدتي و درب جنوده على أسوأ الأفعال التي قاموا بها و أعتقد أن موقف اللواء مشين و لن يستطيع شبونة أو غيره تجميله مهما كتبوا و مهما ذرفوا من دموع.
    و أقول لك يا شبونة هذه نقطة سوداء في تأريخك و الأشد سواداً منها هو إساءاتك البالغة للقراء….
    ما الذي دهاك يا عثمان… و أقول لك (إستغفر لذنبك إنك كنت من الخاطئين) .
    أعوذ بالله….

    1. وانا اتعجبت مثلك الاخ بله لهجوم الاخ شبونة لمخالفيه الرأي ووصفهم مرة بالغباء ومرة بالجهل ومرة بذوي الغرض ومرة بذوي الخيال المريض واوصاف كثيرة لا تليق به ككاتب مرموق ويستند علي تاريخ نضالي مشرف !!! علي الاقل كان يكتفي بعدم الرد عليهم او الاشارة الي انهم فهموا رسالته من المقال خطأ

  5. لك التحية ( العنصريون من يقفوا ضدك في هذه المحنة التي يمر بها اللواء وغيره كثر قد لا تعلمهم انت ولا انا استمر في كشف زيف ضباط الخلا ومن عاونهم تجدنا دايما نقف الي جانبك متى ما نصارت الحق فقط

  6. كيف تدافع عن ضابط درب قوات الجنجويد على كيفية القتل وإغراق الجثث في النيل والتنكيل بالثوار وضرب المسنين بالسياط في موقف يندي له الجبين خجلاً وتعذيب الثوار الذي ضحوا بارواحهم ودمائهم الطاهرة لرفعة هذا الوطن في شعار حرية سلام وعدالة… لماذا لا تكتب عن الشباب الذين فقدوا الحركة بسبب الذين اصيبوا بالشلل من انتهاكات الجنجويد ومن ضمنهم من بترت اطرافه ومنهم من فقد إحدى عينيه ولا زالوا يطرقون الأبواب لعلاجهم وللأسف لا مجيب!

  7. يا استاذ شبونة هذا الموضوع لا يحتاج منك كل هذا الشرح و التبرير و الإساءات لقراءك المخلصين و ماعهدناك من نوعية الكتاب الجبناء الذين يكتبون ثم يبررون بل عرفنا قلمك سنين يقد عين الظالم و يعلنها واضحة داوية كالشمس في كبد السماء لا يماري فيها إلا اعمي البصر و البصيرة.
    القصة واضحة و فقط لثقتنا بك و بقلمك الوطني الشريف نعتبرها كبوة جواد و غلطة معلم و جل من لا يخطئ و لكن اصرارك علي التمادي في الخوض في هذا الوحل القذر لا يمكن تبريره.
    اعتذر لقراءك اولا و اعتذر لأبناء هذا اللواء المتورك و ندعو الله أن يجعل بأسهم بينهم شديدا و يضرب الظالمين ببعضهم و يخلص السودان و اهله من من شرور المليشيات و المرتزقة وخونة العسكر و من تجار الدين الملاعين انه علي ذلك قدير.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..