أخبار السودان

المسكوت عنه.. أشهرهم الغفاري وهارون والخاتم..  وماذا عن الذين خرجوا ولم يعودوا؟؟

 

 

الخرطوم : محمد المبروك

هذه حكايات يلفها الحزن والأسى لأفراد سودانيين اختفوا في ظروف غامضة في عهد الإنقاذ منذ فجره الأول. لا تقود الخيوط، مهما تمعنت ودققت في الوقائع والتفاصيل، لا تقود إلى كشف لغز هؤلاء المختفين الذين خرجوا ذات يومٍ من بيوتهم ثم لم يعودوا أبداً رغم انتظار المنتظرين من أمهات وآباء وإخوان وأخوات وأهل وأصدقاء.

جلست أنقب وسط عاصفة من الأوراق والتسجيلات تحكي وقائع اختفاء غامض لمجموعة من السودانيين في ظروف تتشابه أحياناً وتختلف أحياناً أخرى. نعيد سردها في هذه المساحة لإلقاء الضوء على هذه القضية الحيّة عن مصير المفقودين الأوائل كي لا تدفنها رمال النسيان. نعيد فتح هذا الملف إذ ربما  يفيد في كشف الحقيقة وراء حجب الغياب.

 

أبوذر الغفاري

 

في أكتوبر 1989 م فجع الوسط الصحفي والثقافي في الخرطوم باختفاء الشاعر والصحفي أبوذر الغفاري. في البداية ذهبت التكهنات إلى أنه معتقل بواسطة جهاز الأمن، إذ كان معروفاً بمواقفه المناهضة للنظام الجديد، ثم مرّت الأيام ولم يعد الغفاري، ثم مرّت الأشهر والسنوات تباعاً حتى نهار الناس هذا ولم يعد الغفاري، وأصبحت سيرة غيابه الغامض أسطورة من أساطير حقبة الإنقاذ.

ماذا حدث؟

كان أبوذر الغفاري يعمل في صحيفة (الأسبوع) ورئيس تحريرها (تيتاوي) ثم تقدم باستقالته منها مع ثلاثة من زملائه بحجة أن رئيس التحرير أراد توجيه الصحيفة لمسار يخدم أجندة حزبية بعينها. كان هذا آخر أيام الديمقراطية الثالثة ثم جاء انقلاب الإنقاذ، وكما أسلفنا اتخذ الشاعر أبوذر موقفاً مناهضاً له. في شهر أكتوبر عام 1989م خرج أبوذر من منزله بالحاج يوسف، حيث يقيم مع والدته، ولم يعد حتى الآن. تعددت الروايات عن هذه اللحظة الأخيرة بالذات. والدته التي أرسلت لشقيقه تخبره الخبر قالت إن شخصاً طرق الباب وذهب إليه أبوذر ثم عاد وأخبرها بأنه سيخرج مع أحد أصدقائه ولم يحدد لها من هو هذا الصديق ولا إلى أين هم ذاهبون. ومن تلك اللحظة استمر البحث عن الشاعر المفقود. لم يترك أهله مركزاً للشرطة ولا مسؤولاً كبيراً في الدولة من بينهم إبراهيم نايل إيدام الذي كان يسكن في المنطقة وحتى رئيس الجمهورية عمر البشير ولم تنجح كل المساعي في كشف لغز الاختفاء الغامض.

ولد أبو ذر الغفاري في 1958م بمدينة بحري حي المزاد ثم انتقلت أسرته الى الحاج يوسف مربع 3، درس الابتدائية بالوابورات ثم الثانوي العام ببحري الأهلية.

كان يكتب الشعر والقصص والمقالات في بعض الصحف منها صحيفة الأسبوع

التي كان رئيس تحريرها محيي الدين تيتاوي الذي اختلف معه ابو ذر وقدم استقالته، له ديوانان من الشعر (الاعتراف بين يدي الحبيبة) و (سوناتا) وعدد من القصائد تغنى بها ابوعركي البخيت (قبل المشوار ، القادوس) و (في عيونك ضجة الشوق والنوارس) التي تغنى بها مصطفى سيد أحمد ، وكتب ايضاً رسالة وجد لابي ذر الغفاري ويقصد هنا الصحابي الجليل ابا ذر، هذا الإبداع لم يتأثر بالإعاقة التي كانت في يدي ابي ذر، ولم تكن حاجزاً بينه وبين التفوق والتميز وقوة الشخصية.

 

محمد الخاتم موسى يعقوب

 

على عكس أبوذر الغفاري فإن محمد الخاتم موسى يعقوب، كان نصيراً للإنقاذ وعضواً فاعلاً في أجهزتها حتى اختلف مع إخوانه في التنظيم الإسلامي، وبدأ يعلن موقفه الجديد ثم أعقب ذلك حادثة اختفائه الغامض.

في 4 مارس 2006 م والذي يوافق يوم الجمعة كان يوماً عادياً على أسرة الكاتب الإسلامي المعروف موسى يعقوب  التي كانت تقطن مدينة النيل بام درمان ، وكان لصيقاً بشقيقه وائل الذي تخرج هو الآخر من كلية العلوم الرياضية بجامعة الخرطوم ، تقول الوقائع المنشورة عن ذلك اليوم في سيرة محمد الخاتم أنّه في ذات مساء الجمعة خرج محمد الخاتم بعد إخطاره لوالدته ميمونة محمد الخاتم المحاضرة بجامعة ام درمان الإسلامية ، وأخبرها أنه خارج لارتباط خارجي. وهو الخروج الأخير الذي لم يعد منه أبداً.

مرّت الساعات ثم الأيام ولم يظهر محمد الخاتم فشرعت أسرته، المقربة من نظام الإنقاذ، في البحث المضني عنه ولم تترك حجراً في مكانه مستعينة بالجهات العليا في الدولة، والتي تعرفه جيداً، ولكن كل ذلك لم ينجح في حل لغز اختفائه.

من الوقائع الغريبة في ملف اختفاء محمد الخاتم ما ذكره شقيقه وائل، تلك الأيام، عندما قال للصحفيين إنه بعد 84 يوماً من اختفاء شقيقه اتصلت به مجموعة قالت إنهم إخوة للخاتم وزاروه بالمنزل وكانوا أربعة وأخبره أكثر المتحدثين بينهم أنه يعمل في بنك ام درمان الوطني واستفسروه إن كان يملك معلومات جديدة عن اختفاء الخاتم، بعدها وصلت أنباء من شخص صديق للأسرة أكد لهم أن هناك من التقى بالخاتم بمباني جهاز الأمن وأن ابنهم يتمتع بصحة جيدة، تحرك وائل موسى إلى مباني جهاز الأمن للاستفسار عن صحة المعلومات التي وصلتهم، وطلب مقابلة الضابط المناوب وكانت المفاجأة ان الضابط المناوب كان هو ذات الشخص الذي زارهم بمنزلهم وبرفقته ثلاثة آخرون وادعى انه يعمل ببنك ام درمان الوطني ولم يخرج وائل بجديد، واستمر مسلسل الوعود، كان تعليق موسى يعقوب على حديث ابنه أن كل من يتصلون بهم أو زاروهم بالمنزل كانوا يريدون أخذ المعلومات لا أكثر بدليل اتفاق الجميع على طرح سؤال واحد عليهم على شاكلة ما الجديد في امر الخاتم؟ وهل عندكم أي معلومات جديدة؟

درس محمد الخاتم بجامعة الخرطوم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وتخصص في العلوم السياسية، تخرج في العام 2002 انخرط في التنظيم الإسلامي بالجامعة حتى وصل الى منصب رئيس مجلس شورى الإسلاميين الوطنيين، وعمل بمركز الشهيد الزبير والإعلام المركزي وبمنظمة الطلاب الوافدين. بدأ برنامج دراسات عليا بجامعة الخرطوم. كان محمد الخاتم قريباً من دوائر العمل السري بالحركة الإسلامية، بل كان قريباً من القيادات العليا بالحكومة والحركة الإسلامية.

 

البروفيسور عمر هارون ..

إن كانت حوادث اختفاء أبوذر الغفاري ومحمد الخاتم موسى يعقوب ذات طابع محلي والمتهم من ورائها جهات محلية، فإن أصابع الاتهام في ما يتعلق باختفاء البروفيسور عمر هارون تشير لجهات خارجية، حتى أنّ شقيقه علي هارون قال للصحفيين  إنه يتمنى أن تصل السلطات لفك طلاسم قضية اختفاء البروفيسور . “نحن سنتجه للجهات الدولية في حالة فشل كل المحاولات المحلية، خصوصاً كما أسلفت أن هناك حقوقي غير سوداني معروف تواصل معي واعتبر ذلك تقصيراً من الأسرة، لجهة أنها تخفي المعلومات عنهم، مطالباَ التعاون معهم.”

كان 15 سبتمبر من العام 2012 م خرج البروفيسور والعالم السوداني البارز عمر هارون الخليفة من منزله عصراً ولم يعد حتى اليوم. في ذلك اليوم، عاد البروفيسور إلى داره بضاحية الصافية بالخرطوم بعد الظهر ، وخرج عصراً بملابس رياضية لممارسة رياضة المشي على ضفة النيل كعادته كل يوم، وكان هذا آخر ما عرفته أسرته.

كان خبر اختفاء البروفيسور صادماً للمجتمع السوداني، واستنفرت له كل الجهات المختصة إمكانياتها، وكذا الإعلام وتم لاحقاً تكوين لجنة حكومية عليا للكشف عن خبايا الحادثة غير المعهودة وعن مصير العالم المفقود، وبالرغم من الغياب الذي امتد ، لا تزال الآمال معلقة في خيط يكشف حقيقة اللغز الكبير.

ولد بروفيسور عمر هارون الخليفة بمدينة الرهد شمال كردفان في العام 1962، وأكمل تعليمه في السودان وإنجلترا في تخصص علم النفس، ونال درجة الدكتوراه من جامعة نيوكاسل والأستاذية في جامعتي الخرطوم وكيوتو باليابان. له عدد كبير من الأبحاث والمؤلفات في تطبيقات علم النفس ونال العديد من الجوائز المرموقة دولياً ومنها جائزة شبكة العلوم النفسية العربية لعام 2010 كأبرز باحث فى علم النفس فى العالم العربى وعمل مستشاراً للهيئة القومية لرعاية الموهوبين.

أسس مشروع (طائر السمبر) للكشف عن الموهبين في السودان ورعايتهم ،كذلك أسس البروفيسور مشروع التدريب على برنامج العبق (اليوسيماس)  وحصد نتائج غرسه سريعاً ، وذلك بالنظر إلى النتائج الباهرة التي أحرزتها الدفعات الأولى من أطفال السودان من طلابه في منافسات اليوسيماس حول العالم.

 

شهاب كرار ..

حينما نصل لحادثة الشاب المهندس شهاب كرار، ابن اللواء معاش محمد عبدالرحمن كرار، تبدو لنا هذه السلسلة من الاختفاءات وكأنها ظاهرة تتكرر كل سنة أو سنتين وجميعها تنتهي إلى طريق غامض لا ضوء في نهايته ويمكن الإستنتاج بأنّ من يقف أو يقفون وراء هذه الحوادث الغامضة جهات منظمة ومؤهلة بحيث لا تترك وراءها خيطاً ولو رفيعاً، للوصول لها.  درس شهاب الهندسة المدنية بجامعة الخرطوم، وغادر السودان إلى دولة مالي بغرب افريقيا ليعمل فيها متعاقداً مع شركة وطنية سودانية ، ثم عاد للسودان وعمل في مجال ربط أبراج الاتصالات بين دولتي اثيوبيا والسودان ومن ثم تعاقد مع شركة لصيانة أحد أفرع بنك الخرطوم، في الأثناء وبعد ذلك ظل يكتب باستمرار في المواقع الإلكترونية السودانية واشتهر كمدون في موقع (سودانيزاونلاين). سيرة عادية تتشابه مع مئات الشباب السودانيين الذين درسوا في الجامعات في التسعينات. ثم جاء حادث اختفائه الغريب لينضم إلى قافلة الغائبين الذين خرجوا ولم يعودوا. في السابع من يوليو من العام 2015م،  دون القسم الجنوبي لشرطة بانت غرب بلاغاً عن اختفاء شاب في عمر السابع والثلاثين، ثم حرر القسم نشرة وزعت على جميع أقسام الشرطة بولاية الخرطوم، ومثل كل الحوادث المشابهة لم تنفك خيوط القضية. لتبدأ أسرته بالبحث في كل الاتجاهات ، بدءاً من زملاء والده العسكريين وانتهاءً بوسائل الاعلام المختلفة والمشارح والمستشفيات وكل الجهات العليا في الدولة، وكانت النتيجة ولا زالت مزيداً من الغموض كلما توغلت في تفاصيلها ووقائعها.

 

وبعد ..

سعينا من خلال هذا العرض المبسط لقضية معقدة، قضية المفقودين في عهد الإنقاذ، لإلقاء الضوء عليها من جديد خاصة، ومن المتوقع، بعد ذهاب الإنقاذ أن تنزاح الحجب عن أسرار كثيرة من ضمنها هذا السر المحيّر والحزين حيث تنتظر عشرات الأسر، أسر هؤلاء المفقودين قسراً، من يأتيها بالجواب على سؤالها الوحيد: أين اختفي ابننا؟ وهل هو حي أم ميت؟

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. ابحثوا عن خلافات ….مريم حسن عمر – شقيقة/ امين حسن عمر …مع البروف …عن مدارس الموهوبين ….قد تجد راس خيط …علما انها حسب افادة شقيقه ….المنشورة بالركوبة نقلا عن صحيفة التيار …كانت على النحو التالي :
    ((….بعد الاختفاء اتصلت بكل المقرَّبين جداً بالبروف، بعض الناس إذا لم يقابلهم البروف مرتين فسيقابلهم مرة في اليوم منهم خالد محمد أحمد الهلالي، مدير اليوسي ماس في السودان، فهو يعرف خصوصيات البروف اتصلت به وكل القريبين مثل د. إخلاص عباس، مركز يوسي ماس، وهي من طلبة البروف، بجانب مريم حسن عمر، فسألتها عن سماعها باختفاء البروف فقالت لي ?البروف دا رأسو بينضف وبرجع ?.
    *ماذا قالت؟.
    البروف دا راسو بينضف وبيرجع، فبعد كل هذه السنين لم أنس هذه الكلمة وكلما أخلد للنوم استيقظ منتصف الليل وأذكر كلمة مريم حسن عمر ?راسو بينضف وبيرجع?.
    *ماذا كانت تقصد بها؟.
    لا أعرف ما تقصد بتعرفها هي، أخبرت قسم الشرطة يجيبوها ويستجوبوها، لكن لم يحضروها، لكن حتى الآن لا أعرف أن كان أتوا بها للتحقيق بعدي، أقولها مجدَّداً الآن الملف بين مدير عام قوات الشرطة.
    *نعود لحديث دكتورة مريم، هل استرسلت معها في الحديث؟.
    سألتها مرة ثانية، وقلت لها الملف مفتوح في قسم الصافية لو عندك أي معلومات اذهبي وأدلي بها، فقالت: أنا أمشي ليهم مالي ومالهم، وفي النهاية أنكرت كلمة ?راسو بنضف وبرجع دي? وطلبت مني عدم الاتصال مجدَّداً.
    *أين قالتها لك؟.
    عبر الهاتف، ورقمها (mtn) الاتصال كان من رقمي الشخصي فإذا أراد أفراد الشرطة إثبات ذلك فالمكالمة مسجلة في الإتصالات، وهذا الحديث كان بعد أسبوع من اختفاء البروف….))

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..