توسيع دائرة الاتهام في الجرائم ضد الإنسانية بدارفور.. هل تطال عسكريين بالسلطة؟

يجرى الحديث داخل الأوساط السودانية حول جدية التصريحات التي صدرت عن الحكومة ووزارة العدل خلال الزيارة الأخيرة للمدعي العام للجنائية الدولية، كريم أسد خان، المتعلقة بتسليم المطلوبين المتهمين بجرائم حرب في دارفور إلى المحكمة وعلى رأسهم البشير، وما إذا كان هذا الإجراء قد يستدعي ضم عسكريين حاليين في السلطة إلى قوائم الاتهام.
وأعلنت وزارة العدل على لسان وزيرها نصر الدين عبد الباري، أنها بصدد توسيع دائرة التعاون بين حكومة الخرطوم والمحكمة الجنائية الدولية لضمان محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور أمام المحكمة، بما فيهم الرئيس السابق عمر البشير.. وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السودانية الرسمية “سونا”.
ويرى مراقبون أن ما يجري في السودان الآن هى عمليات مقايضة تجري بين المكونين المدني والعسكري اللذين يمسكان بزمام السلطة، وأنه لن يكون هناك تسليم لأي من المطلوبين للجنائية الدولية، لأن الأمر سوف يطال عسكريين متواجدين في السلطة الآن، حيث أن عدد منهم كان ضمن اللجنة الأمنية التي شكلها البشير قبل فترة وجيزة من رحيله، لذا فإن الأمور تجري بترتيبات ثنائية لا يمكن لأي من الأطراف الخروج عليها، وإعلان فتح مكتب والتعاون مع المحكمة هو أمر بروتوكولي يمكن المماطلة والتسويف فيه حتى تترتب الأوضاع لتلك الشخصيات مقابل عدم الحديث عن فشل حكومة عبدالله حمدوك.
اللجنة الأمنية للبشير
من جانبه يقول المحلل السياسي والناطق الرسمي باسم منظمة مجلس الاتحاد العالمي السوداني خضر عطا المنان: “في الحقيقة هناك خوف لدى الشق العسكري المشارك في حكم البلاد بكامل أشخاصه من أن تطالهم اتهامات المحكمة الجنائية الدولية باعتبار أنهم شاركوا في الفترة التي كان يحكم فيها نظام البشير، حيث أنهم كانوا جزء من هذه المجموعة”.
وأضاف لـ”سبوتنيك”: “يجب أن لا ننسى أن الذين يحكمون الآن هم أعضاء اللجنة الأمنية التي شكلها الرئيس المعزول البشير قبل أيام من سقوطه، لذا فوجودهم في السلطة جاء للحفاظ على أرواحهم وعلى ما تم من مكتسبات للنظام السابق، فهم امتداد لهذا النظام، وبالتالي فإن توسيع دائرة الاتهام لكي تطال المزيد من المتهمين في جرائم دارفور سيصل إلى جانب كبير من هؤلاء، والجنائية الدولية حريصة على تلك المسألة، لكن المماطلات التي تحدث هنا وهناك والتسويفات وما يجري على أرض الواقع بخصوص تسليم المتهمين، تمثل أحد مهام المكون العسكري في السلطة، بحيث يتم المراوغة والتسويف، من أجل عدم مثولهم أمام المحكمة، لأن الأمر بكل تأكيد سوف يطال شخوصهم”.
دائرة الاتهام
وتابع المنان: “بالإضافة إلى توسيع دائرة الاتهام، نرى أن المكون العسكري في السلطة السودانية يرفض تسليم المطلوبين بالإسم، حيث لديهم مخاوف من أن تسليم هؤلاء إلى لاهاي، سوف يفتح الباب واسعا أمام المحكمة لتوجيه اتهامات للكثيرين، ما يعني أن جميعهم قد يصبح في مرمى سهام الاتهام، وهذا هو السر الذي يعني أن تسليم المطلوبين إلى المحكمة خارج البلاد قد يكون بالغ الصعوبة، نظرا لأن الأمر لم يعد قاصرا على البشير فقط”.
وحول زيارة المدعي العام للجنائية الدولية، كريم أسد خان، إلى السودان مؤخرا، قال المنان إن: “تلك الزيارة هى الثالثة لكبار مسؤولي المحكمة، ومع هذا تظل المماطلات قائمة رغم الإعلانات الوردية حول عمليات التسليم والمحاكمات العادلة وغيرها، ولآخر ما أفرزه الفكر العسكري، هو ما طرحوه بأن المطلوبين للجنائية الدولية وبدلا من تسفيرهم إلى لاهاي، يمكن أن يتم محاكمتهم في السودان”.
وتابع: “لكن في ظل غياب الهيكلة الكاملة لسلطة القضاء في السودان، سيكون هذا الأمر غير جدي، وأنا ممن اقترحوا أن يتم تكوين محكمة هجين، بأن تتم المحاكمة في السودان بعد إعادة هيكلة واستقامة القضاء في السودان، بإشراف قضاة دوليين حتى يطمئن أهالي الضحايا على نزاهة تلك المحاكمات”.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد طالبت بمثول الرئيس المعزول عمر البشير واثنين من معاونيه أمامها، حيث وجهت لهم اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، وفي 3 أغسطس/آب الجاري، أجاز مجلس الوزراء بالسودان مشروع قانون يقضي بالانضمام لنظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، لكن هذا القانون لن يكون نافذا إلا بعد المصادقة عليه من قبل البرلمان المؤقت.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 2007 و2009 و2010 و2012 مذكرات اعتقال بحق كل من الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ووزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم حسين، ووزير الداخلية الأسبق أحمد محمد هارون وعلى كوشيب وهو قائد ميليشيا مسلحة بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.
وسلم كوشيب في 9 يونيو/ حزيران 2020 نفسه طوعا في جمهورية أفريقيا الوسطى، ونقل إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وكان كوشيب عضوا في قوات الدفاع الشعبي الحكومية وقائدا لمليشيات الجنجويد في دارفور منذ أغسطس/أب 2003 حتى مارس 2004، وعمل كحلقة وصل بين الحكومة والجنجويد، وشارك في الوقت نفسه في هجمات ضد المجموعات المستهدفة.