مقالات سياسية

آلية مبادرة حمدوك: لجنة تنفيذية أم “طاولة مستديرة” (2)

د. الحسن النذير

لقد تم التأكيد في المقال السابق، بأن ما قام بطرحه رئيس الوزراء في مبادرته الحالية، يعتبر سعي مقدر – رغم تأخره – لإنقاذ المرحلة الإنتقالية المتعثرة في البلاد. وهي أيضاً، محاولة لدفع القوي السياسية المشاركة وغير المشاركة في الحكومة الانتقالية، للدخول في حوار ، حول “الطريق الي الأمام” بعد المرحلة الإنتقالية. ويبدو أنه يقصد بالطريق إلي الأمام، التوافق علي استراتيجية للبناء الوطني خلال التنمية المستدامة والتطور والازدهار.

من الواضح أن حمدوك، أراد أولاً، بمبادرته هذة، إيجاد حلول للتناقضات القائمة بين شركاء الحكم الحاليين، وبينهم وبين القوي الفاعلة التي قادت ثورة ديسمبر وطرحت أهدافها الملخصة في “حرية سلام وعدالة”. نقول ذلك لأن شركاء الحكم ما باتوا يمثلون الثوار، اصحاب هذة الشعارات. ذلك اصبح واضحاً من التلكؤ، بل عدم الإرادة السياسية لتحقيق أهداف المرحلة الانتقالية المضمنة في الوثيقة الدستورية رغم نواقصها.

من المؤسف، بل المحير، ان العديد من شركاء الحكم، سارعوا بإعلان تأييدهم لمبادرة حمدوك! كأن هذة المبادرة مطروحة للقبول أو الرفض! ومن المؤكد أن صاحب المبادرة نفسه قد احتار في أمر هؤلاء. هذا، لان المبادرة قد طرحت تناقضات وصراع بين شركاء الحكم وأزمة التأخر المخل لتنفيذ استحقاقات الفترة الانتقالية (تكوين المجلس التشريعي، اصلاح الاجهزة العدلية، إزالة التمكين، العدالة الانتقالية توحيد واصلاح القوات النظامية، تنقية واصلاح الخدمة المدنية، تكوين المفوضيات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، تخفيف اعباء المعيشة وتحسين الاداء الاقتصادي، الخ…). مبادرة من هذا النوع، مطروحة لنقاش مجتمعي واسع وليس لتأييد أو عدمه. حتماً، لقد ظن شركاء الحكم، انهم بتأييدهم المبادرة، يؤكدون استمرار مشاركتهم المتكالبة في مؤسسات الحكم. خطأ آخر من جانب هؤلاء الشركاء، انهم وبالتحديد حزب الامة، قد قبلوا رئاسة اللجنة (آلية تنفيذ أو إدارة الحوار حول المبادرة)، ربما ظناً منهم بأن ذلك يضيف الي رصيدهم السياسي، أو تأكيد ريادتهم في الساحة السياسية.

بلا شك، ان لرئيس الوزراء نظرته ورأيه بل ومبرراته للآلية التي ارتضاها للتداول حول الإشكاليات المطروحة في مبادرته. هذا بطبيعة الحال شأنه، ويتحمل تبعاته. أما من جانبنا كمراقبين لما يدور في الساحة السياسية، وحادبين علي مصلحة الوطن، كنّا نتمني ان يتم التداول حول إشكاليات هذة المبادرة بطريقة ديمقراطية وموسعة، تجد فيها قوي الثورة الفاعلة وخاصة لجان المقاومة، المكان المناسب لطرح آرائها حول مصاعب وعثرات المرحلة الانتقالية. في تقديرنا، كما أسلفنا في المقال الاول تحت نفس العنوان، ان “الطاولة المستديرة” هي الأنسب لهذا النوع من التداول. الانسب لانها تتيح الفرص المتساوية لكل للمشاركين لابداء آرائهم، دون، تأثير من إدارة (لجنة منظمة)، منوط بها تنظيم او توجيه التداول.

للسودان تجربة رائدة في مجال الطاولة المستديرة ( سميت المائدة المستديرة)، في العام 1965, والتي خصصت آنذاك، للتداول حول مشكلة الجنوب. وجاء انعقاد تلك الطاولة ( لا نقول المائدة، لأن المائدة تعني طاولة محملة بالطعام)، أيضاً أثناء فترة حكومة انتقالية، بعد ثورة اكتوبر 1964، برئاسة سر الختم الخليفة. علي كل حال، رغم ان تلك الطاولة المستديرة لم تتوصل إلي توافق بين الفرقاء السياسيين حول حل لمشكلة الجنوب، إلا أنها تمخضت عن مواقف محددة بين الوحدة تحت الفدرالية (موقف وليم دينق) والانفصال (موقف اقري جادين وجوزيف ادوهو)، وبينت الأسباب والمبررات التي استندت عليها تلك المواقف. في نفس الوقت جري التداول في جو ديمقراطي منفتح، ومكن كل الفرقاء السياسيين من التعبير عن آرائهم دون تمييز.
يتبع

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..