
زين العابدين صالح عبد الرحمن
وجد الشباب السوداني ضالتهم في الحوارات في القضايا المختلفة في خدمة ” Clubhouse” لكي يعبروا عن رؤأهم المختلفة في العديد من القضايا.
لذلك تأسست غرف عديدة كل غرفة تتناول قضية من القضايا، ورغم أن العديد من الحوارات تأخذ مسار الجدل البيزنطي، إلا أنها تؤسس لقاعدة مهمة هي أحترام الرأي الأخر، بدأت الحوارات في البداية تأخذ منحى الاتهامات والقضايا العنصرية والقبلية وغيرها، ونقد مقولات بعضهم البعض بالعنف الفظي، ومحاولات الإقصاء من الغرف، ولكن بمرور الزمن بدأت تخفت بعض السلوكيات ذات الطابع العنيف، و بدأت ثقافة الاعتذار تظهر في خطاباتهم، الأمر الذي يؤكد أن الشباب بدأوا يثقفون أنفسهم ديمقراطيا بعيدا عن المؤسسات الحزبية التي تفتقد للمواعين الديمقراطية. ثم بدأت تظهر عناونين جديدة للحوار لكي تؤكد أن الشباب ينتقلون من مرحلة ألي مراحل المتقدمة في الحوار، رغم غياب أجندة مهمة وضرورية هي كيفية بناء السودان و نهضته، و حتى إذا ظهرت لا تأخذ المساحة المطلوبة، لأنها هي نفسها تحتاج إلي تقدم في طريقة التفكير الإيجابي، والانتقال من سطحية السياسة وشعاراتها إلي العمق الفكري الذي يتطلب اتساع في المعرفة وسعة الصدر و اتقاد الذهن، ولكنها مرحلة ليست بالبعيدة.
أن الشباب الذين يشكلون حضورا في هذه الغرف، ليس مختصرا علي الشباب داخل السودان، ولكن أيضا شباب سودانين في المهاجر المختلفة، والذين تعلموا في المؤسسات التعليمية الغربية، ويعيشون في دول ديمقراطية يكتسبون منها خبرات جديدة تختلف عن خبرات أبائهم وأمهاتم، هؤلاء يضفون جديدا من خلال خبراتهم وثقافتهم التي اكتسبوها، وهذا التباين في الثقافة يشكل مظهرا جديدا من مظاهر أحترام الرأي الأخر. وهي التي عجلت بفتح مسارات جديدة في الحوار، وأيضا أن تكون هناك قيما جديدة في التقيد بالزمن في الحديث عدم استخدام الألفاظ الجارحة أو المستفزة، و كلها تؤسس لثقافة ديمقراطية من خلال الممارسة اليومية، و أيضا هناك ملاحظة أن العناوين نفسها بدأت تأخذ منحى حواري أو جاذب للحوار، فالشباب لم ينتظر الأحزاب أن تصدر بياناتها التي تعلق على الأحاث، و لكن يسبقون الأحزاب في إرسال تعليقاتهم السابقة الأحزاب بفترات زمنية، مما يتأكد أن عملية الوعي في الشارع تنمو و تتطور إلي الأفضل بعيدا عن مؤسسات مؤطرة باللوائح و قوانين، وتغيب عنها المواعين الديمقراطية. وكان علي نخب الأحزاب أن تفطن لذلك، خاصة أن بناء قناعات خارج الأحزاب سوف يشكل لها عائقا كبيرا في قضية استقطاب أجيال جديدة.
أن الغرف الحوارية في ” Clubhouse ” ليست بديلا عن الأحزاب، باعتبار أن الأحزاب هي أعمدة الديمقراطية، لكن الظاهرة التي تحتاج إلي دراسة متأنية أن الوعي السياسي عند الشباب غير المنتمي يسبق الوعي داخل الأحزاب، وكان من المفترض أن تقود هذه الأحزاب الحوارات وهي التي تضع عناوين الحوار التي تخدم قضية المرحلة الانتقالية، لكن للأسف أن الأحزاب السياسية تشكل غيابا كاملا عن هذه الحوارات، لأنها مشغولة في قضايا المحاصصات والصراع علي السلطة بينها. معلوم أن حركة الوعي ليست في مصلحة القيادات التاريخية، التي تقبض علي مفاصل الأحزاب السياسية ، وهي قيادات قد نضب خيالها، وفقدت القدرة علي تقديم المبادرات السياسية والثقافية، وتخاف هذه القيادات أن اشتراكها في هذه الحوارات سوف يكشف تواضع مقدراتها، لذلك الأفضل لها أن يلتهي الشباب بالحوارات داخل هذه الغرف، والتي تعتبرها مغلقة وليس لها أثرا في الساحة السياسية، وهي عليها أن تسعى وراء غنائمها. وهل تعلم القيادات التاريخية أن الغرف كل يوم تزداد بالحضور وتبعد عنها مسافات واسعة؟ كما أنها تكتسب خبرات جديدة وأفكار جديدة. هي التي سوف تحكم وتشترط على مسار العمل السياسي المستقبلي.
الملاحظ من خلال المداخلات الحوارية أن بعض النخب السياسية هي وحدها التي تحاول أن تميل إلي مصطلحات الإقصاء والعنف الفظي عن غيرها، وهي التي تحاول أن تقدم اشتراطات، الأمر الذي يؤكد أن العقل الذي لا يستوعب عملية التغيير وعملية التحول الديمقراطي، هو الذي سوف يشكل ضرارا للعملية السياسية، لأنه غير قادر علي التخلص من الثقافة الشمولية، أو أحكام الأيديولوجية، ولذلك تجد أن هناك هوة كبيرة بين المنتمين الذين غير قادرين علي التعبير بحرية، و مقيدين بإشارات الوقوف التي تفرضها لوائح أحزابهم، وبين الآخرين القادرين أن يفكروا خارج الصندوق. أن التفكير خارج الصندوق يعطي الشخص الشعور بالحرية المفتوحة غير الخاضعة إلي التزامات الكثيرة، والتي تقيد خياله وتقيد مصادر معرفته، وبقدر هذا الاتساع في المعرفة تجده يعدل من قناعته إذا وجد هناك رؤية أفضل من التي يمتلكها، وهو شخص متسق تماما مع نفسه ومتصالح معها.
الفارق الكبير بين المنتمي واللآمنتمي ليس في مقولات كولون ولسون، ولكن في واقع السياسي أن اللامنتمي مقيد التفكير غير قادر أن يغير قناعاته حتى إذا لمس هناك موضوعية عند الأخر، لأنه يخاف من عاصفة من الهجوم عليه تهدف إلي أغتيال شخصيته، لذلك هو مقيد، وحتى لا يستطيع أن يطرح الفكرة الجديدة داخل مؤسسته الحزبية حتى لا يطرد منها باعتباره تحريفيا. فالمؤسسات الحزبية في السودان تعاني من ضيق في مواعين الديمقراطية، والعضوية مقيدة وواقعة تحت رحمة القياداة التاريخية. وهذه ليست في الأحزاب اليسارية أيضا في الأحزاب اليمينة والتقليدية، فجميعها لم تفطن أن الأجيال الجديدة لا يمكن استيعابها داخل مؤسسات تحرمها من قول أرائها في العديد من القضايا. أن الأجيال الجديدة قد وجدت ضالتها فوسائل الاتصال الاجتماعي، وغرف الحوارات، وأن تقول رأئها بصراحة دون مواربة، وتتعلم من بعضها البعض. وبالتالي هي ليس في حاجة أن تقيد نفسها. وهذه المعضلة التي يجب أن تفطن لها القيادات التاريخية، أن عدم تحديث وتطوير الأحزاب واتساع مواعين الديمقراطية داخلها سوف تكون معضلة في عملية التحول الديمقراطية.
السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه القوى السياسية: هل هي مدركة للتطور الذي حدث في وسائل الاتصال وجعل العامة يمثلون رقابة حقيقية علي الأداء السياسي وتقيمه، وممارسة النقد علي القرارات التي تتخذ؟ من خلال مراقبة انطباع القيادات التاريخية أنها غير مدركة لهذا التطور، وبالتالي لا تستطيع أن تفهم ماذا تعني مشاركة الجميع في عملية تشكل رآي عام.
كما أن المؤسسات المغلقة لا تستطيع أن تستوعب تغيرات الواقع بصورة صحيحة، بسبب أنها لا تملك مساحة واسعة من الحرية لكي تفكر خارج الصندوق.
أن غرف ” Clubhouse” أصبحت جاذبة لقطاع واسع من الشباب بمختلف تياراتهم الفكرية، وهؤلاء هم الذين سوف يشكلون مستقبل مسار العمل السياسي في السودان. نسأل الله حسن البصيرة.
نشر في جريدة إيلاف الخرطوم
