مقالات سياسية

مبادرة السبعة بنود وسبعين اجوادا … معضلة آلية تيس السكة حديد والجودية

د. عثمان يس ود السيمت

أطلق معالي رئيس الوزراء مبادرة على الهواء مباشرة تتكون من سبعة بنود وهي:

  1. وقف الإنقسام بين قوى الثورة.
  2. إزالة التوترات الأمنية.
  3. محاربة الفساد.
  4. تصفية تمكين الإسلاميين وركائزه.
  5.  تحقيق السيادة والعدالة الوطنية وإنهاء تعدد مراكز إتخاذ القرار.
  6. إنشاء المجلس التشريعي في غضون شهر.
  7. تكوين جيش وطني موحد.

معالي الدكتور عبدالله حمدوك للمعلومية هو رئيس مجلس الوزراء، أنه هو رأس السلطة التنفيذية في البلد. وبما أنه عرف (بعض) من مكامن الداء، فإننا نقول له، بل أي عاقل سيقول له (يللا اشتغل حد حايشك). البنود السبعة، وسبعات غيرها، كان يجب أن تكون قد نفذت منذ قدوم هذه الحكومة وبقرارات وزارية لا تحتاج لسبعين رجلا لتكريس (مبدأ الجودية أو الجيدية) كما ينطقها بعضنا. هذه البنود تعتبر من بديهيات عمل الحكومات، فلماذا لجأ رئيس الوزراء لتكوين لجنة سبعينية؟

كان من السهل جدا على حمدوك إصدار الأمر الوزاري بتشكيل أو انتخاب أو تسمية المجلس التشريعي بالطريقة التي يراها (تنسجم) مع ظروف وتحديات المرحلة، ونحن لن نعترض ولن يعترض كائنا من كان، حيث هذا المجلس هو من مطالب ثورة ديسمبر المجيدة. بل أذهب أبعد من ذلك لأقول أن نفس هؤلاء السبعين لو اسماهم المجلس التشريعي لن يعترض أحد، فأنا كشمباتي لن أجد أفضل من شيخنا الطيب ود شيخنا زين العابدين ليكون في المجلس. (ولو أن هناك بعض الفلفل في اللبن يسهل ازالته)، لكن ما أتحدث عنه هو ارتهاننا كسودانيين منذ فجر الحركة الوطنية لعقلية (الجودية) واتخاذها آلية سياسية معتمدة (للحل والعقد).

بدأت الحركة الوطنية يوم بدأت (عرجاء) مثل ناقة كثير عزة ذات الظلع، ولكنها لم تتحامل على ظلعها (فتستقل) كما استقلت ناقة كثير عزة، وإنما ازدادت عرجا حتى تكسحت تماما.

وكنت كذات الظلع لما تحاملت  على ظلعها بعد العثار استقلت

فبداية حركتنا الوطنية ارتبطت بوفد ذهب لبريطانيا فور انتهاء الحرب العالمية الأولى ليهنئ جلالة الملك بانتصار بريطانيا، وحتى الآن لا أعرف من إختار من في ذلك الوفد الذي تبارى فيه السيدان لتقديم فروض الطاعة للملك!  فأحد السيدين تمنى على الله أن تستمر بريطانيا تحكم السودان للأبد . والثاني قدم سيف والده الذي قاتل به (نفس) المستعمر، نفس السيف الذي قاتل في كرري قبل اقل من ثلاثة عقود. كيف تم تكوين الوفد؟ وكان يمثل من؟  لا أحد يدري ولكنهم (اجاويدنا وكبارنا) وكفى. ويتكرر نفس الموقف في الوفد الثاني عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن هذه المرة كان فيه (مثقفين) وليس اجاويد.  فقط وترأسه الأزهري، فكان اداؤه وسلوكه مختلفا حين جلس الأزهري على كرسي العرش، وحين استنكر الانجليز عليه ذلك رد عليهم ردا لخص بذكاء شديد مضمون زيارة الوفد (لقد استنكرتم واستغربتم جلوسي على عرش بلادكم لخمسة دقائق وأنتم تحكمون بلدي لخمسين عاما). برغم ذلك ازدهرت الجودية فكان بعد الاستقلال لكل حزب سيد. ثم جاءت احزاب عقائدية فصار لكل حزب شيخ.ورأى الحزب الشيوعي ايضا ألا يحيد عن هذا المنحى فكان له (زعيم) مثل السادة والشيوخ يبقى خالدا مخلدا.  وعلى هذا المنوال سارت حياتنا السياسية، ففي عهود الديموقراطية القصيرة التي عشناها كان اجتماع والتقاء السيدين هو قمة (آليات الحل والعقد) لاختلافاتنا السياسية، ويعتبر هذا اللقاء اعلى مراتب الجودية. حتى أننا بعد ثورة أكتوبر حين انعقد مؤتمر المائدة المستديرة وتهدده الفشل تفتقت قريحة أعضائه بدل اللجوء للتصويت (كآلية ديموقراطية) للجوء لتكوين لجنة الأثني عشر (كآلية للجودية) تتخذ قرارات يقبلها الجميع. فعل العسكر ذلك أيضا. فعبود أعلن تكوين مجلس مركزي، لكنه فشل. ونميري شكل الاتحاد الاشتراكي. وازدهرت آلية الجودية في الديموقراطية الثالثة جدا، فذهب الصادق لكوكادام ومدن أخرى وذهب الميرغني إلى قرنق متجاوزين البرلمان وهو (خيار الشعب وممثل الشعب). وعندما جاءت الانقاذ اصبحت الجودية مقترنة بالتنزيل والعقيدة والجهاد وكل أمر ارادوا تمريره حتى انتهوا إلى الحوار الوطني بآلية لا تختلف عن آلية حمدوك فالتقى طرفا الخط لتكتمل الدائرة التي بدأت ربما مع سلطنة سنار بشيخين عمارة دنقس وعبدالله جماع. حمدوك لم يأتي بجديد في فقه السياسة السودانية.

إن معضل ممارسة السياسة السودانية تكتنفها وبشدة (نظرة فوقية أبوية) تمثل غشاءا سميكا يفصل بين الممارسة الديموقراطية السليمة والممارسة الهبتلي التي تعتمد على الشطارة والحليفة وتطييب الخواطر وجبرها وأشياء أخرى. فلا محاسبة ولا مسئولية. ولا برامج يمكن بها مراجعة الأداء. ولذلك نتهرب جدا من تكوين مجلس تشريعي قد يهدد هذه الآلية العرجاء لأول مرة في تاريخ السودان بدخول عناصر ثورية حقيقية فيه من شابات وشباب الثورة.

حمدوك يريد تغيير واقع الممارسة ولكن بنفس آلية الجودية وهو أمر مستحيل تماما. في الزمن (الجميل) كانت هناك تشبيهات نمطية متعارف عليها، فإذا رأيت مجموعة من الناس يتشابهون تماما رجالا أو نساءا تقول (زي غنم السكة حديد). والحكاية بسيطة وتنطبق على واقعنا تماما. ففي ذلك الزمان كان للسكة حديد تيس يتنقل بين المحطات النائية (ليعشر) غنم العمال أو الموظفين في تلك البقاع النائية. كان هذا التيس موظفا في حكومة السودان وله درجة ومخصصات من عليقة ودرجة ركوب بالقطار و duty roster مثله مثلنا عندما كنا أطباء عموم. كان الناس يستبشرون بقدومه ويكرمونه ويهيئون له (ظروف عمله) وفور أن يبدأ (يلغلغ) يشعرون بالإمتنان لهيئتهم الموقرة. وكان عمله يبدأ فور وصوله وقد يمتد overtime ذلك الليل ويكون حديث المكاتب في اليوم الثاني (والله أمبارح التيس ما خلانا ننوم) وهذا تعبير عن الفرحة وليس الضيق. كان التيس كما تقول الروايات ابيض اللون فنشأ جيل أو أجيال من غنم السكة حديد كلها بيضاء ومتشابهة سواءا أكانت (سخلان أو عتان) وسخلان جمع سخلة وعتان جمع عتود وهذا توضيح لمن ولدوا وعاشوا ثورة التعليم الانقاذية. تململ عمال وموظفي السكة حديد من تشابه الغنم وتمنوا أن تولد لهم غنم بلون آخر أسود أو (لحوي).  واللحوي من كان صوف بطنه بني وباقي صوفه اسود . لكن لا أحد يريد أن يقول أن انتاج الغنم في السكة حديد والذي يعتمد على نفس الآلية ونفس التيس الأبيض لن تنتج غنما (لحويات) مهما تكررت محاولات التيس المجتهد في اللغلغة .فقد شوهد في الحوار الوطني وقد طالت لحيته وكثرت لغلغته وكان انتاجه هو هو لم يتغير. باختصار إذا اردنا تغيير النتائج، علينا تغيير الآلية. وكما أن هذا الأمر ينطبق على تيس السكة حديد، فهو ينطبق على آلياتنا السياسبة المعتمدة.

نصيحتي لمعالي رئيس الوزراء: أنت أمام أمرين:

  • إما أن تقبل بإنتاج تيس سياستنا المبجل، وفي هذه الحالة عليك فقط بالتنقيب في مخرجات كل (اللجان والمؤتمرات) التي شكلت منذ الاستقلال، بما فيها مخرجات الحوار الوطني، وستجد فيها البنود السبعة وما عليك إلا التنفيذ. أو
  •  أن تلجأ لتغيير تيس سباستنا وتنزلوا المعاش وتغير الآلية وتشكل المجلس التشريعي وتوكل إليه الحل والعقد. 

وعلي الطلاق أنا في الحالتين معاك وما بقولك شي/ بس انت اصدق النية، وخليك متخذ قرار بحجم تحديات المرحلة. بس في ناس دايما بتختارهم بعملوا لي (حرقان شديد وحسكنة )، بس بستحمل عشان نمش لي قدام (شوية).

واكان ما داير تغير آلية التيس قول لينا دورنا بتين عشان غنمنا حايلات شديد (ودي ما بفسرها).

 

 

‫2 تعليقات

  1. والشئ بالشئ يذكر …
    من هم نواحى بربر والعبيدية لا شك يذكرون الاستاذ العبيد سويكت، كان صاحب مركوب -لردع المشاغبين- لا يخطئ الهدف ..
    ويرد على من يلح عليه من التلاميذ المشاترين: فندى… فندى … ادينى عشرة من عشرة.
    يرد عليهم زاجرا: يعشرك التيس!!
    ان لم يكن فى مقدور حمدوك ببرودة -او فلنقل دماثته- ان يعتمد سلاح المركوب
    فالرد الزاجر اذن انسب واشفى لمن يطلب منه عشرة من عشرة

  2. الشكر علي هذه الكتابة المذلهة فقط اردت أن اقولك المصطلح الأقضل لحاجة الغنم للتيس هي كلمة ( الغنم صبن )بتشديد حرف الباء أما حايل وحايلات فتستخدم لأغنام وتيوس آخرين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..