مقدمة:
– وقد يطرح سؤالان عند مناقشة مسألة الهوية:
1. هل الهوية مسألة ذاتية (ثقافية وأيديولوجية) أم لها علاقة بالموضوعية؟ سأحتفظ بالإجابة على هذا السؤال لفترة.
2. في بلد مثل السودان حيث يوجد تنوع وتعدد المجموعات العرقية/ اللغات والثقافة، يجب أن نبحث عن الهوية (الفردية) أو الهويات (الجمع) أو الهوية (ككل)، التي تتألف من هويات (مترابطة، متغيرة، متضاربة،… الخ)؟
الهوية
نظرياً، الكل ليس المجموع الحسابي لعناصره، إنها علاقة العناصر وتشابكاتها. ترتبط المسألة في السودان بالهويات المتعددة أو شكل هوية كلية أو مركبة من خلال العلاقات والترابط بين مجموعة الهويات. العلاقة والترابط مسألة معقدة للغاية تعتمد على تطورها التاريخي ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والسياسية، والصراعات، والتنازلات. وهي تشمل العلاقات والعلاقات المتبادلة بين الهيمنة والهيمنة والتعاون والاقتراض والإدماج والتمكين، والضعف، والإثراء، والإفقار.
العلاقة بين الهوية (الذاتية) والواقع (الموضوعي)
دعونا نحاول الآن الإجابة على السؤال عن العلاقة بين الهوية كمسألة ذاتية (كيف يعرف الشخص أو الناس نفسه أو أنفسهم، وكيف ينظر/ ينظرون إلى نفسه/أنفسهم)، وهو التعريف المعترف به وسط معظم الدراسات الثقافية وواقع الشخص أو الناس (الموضوعية)، وهو ما نحاول أن نضيفه للتعريف بأن الهوية هي عملية مزدوجة ترتكز على ما هو موضوعي عن الشخص وخارج تفكيره ورؤيته لنفسه، التي أساسها تفكيره كمحصل لمجمعات مؤثرات هي الأخرى ثقافية واجتماعية واقتصادية.
فالهوية في علاقتها بالواقع يمكن ألا تقابل أو تقابل الواقع. فتنشأ هوية مستلبة وهي إما مفروضة أو وهمية، وفي كلتا الحالتين لا تتوافق مع الواقع.
والهوية المفروضة هي نتاج إكراه من جانب قوة أخرى تستفيد من فرض هوية زائفة على شخص أو مجموعة من الناس.
الهوية الوهمية هي التي ينظر إليها شخص أو شعب، على الرغم من أنها ليست مطابقة للواقع/الموضوعي. لماذا يجب على أي شخص أن ينظر إلى هوية غير حقيقية؟ فهو إما شعور بالدونية أو تحقيق التفوق فيما يتعلق بالهويات الأخرى في نفس المجال الجغرافي، أو السياسي، أو الاقتصادي، أو الثقافي أو الاجتماعي.
ويتجلى فرض الهوية ثقافياً وأيديولوجياً، ولكن جوهرها قد يتجاوز ذلك لترسيخ هيمنة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية لمجموعة من الناس على مجموعة أخرى.
ومع ذلك، يمكن بناء الهوية أو إعادة بنائها من العناصر القائمة (الحقيقية) من خلال التخطيط والحملات والنضال السياسي والثقافي، الذي يدخل العناصر القائمة في علاقات وعلاقات متبادلة جديدة تشكل كل جديد، مما يقودنا مرة أخرى إلى حيث نبدأ اعتماداً على نوع العلاقات والعلاقات المتبادلة، سواء كانت من الهيمنة والاستغلال أو التعاون والتعايش، سواء كانت مقبولة من قبل جميع العناصر أم لا، وما إذا كانت مفروضة أو وهمية.
مسألة الهوية في السودان
ولا يحتاج المرء إلى إثبات أن السودان بلد يتألف من العديد من المجموعات الثقافية والإثنية. في الماضي خلال النظم الإقطاعية لسلطنة سنار والفور، كان يتم التعرف على الشخص في السودان من قبل قبيلته /أو شيخه الديني أو طريقته (الطائفة). كانت الهوية القبلية والدينية تعبيراً عن هوية مفروضة تعبر عن هيمنة الأرستقراطية القبلية والدينية في نظامي سنار ودارفور الإقطاعيين.
جمع الاحتلال التركي 1821-1881 السودانيين معاً. استمر السودانيون في تعريف أنفسهم على الهوية القبلية والدينية، ولكن عندما واجهوا الاستغلال والإكراه من الترك، بدأوا شعوراً جديداً بالوحدة ضد عدو مشترك. وتحت قيادة دينية لمحمد أحمد المهدي وفرقه العسكرية القبلية، بدأ السودانيون يعرفون أنفسهم، يعرفهم قائدهم بـ”أنصار”، يعـرف الشخص منهم نفسه بأنه أنصاري/أنصارية، وهي هوية ثورية جديدة.
وحدت هذه الهوية معظم السودانيين باستثناء الفئات القليلة المناهضة للثورة والمهديين من الختمية كطريقة (الطائفة)، أو بعض القبائل مثل الكبابيش في شمال كردفان. ومع ذلك، لم تنتقص الهوية الجديدة من هويات القبائل. شكل المهدي جيشه الثوري على قواعد قبلية. قاد فرقه العسكرية زعماء القبائل، واسماهم الأمراء. واستمر ذلك طوال الصراع حتى انتصار أم درمان. وقد عكس إنشاء عاصمة الثورة كلا الهويتين: الهوية الموحدة للأنصار والهويات القبلية التي انعكست في أسماء أحياء البلدة التي استقرت فيها كل الفرق العسكرية الثورية معاً، وأعطت الفرق إما اسمها القبلي أو اسم زعيمها. للأحياء التي سكنتها (أبو روف، ود نوباوي، الخنادقة العمراب،…الخ).
أدت وفاة المهدي إلى فترة الخليفة عبد الله التي جلبت الهوية القبلية إلى الجبهة مع تجمع القبائل في معسكرين من أولاد البحر (أولئك من وادي النيل)، وأولاد الغرب (أولئك من غرب السودان وخاصة البقارة). وكان ذلك أحد أكبر الانقسامات التي خلفت ندبة على الهوية السودانية لفترة طويلة. وكان ذلك نتيجة للصراع على السلطة بين آل الخليفة عبد الله والأشراف. وكلمة أشراف نفسها رمز للتفوق الأيديولوجي والإثنية؛ لأنه يستخدم ليعني علاقة عائلية وعرقية بمحمد أحمد المهدي والنبي محمد (صلعم) من جهة، وأصله القرشي المميز وسط عرب الجزيرة العربية.
كان الصراع حول من سيهيمن على الدولة الجديدة وغنائمها. على جانب الهوية، كان صراعاً بين عناصر الهوية الجديدة لـ”الأنصارية”. كان الأمر يتعلق بتغيير الهوية التي شيدت حديثاً إلى أداة للهيمنة على العناصر المتضاربة. كان فوز الخليفة عبد الله على منافسه قائماً على السلطة وليس على الأيديولوجية. فشل في توحيد جميع العناصر على القاعدة الأيديولوجية للمهدية. ادعى كل جزء أنه يمثل المهدية، أحدهما اعتماداً على الميراث العائلي، كونهم أقارب المهدي، والآخر على حقيقة أن المهدي عين عبد الله التعايشي كأول خليفة له. وقد عمقت التكتيكات التي استخدمها الخليفة عبد الله لتسوية النزاع الانقسام. لقد استخدم القوة المطلقة والإكراه، لقد احتجز وسجن ونفى وقتل، كما أحضر قبائل بقارة من غرب السودان. وشرد العديد من القبائل وتسبب في تشويه المنتج الزراعي الذي ساهم في مجاعة 1306 مما ساهم في انخفاض عدد السكان ونفورهم من دعمه. إن هيمنة القبائل الغربية، والمجاعة، وتدهور الحياة الاقتصادية للشعب، والإكراه والحروب، غيرت هيمنة المهدية الثقافية والدينية إلى هيمنة على دولة استبدادية. وبدأت الهوية الكاملة التي شيدت للانصارية في الانخفاض وبدأت عناصرها من الهويات القبلية في الارتفاع. ومع ذلك، فإن خطر الغزو من الشمال تحت كتشنر أحيا الأنصارية والمهدية لمقاومة الغزو.
إن هزيمة الأنصار في أم درمان بدأت عهداً جديداً في السودان، اتخذت السلطات الاستعمارية فيه سياسة البطش بالمهدية والأنصار حتى الحرب العالمية الأولى، حيث بدأت في كسب عبد الرحمن المهدي للتعاون معها في مواجهة دول المحور. واعتمدت السلطات بعد ثورة 24 سياسة الإدارة الأهلية وتشجيع القبلية، وجعلت القبيلة هوية يعلن عنها في شهادة الميلاد والأوراق الثبوتية الأخرى، واستقطبت حتى شيوخ الطرق الصوفية في نطاق إلحاق كل النظم الإدارية والاقتصادية للبنية الاستعمارية الجديدة.
لقد ظل النموذج الانصاري في طابعه الثوري يمثل نموذجاً لمعظم الانتفاضات التي قاومت الاحتلال الإنجليزي المصري قبل الحرب الأولى، رغم وجود مقاومات تستند إلى القبلية أو الدفاع عن الدار (لعل أعنفها وأطولها كانت مقاومة النوير التي امتدت حتى 1919، عندما هزمت باستعمال الطيران الملكي البريطاني). وسنحاول في الحلقة القادمة الحديث عن المقاومة وأثرها في ميلاد وتبني هوية سودانية، والصراع الذي نشأ حولها من محاولات لاختزال الكل لأحد أجزائه.
هامش
لقد قرأت ما كتبه الأخ محمد مكي، ناقداً مقالي المنشور في (الحداثة)، عن التراث، وأعد بأن أناقشه، فالغرض من كل مقالاتي هذه هي فتح المناقشات حول قضايا أرى ضرورة إخضاعها للمناقشة؛ صحيح أنني لا أكتشف العجلة، ولكني أفكر بشكل مستقل مستبطناً منهجي دون أي التزام بما كتبه قبلي أو مناهجهم في البحث، في محاولة لتتبع تراث صوفي ديمقراطي بأن “لكل شيخ طريقة”.
عندما تتحدث عن السودان لا تدخل مملكة دافور فدافور ليس سودانا
دار الفور دار النكبة والحروب والسبب الرئيس لما يحدث الآن .. عبد تور شين الذي سميته
تعايشي لم يكن تعايشيا ولم يكن سودانيا لذا كان يشعر بالدونية تجاه السودانيين تماما كما هو
الحال مع الفوارة يلي مالين الخرطوم اليوم
فصل درافور يجب ان يكون مطلبا شعبيا
بالواضح لا نريد دارفور على السودانيين ان يرفعوا اصواتهم ويجهروا
لا دارفور بعد اليوم ويكفي