من مذكرات زوجة ثانية..!

منى أبوزيد
“الزواج هو أطول وردية حراسة في التاريخ، والرجال هم أكثر المُجنّدين نزوعاً نحو قَدّ السلك”.. الكاتبة..!
تقول صاحبة الحكاية:
باعتباري زوجةً ثانية فقد اعتدتُ بمُرور الوقت على عروض المكابرة التي لعبتها زوجة زوجي – الأولى – على مسرح حياتنا المشتركة، وكنت دوماً أقول بأن الإنسان بفطرته مجبول على الرضوخ للأمر الواقع. جميع البشر المؤمنين مفطورون على الرضاء بالمقسوم ولو بعد حين، وكما يُغيّر الزمن وجه الصخور يلين صلابة الرفض أيضاً. تبَنِّي هذه الفلسفة أعانني في الماضي على احتمال اعتراضات أهلي على مبدأ زواجي من رجل متزوج، كما أعانني على تجاهل ثورات زوجته الأولى وانقلاباتها الفاشلة على حكم زواجي منه، وقد صدق حَدَسي..!
بتعاقب السنوات على زواجي المُستقر أيقنت هي بأن شراكتي لها في حكم المصير، وبأنه لا سبيل إلى إقصائي عن حياتها. وهكذا، بيأسٍ وعلى مضض تطبعت مع فكرة وجودي الأصيل في حياتها، والذي لا مجال للمكابرة بشأنه. فما أن كبر أولادي حتى أصبحوا يشبهون أولادها ويشتركون معهم في طقوس أبوة والدهم ويلتقون معهم في خطوط ملامحه. وكم أعانني ذلك، فاليوم عندما تجمعني المناسبات العائلية بها أتجاهل – عن قلة اكتراث حقيقية، لا مصطنعة – مخلفات الحرب التي تقبع بخمول في سواد عينيها..!
مشكلتي اليوم لم تعد في حروبها هي بل في حروبي المستمرة مع أخرى مجهولة قد تخطف منِّي زوجي على ذات النحو والكيفية. اليوم تسلمت مقاليد السلطة والرقابة الإدارية منها، تسلمتها كاملة، متبوعة بعهدتها المتمثلة في الرادار الأنثوي إياه..!
غرقت هي في تزويج البنات والأولاد وقدوم الأحفاد، واستبدلت الثياب الصارخة بأخرى هادئة الألوان وتسريحات الشعر بالحجاب، واستسلمت لزحف السنوات، بينما كنت وما أزال ألهث وراء آخر صيحات الموضة، ونقشات الحِنّة، وماركات المكياج. واتسعت الفجوة الجيلية التي تفصل بين عمرينا ومظهرينا بفضل استسلامها الكامل لخطوط ريشة الزمن على جسدها الذي بات لا قبل له بمجاراة شبابي..!
اتساع الفجوة شمل أيضاً مظهرينا زوجي وأنا، كما شمل نمط حياتينا وطريقة تفكيرنا ورؤانا المتباعدة لكثير من المفاهيم والضرورات والصور الحياتية. لقد أصبح ما يجمع بينهما اليوم أكثر، وربما أعمق من الذي يجمع بيني وإياه. فاليوم وبعد أن شارف كلاهما على السبعين، باتت تجمعهما الزيارات المشتركة لذات الأطباء ولذات الأسباب المرضيَّة، كما أصبحا يعيشان معاً حياة الجد والجدة ونجاح الأولاد والبنات وصخب الأحفاد..!
مائدة الطعام التي تجمعهما معاً متناغمة جداً، ذات الأطباق الخاصة “الفقيرة إلى الملح والسكر”، ليست كالمائدة المليئة بالمتناقضات التي تجمعني وإياه. أنا الزوجة التي لا تزال أربعينية بالتقريب إلى أقرب عدد عشري، وأولادي الصغار الأقرب إلى أحفاده بذات التقريب الحسابي..!
زوجي وزوجته الأولى يلتقيان اليوم في لهاثهما المحموم لتكديس أرصدة الثواب الإلهي ونفورهما من كل مظاهر الجموح التي تقتات من تلك الأرصدة، وميلهما الكبير إلى قضاء العطل السنوية الدينية بجوار المشاعر المُقدّسة..!
بينما تبعدني عن زوجي اليوم ردود أفعالي الطفولية، وتصفعني تلك الرصانة الرمادية التي تنسكب على اشتعالي كدلو من الماء البارد. وتغيظني ردة فعله عندما اشتعل غيرة من إحداهن، فيدفع اتهاماتي بابتسامة مسكينة، ويهدهد غيرتي بأن لا قبل له بمشروع زوجة ثالثة، لا وجود له إلا في خيالي المتفائل..!
رغم كل ما فات، رغم كل شيء، عندما أتأمّل اليوم في حجم الُمنغِّصات والخسائر، وقائمة المثالب والسلبيات في هذا الزواج، أجدني راضية عن نفسي وعن قراري الذي دفعني بقوة وإصرار نحو هذا المصير الثلاثي المُشترك. على العموم أنا راضية، وفي بعض الأحيان أكون سعيدة..!
الصيحة
تحيه واحترام استاذه منى وأود ان اشير بأننى من المتابعين الشغوفين جدا لكل ما يخطه يراعك المتميز دوما بجزالة الطرح وجمال المحتوى … يسعدنى جدا انك تختارين مواضيعك بعنايه وتسكبين عليها حلو الكلام فتصبح كاملة الدسم كل التوفيق ايتها الرائعه حد التدفق
أتابع ملاحة كتاباتك المازجة بين رُوح الفكاهة والمرح وسلالة اللغة وطراوتها وسماحة المحتوى دوماً، يا مُنى. ذلكم تماماً كما قد كنت اتابع قديماً القصص القصيرة التي كنت تنشرينها عِند موقع “سودان فور أول” والتي هي مُتَّسِمَة بذاتِ السِّمات التي وصفت بها أعلاه مجمل كتاباتك. عليكِ السَّلام ولكِ العافيةْ يا شابَّة :) .
لا أتمنى لأبنتى هذا المصير.
منى و منى:إذا كان وردي و الكاشف وود اللمين قد إختطوا مدارس فنية و غيرهم من العمالقة في مجال الفن الغنائي , فإن منى سلمان و منى أبو زيد قد شيدوا في مجال الكتابة النسوية في السودان قصور من معدن الماس..أول مقال صحفي نشر لي الصحافة السودانية يعود تأريخه الى العام 2001 إدبان فترة الدراسة الجأمعية في صحيفة:الصحافة الدولي..و تابعت النشر بعد ذلك في صحيفة ألوان..و لقد إستفدت كثيرا من متابعتي ما يصدر من مقالات الكاتبتين في صحيفة حكايات .. تركز منى سلمان على الجوانب الإجتماعية و يمتاز أسلوبها في الكتابة بالبساطة و السلاسة , بينما تجمع منى أبو زيد السياسة و الإجتماع جنبا الى جنب و يمتاز أسلوبها بالعمق الفكري .. و من المدارس الصحافية التئ غرفت من معين أسلوبها في مجال الكتأبة الدكتور مزمل أبو القاسم صاحب كبد الحقيقة فأتمنى لهم جميعا دوام التوفيق و السدأد .