مقالات وآراء سياسية

ماعندو عوجة بس شوية ميت ..

د. السموءل محمد عثمان
قيل أن واحداً من البجا مات بالمستشفى ، غطاه أخوه بالثوب وجلس بجواره في انتظار عربة تنقله إلى المقابر ، وفي أثناء ذلك مر رجل آخر بالبجاوي وسأله : ازيك ياشيخ العرب ، إن شاء الله الراجل ده ماعندو عوجة ؟؟ ( مشيرأ إلى الجنازة ) فرد عليه البجاوي : لاماعندو عوجة بس شوية ميت ) .
جعلنا هذه الطرفة مقدمة للحديث عن شيخ العرب  ، الصحفي والمتناول لقضايا  إنسان شرق السودان أبوعلي أبوكلاب، الذي لاتخلو كتاباته من ظرافة ودعابة شأنه شأن كثير من أبناء الشرق مثل أبوآمنة حامد ، تجد في كتاباته اعتداداً واضحاً بانتمائه للشرق ولكن  هذا لا يطغى على انتمائه الأكبر للسودان ، وكان الشرق عنده كل  الذين يسكنون  شرق السودان من كل قبائل السودان ، ولاحصريا على البجا فقط . يوافقني في هذا الرأي البروفسير علي محمد شمو الذي قدم  لهذا الكتاب ( ماعندو عوجة بس شوية ميت ) فهو يقول أن المطلع والمتابع للكتابات الجارية التي يسهم بها أبوعلي أكلاب في الصحافة السودانية والمواضيع المتنوعة التي يتناولها في كتبه ومؤلفاته،  يدرك أننا أمام مؤلف موسوعي المعرفة ومتعدد المواهب ومحب لوطنه الكبير الذي يتجاوز كسلا والبحر الأحمر والقضارف .
يواصل علي شمو ويقول أصدر أبوعلي العديد من المؤلفات التي تميزت كلها بالمسحة القومية وتجاوزت المحلية والإقليمية ، فبالرغم من تناوله للقومية البجاوية في كتابه ( نغني بلسان ونصلي بلسان ) واصداره كتابين عن البجا الأول ( يسألونك عن البجا ) والثاني ( ديوان ثورة بجاوي ) فقد امتد عطاؤه وتناوله إلى مناطق أُخرى في السودان كمنطقة دارفور التي وردت في هذا الكتاب الذي نحن بصدده اليوم ( دارفور بلدنا) .
أيضاً هذا ماذهب إليه د. عبد اللطيف البوني الذي قدم لكتاب أبوعلي ( نغني بلسان ونصلي بلسان ) فهو يقول إن معرفتي بالأُستاذ أبوعلي أكلاب ترجع أساساً لمقالاته التي ينشرها في الصحف السيارة ، أول مالفت نظري في مقالاته هي ربطه المحكم بين الإنتماءالوطني والإنتماء الشرقي للسودان جغرافياً وثقافياً ، فلم يترك أياً من الانتمائين ، فهو وأن بدت مقالاته مركزة على الشرق أنما  باعتباره جزءً من الكبير لكن لم يلقى حظه لا في الثروة ولا في السلطة ولا في الثقافة ( فأبوعلي ) بذل جهد المقل في التعريف بإنسان الشرق مركزاً  على ذلك الإنسان بأنه سوداني في المقام الأول ثم شرقاوي بعد ذلك .وهي مقالات تجمع بين المتعة والفائدة وتعرف القارئ السوداني بجزء حيوي منه وهو شرق السودان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ، وبما أن صحفنا اليومية متهمة بأنها ( خرطومية ) لاتعبأ إلا بما يدور في العاصمة فأن أبوعلي أكلاب من الذين خرجوا بهذه الصحافة من ضيق العاصمة إلى رحابة السودان وبهذا يكون ( أبوعلي ) قد أسدى خدمة كبيرة للصحافة السودانية عامة ولأهل الشرق خاصة لأنهم وجدوا صورتهم في مرآة العاصمة .

من  الموضوعات التي تناولها مؤلفه هذا معشوقته كسلا يقول:ــ معروف أنه حينما يكون الشئ جميلاً تتعدد أسماؤه فكسلا في كتب التاريخ اسمها ( التاكا ) وفي لسان لغاتنا المحلية اسمها تولوس وأم تقاق وفي اللغات الكوشية اسمها كسلا ، كسلا التي خلدها الشعراء بأنها ( الساحرة ) جمالاً وكسلا التي خلدها المؤرخون بأنها تردع الغازين وتقتسم لقمة العيش مع الفارين من ويلات الخلافات السياسية ، كسلا لوحة بديعة تتشكل ضلوعها من نهر القاش وجبال التاكا وحدائقها الغناء إنها ابنة القاش وجنة الاشراق . يقول الأديب عمر الحاج موسى إن الناظر لجبال التاكا من (عل ) كأنها نهود الحسناء للحسناء . ( توتيل ) يتوضأ من مياهها العشاق وعلى قمة جبالها ( شجر الإكسير ) الذي يمنح الخلود للإنسان لذلك يستحيل بلوغ قمتها الملساء إنها مدينة الجمال والسحر .
يدلف من هناك أبوعلي للشاعر إسحاق الحلقي يقول يتربع  الحلنقي على كرسي صدارة شعراء الأُغنية الطروبة والحلنقي من أعماق كسلا ، استظل بجبال التاكا ونهل من مياه توتيل ورسم من خرير مياهها صوراً زاهيات يتدفق ( الحلنقي ) عسجداً وهو يهيم في مروجها .أحب كسلا فبادلته العشق ( صوت السواقي الحاني ) و( القاش ) و ( حبيت عشانك كسلا ) وتدافع الفنانون والشعراء صوب كسلا كل يذكر ليلاه يبحث عن معشوقته في وطن الجمال .
كان قد ابتدر أبوعلي مقاله عن كسلا بالحديث عن الأستاذ الكابلي يقول عنه الأُستاذ عبد الكريم الكابلي فنان مبدع موسوعي المعرفة وهو يغوص دائماً في اللجج المتلاطمة من العلوم ليستخرج لنا المرجان والؤلؤ ، إنه الباحث عن شوارد الكلم ونفيس الدرر .فاختار لنا رائعة كسلا وهي تصور ماكان يعتمل في نفس الشاعر توفيق صالح جبريل  من أحاسيس فخلد الشاعر المدينة الجميلة بحلو العبارة
نغم الساقيات حرك أشجاني
وهاج الهوى أنين السواقي

أبوعلي أكلاب من مواليد مدينة طوكر 1946، ودرس  بالمعهد العلمي بأمد رمان  وعمل موظفاً بسكك حديد السودان ، ثم ضابطاً للتعاون بكسلا ، ثم منتدباً بالاتحاد الاشتراكي السوداني بالإقليم الشرقي بدرجة وزير إقليمي في الفترة من 1975 إلى 1985 .ومستشاراً  ثقافياً بوزارة  الثقافة الاتحادية لمدة ثلاثة أعوام ، ورئيسا لنادي التاكا الرياضي لدورتين 1983و 1985 .
نواصل في حلقات قادمات بإذن الله .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..