نحن والتجربة الفيتنامية !!

الفاضل عباس محمد علي
بعض الأصدقاء في دوائر صنع القرار بالحكومة الانتقالية معجبون بالتجربة الفيتنامية أيما إعجاب، خاصة القادمون من خلفيات شيوعية – ولعلهم متأثرون بالخبير الاقتصادي عثماني ديوني الشيوعي السنغالي الذي ترأس عمليات البنك الدولي بفيتنام من 2016 إلي 2020، والذي عمل قبل ذلك ممثلا للبنك الدولي بشرق إفريقيا؛ليس لأنها أخرجت سبعين في المائة من شعبها من دائرة الفقر، أو لأنها حافظت علي استقرار وازدهارفيتنام ووطدت السلام في ربوعها، وسلكت بنجاح ومثابرة وتوفيق سبيل التنمية المتوازنة المستدامة منذ نهاية الغزو الإمبريالي الأمريكي في منتصف السبعينات؛ ولكن لأنها لسبب ما، وعلي الرغم من شيوعيتها، نالت الرضا الكامل والدعم الهائل من البنك الدولي وكافة المؤسسات المالية الأمريكيةوالغربية.
والمعجبون السودانيون يضربون لك الأمثال بوجود الحزب الشيوعي الفيتنامي الذيظل حاكماً ومتسيّداً المشهد منذ أكثر من نصف قرن، وبسلاسة التعاون بين المؤسسات المالية الأمريكية وهذه الدولة الشيوعية التي كادت ماكينة اليانكي العسكرية أن تبيد شعبها عن بكرة أبيه خلال حربها الشرسة ضده – من نوفمبر 1955 إلي أبريل 1975، تلك الحرب التي تم فيها استخدامالقنابل العنقودية والنابالم وكافة أسلحة الدمار الشامل، باستثناء القنبلة النووية، حيث أن العالم، والشباب الأمريكي بصفة خاصة، غضب غضبةمضرية وانتفض ضد تلك الحرب منذ صيف 1968؛ ولقد سقطت الولايات المتحدة سياسياً وأخلاقياً بصورة فادحة تحت تلك الضربات، ومن أهمها سلسلة مقالات الصحفي العملاق والتر لبمان (توفي 1974) في نيوزويك وغيرها، ومجمل الرأي العام الراديكالي، ممثلاً في الكتاب والناشطين الراكزين مثل البروفيسير نعوم شومسكي وشباب ثورة 1968 ضد الحرب، وبطل الملاكمة محمد علي كلاي، إلخ، بالإضافة لاستبسال مناضلي الفيات كونق القيتناميين الذين لم ينكسروا حتي حققوا النصر المؤزر ضد أعتي قوة غي العالم.
وبالفعل، انفتحت فيتنام علي الغربالرأسمالي، مثلها مثل الصين بعد زيارة الرئيس رتشارد نكسون والدكتور هنري كيسنجر لها في فبراير 1972، وسياسات (دع ألف زهرة متنوعة تتفتق، ولا يهم إن كان القط أبيضاً أم أسوداً، طالما يستطيع أن يصطاد الفئران). وكفكفت فيتنامهيمنة القطاع العام علي الإقتصاد، وتبنّت المعادلة المختلطة بين المؤسسات الحكومية والتعاونية والخاصة، وشجّعت الملكية الفردية في مجالات الصناعات الصغيرة وال cottage industry، المستفيدة من المواد الخام المتوفرة محلياً مثل الجلود والمعادن والمحاصيل الزراعية والسمكية، ومن الأيدي العاملة الرخيصة نسبة لانحسار التضخم، إذ أن دخول الطبقة العاملة والفلاحين تكفي للمعيشة، في غياب الأسعار المنفلتة والتجار الجشعين والسماسرة المنتشرين ubiquitous، مع توفر العلاج والتعليم المجاني في الدولة الإشتراكية أصلاً. ولقد ساهم في هذا الخير المتدفق نحو فيتنام أن مئات الضباط والجنود الأمريكان war veterans الذين شاركوا في حرب الإبادة الإمبريالية….هبطوا علي تلك الدولة الفتيةبدولاراتهم، وسعوا في مناكبها يبتغون الشراكاتالمفيدة للطرفين مع أعداء الأمس؛ وتلك لعمريوسيلة راقية للتطهّر والتكفير عن الذنب، مع إمكانية الاستفادة من أجواء الاستثمار المثالية (حجة وتجرة) بذلك البلد الساعي لاستدامة انتنميهعلي يد طبقة وسطي تتمتع بعقلية تجارية ابتكارية entrepreneurial وبروح وطنية وأخلاق رفيعة، وبالبعد عن الفساد، وبالتفاني في العمل،وبروح الفريق التي تأصلت في وجدان هذا الشعب منذ عهود النضال ضد الاستعمار الفرنسي (في دين بيان فو) ومن بعده الأمريكي، وبفضل تربية الحزب الشيوعي الممزوجة بالبوذية والكنفوشية Confucianism.
كما ساهمت المؤسسات المالية الغربية، خاصة الأمريكية، في دفع التنمية للأمام بلا شروط تثقل كاهل الشعب وبلا تدخل سافر في كيفية إدارة البلاد، وبطريقة غير مسبوقة في تعامل تلك المؤسسات مع أي من دول العالم الثالث الأخري. ولعلّ المتطهر الأكبر الذي قلب معايير تعامل البنك الدولي مع فيتنام رأساً علي عقب، بعكس الدول الأخري، هو رئيسه من 1968 إلي 1981 روبرت ماكنامارا وزير الدفاع الأمريكي من 1961 إلي 1968، أثناء حقبتي جون كندي المنتهية باغتياله في نوفمبر 1963، وليندون بينز جونسون الذي ورث الرئاسة الأمريكية حتي نوفمبر 1969؛ وكان ماكنامارا هو المسؤول الأول عن تصعيد الحرب ضد فيتنام الشمالية برئاسة الرفيق هوتشي منّه، وعن التدمير الكامل لما في ذلك البلد المستغيث من بنية تحتية ومن زرع وضرع وغابات وبشر، وهو مخترع ما عرف بالتصعيد escalation، والعقل المدبر لتلك الحرب الاستعمارية الخبيثة. ولما جاء السلام في منتصف السبعينات كان ماكنامارا رئيساً للبنك الدولي، فساهم في وضع البلو برنتس الخاصة بإعادة تعمير فيتنام وتنميتها بالدولار الأمريكي وبسواعد أهلها الأشاوس الذين يعملون في صمت وتواضع، (ومن ديك وعيك).
والمقارنة تكاد تكون مستحيلة بيننا وبين الظروف الفيتنامية:
بينما تجد أن فيتنام يحكمها حزب واحد وتتألف من شعب واحد يتحدث لغة واحدة، وربما يرفدها بالفرنسية والإنجليزية التي اكتسبتها فئاته المتعلمة. ولقد حاولت الإمبريالية الأمريكية أن توطد وتعمق الإنقسام بين شمال وجنوب فيتنام بخلقها للكيان الجنوبي حول مدينة سايقون وتعبئته بعملائها وبسماسرة السياسة المعطوبين أخلاقياً والمتهافتين علي الثراء الحرام، ولكن بمجرد سقوط سايقون في 30 أبريل 1975 لملم المستعمر عدده وغادر علي عجلة من أمره، مصحوباً بأولئك العملاء، في هروب غير منتظم a hasty and tumultuous retreat تماماً كما حدث خلال الأيام القليلة الماضية بأفغانستان، وفي نفس اليوم تم إعلان الجمهورية الاشتراكية الجديدة الموحدة، وحتي اليوم لم يشهد ذلك البلد أي حراك أو تذمر أو صراع مناطقي,
وفي نهاية التحليل، فإنني أدعو ثوار ديسمبر للتأمل في الثورة الفيتنامية وأختها الكوبية، بغرض التأسي بإيجابياتها مثل الوطنية العالية وحب تراب هذه البلاد الغبشاء، ومثل العمل الصبور الدؤوب من أجل تحقيق شعارات ثورة ديسمبر، فعلا لا قولاً فقط، ومن أجل الخروج ببلادنا من النفق المظلم الحالي الذي ينذر بحل (تونسي)، أي باستعادة الدوامة التي ظللنا اٍسري لها منذ الاستقلال – انتفاضة شعبية، تعقبها ديمقراطية معطوبة، فينبري لها الجيش بانقلاب يعيدنا لعهود الاستبداد والفساد والمحسوبية والتوريث والانشطار الطبقي والفتن الإثنية والمناطقية، لا قدر الله.
والسلام.
٥٧٠ قبيلة
٥٧ مجموعة عرقية
١١٤ لسان.
يعني المقارنة منعدمة مع الفيتناميين.
ده بيأكد صحة خطة حمدوك بضرورة الاستعانة بالصندوق والبنك الدوليين والمجتمع الدولي لإعادة بناء السودان وقطع الطريق على ايي إنقلاب عسكرى.
يعني نظرية (حشد الموارد) التي تبناها الحزب الشيوعي ما بتشتغل في بلد منقسم على نفسه كالسودان
عجبت لكم اهل الراكوبة.
تعليقي قد المراجعة والمعاينة في الوقت الذي تمرر فيه التعليقات العنصرية.
استاذ الفاضل لك التحية،
يجب اجتراح الحلول التي نعبر بواسطتها من خلال واقعنا المتنوع اثنيا.
اعتقد المشكل الاساسي هو ضعف ثقافة العمل الجاد في مقابل الميل الي اضاعة الوقت في كل ما يخطر بالبال من توافه الامور .
وترطن تلك المجموعات ب 114 لساناً.
رجاء استبدال “وترطن” بالمصطلح الأنسب “وتتحدث”.