
لا شك أن المؤتمر السوداني هو سيد شباب الأحزاب بلغة الانقاذيين الممتلئة بمسميات وتصورات العقل الخرافي، وهو أفضل ما يمكن لحزب أفريقي سوداني أن يكونه في اللحظة التاريخية الراهنة، مجموعة رجال ونساء لا يجمعهم عرق ولا عائلة ولا أيديولوجيا ولا فرض للأجندة بقوة السلاح والهمبتة، بل تجمع مدني متحضر بالمعايير المحلية وحداثي ينتظم فيه أخلاط من أهل السودان.
وللحزب تمارين ديمقراطية خفيفة قد تثير الانتباه وربما الإعجاب، كلعبة تبديل كرسي الرئاسة بين إبراهيم الشيخ وعمر الدقير، والمناظرة المفتوحة لاختيار قائد الحزب في ولاية الخرطوم التي وصفها عمر الدقير بأنها تعكس ثقافة ديمقراطية.
لكن المساهمات التي ننتظرها من حزب المؤتمر السوداني ليست تمارين ديمقراطية شكلية فحسب، بل تقديم حلول فعالة للأزمات التي تمسك بخناق البلاد، وإرساء قيم وقواعد عمل جديدة، تعبر عن عقلية سودانية أخرى تنجز قطيعة حاسمة مع تراث الهمجية والبدائية والجهل والنهب وعدم الكفاءة والبهلوانيات الصبيانية.
أهم المشكلات الماثلة في تقديرنا هي الأزمة الاقتصادية، وليس لدى المؤتمر السوداني أي أطروحات معلنة قابلة للتطبيق حول كيفية تقليص عجز الموازنة، ولا زيادة الصادرات أو الإيرادات الحكومية، والحق أننا ندرك أن الاستجابة الفعالة لهذه التحديات الجوهرية لا قبل للكوادر المحلية في سائر أفريقيا جنوب الصحراء بها، لكن هذا لا يبرر العجز عن اجتراح حلول.
ثم إن الفشل في اختبار المؤسسية لا تجدي استقالة الدقير من مجلس الشركاء في التهرب من تحمل مسؤوليته، كيف تدار الدولة بورقة دستور مفتوحة للتعديل حسب أمزجة حلف المتسلطين الجديد، وكيف لا يخضع مجلسي السيادة والوزراء لأي رقابة أو قانون، وكيف يعين حلف المتسلطين الجدد رؤساء القضاء والنيابة وكافة مؤسسات الدولة كما يحلو له وبأي شرعية وتفويض ومنطق، وأين درس السنة الأولى في فصل السلطات ، وكيف تشكل لجنة بصلاحيات فوق بشرية وقانون مفصل على مقاس قطاع الطرق، لتمارس هذا القدر غير المسبوق من الفوضى والتهريج باسم الشعب خارج نطاق أي رقابة أو مراجعة، حتى بالمعايير الأفريقية، لينتهي الحال بمهرجيها إلى تقديم فواصل وعظية عن الملائكة والشياطين؟
أين إقرارات ذمة خالد وإبراهيم ورفاقهما من كوكبة الحكام الجدد، ومن يتسلمها ويفحصها ويتابع مستجدات البيانات المقدمة فيها؟ أهي النيابات والأجهزة العدلية التي يضع حلف التمكين الجديد على سدة رئاستها كل يوم اسما جديدا؟
إن ارتباط أي سياسي نصف نزيه على عصرنا هذا بمزاعم التلاعب بالسلع المدعومة والسطو على تناكر الجاز والبنزين هو أو ابنه كفيل بحمله على التنحي عن مسؤولياته الحزبية على الأقل، وليس التقدم دون أن يرمش له جفن لانتزاع وزارة في حكومة المحاصصة.
يا ليت المحاصصة بين رجال يلتزمون بقواعد العمل العام والنزاهة وأحكام القانون ومبادئ المؤسسية والرقابة والمحاسبة، وقبل ذلك ذوي كفاءة وعقليات متفوقة قادرة على مواجهة الأزمات وتطبيق الحلول، لكنها محاصصات العابثين وأمراء الحرب والانتهازيين والفاشلين وغير المؤهلين، ما يجعلنا نخشى من انهيار ما تبقى من ركائز الدولة المتداعية تحت وطأة فوضى المتدربين وعديمي الكفاءة.
ثم إن الوزراء ورجال الدولة الأكفاء الجديرين بالتقدير لا يبشرون الناس بانهيار صناعة السكر وانخفاض الإنتاج سبعين في المئة أو ثلاثين، فما لهذا نازعوا الناس وكاثروها على تصريف شؤونها، إنما يدفع لهم من الخزانة العامة لتطبيق حلول ناجعة للمشكلات لا استعراض أوجه الفشل والتقصير بصفتها إنجازات شخصية غير مسبوقة.
أما وإن هذا الحال الذي انتهى إليه الحكام الجدد والبلد لا يسأل عنه المؤتمر السوداني وحده.
أوضحنا في مقالات عديدة أن العقل المحلي متواضع للغاية وعاجز عن أداء الوظائف الأساسية للحكم الفعال، ليس في السودان فحسب بل أفريقيا كلها لا سيما جنوب الصحراء، ويرى الجميع بأم العين الآن مظاهر عجز وفشل الحكم الجديد.
في ضوء المعطيات الحالية، لا حلول واقعية لهذا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي الذي تعيشه البلاد، والفوضى الأمنية والقانونية والسياسية واختطاف الدستور وسلطة الشعب وشرعية إدارة الدولة، فلا توجد موارد مالية، ولا كوادر، أو قيادة مؤهلة، ولا ثقافة وعقلية مواتية، ما يعني بوضوح وبساطة أن المعاناة ستستمر.