مقالات وآراء سياسية

المطمور ما وراء السطور من بنود اتفاق سلام جوبا المقبور

إبراهيم موسى

رغم بشاعة جرائم انقلاب الخامس والعشرين في حق الشعب السوداني المكلوم ، وعنف بركان الأحزان الذي خلفه ، من أهم فوائده انكشاف عورات حركات الكفاح المسلح النتنة للشعب الذي ظل متضامنا مع قضيتها منذ ظهورها حتى قبيل أسابيع قليلة من وقوع الانقلاب المشؤوم . وهذا فضلا عن انكشاف سذاجة هذه الحركات المأجورة عقب الصفعة القاتلة التي تلقتها من المكون العسكري بصدور قرارات مجلس السيادة في جلسة طارئة لمجلس الأمن والدفاع عقدت في يوم الاثنين الأول من أمس ، الرامية إلى إبعاد قوات هذه الحركات من المشهد ووضعها في أماكن تجمعات خارج الخرطوم والمدن الرئيسية . وبنفخ كير هذه التوجيهات ، بدأت بيانات حركات الخزي والعار تتوالى وتلهب يمينا وشمالا ، محاولة بذلك إخفاء عوراتها التي لا يخفيها إلّا موتها وتلاشيها تماما من المشهد النضالي في السودان . وبرر المجلس قرار هذه التوجيهات بحرصها على وضع هذه القوات في مناطق تجميع خارج العاصمة القومية والمدن الرئيسية “بغرض الحصر وإنفاذ الترتيبات الأمنية” .
وصدرت التوجيهات حسبما أورد مصدر “وكالات” ، عقب اطلاع مجلس الأمن والدفاع برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ، رئيس مجلس السيادة في الجلسة الطارئة على تقارير الدوائر الأمنية حول التطورات الأمنية التي تلتها أحداث فوضى من “جراء الخروج عن شرعية التظاهر السلمي وإتباع منهج العنف وبروز تيارات مقيدة لحرية ممارسة الحياة وتتعدى على الممتلكات العامة كظاهرة خطيرة تهدد الأمن والسلم الوطني والمجتمعي وتتجاوز الخطوط الحمراء لسيادة الدولة .”إن عدم تسمية تلك التيارات التي تقيد حرية ممارسة الحياة، وتتعدى على الممتلكات العامة ، وصدور تعليمات تطالب حركات الكفاح المسلح بالخروج من العاصمة القومية والمدن الرئيسية ، أمر مثير للجدل والتساؤلات في أوساط المراقبين ، ومثير لحفيظة تلك الحركات . ربما تشير هذه الأجهزة الأمنية أصابع الاتهام إلى قوات هذه الحركات ، خاصة بعد تردد أنباء كثيرة تفيد باشتراك هذه القوات في قمع المحتجين .
في أول رد فعل لتلك التوجيهات ، أصدرت الجبهة الثورية التي تضم هذه الحركات المسلحة بيانا نشرته صحيفة السودانية في عددها الصادر في السابع عشر من يناير الجاري تحت عنوان ، “الجبهة الثورية ترفض خروج قواتها من العاصمة” مفاده رفض تلك الحركات القرار وإصرارها على البقاء “داخل العاصمة السودانية وكل الأماكن التي خصصت لها.” وأكدت الجبهة الثورية للشعب السودان عبر مكتبها الإعلامي رفض قواتها تنفيذ هذه التوجيهات حتى تتم إجراءات الترتيبات الأمنية وهيكلة القوات النظامية ودمجها في جيش واحد يخدم إرادة الشعب . وليس هذا فحسب ، بل ألقت الجبهة الثورية اللوم على المجلس العسكري في فشل الترتيبات الأمنية التي طال انتظارها ، وإجراءات الانقلاب التي قام بها المجلس وحده ، مشددة على براءة قوات حركات الجبهة الثورية من “العنف الذي يقمع به المتظاهرون” . ووصفت الجبهة الثورية توجيهات وزارة الدفاع بالمحاولة اليائسة لتلبيس قوات الحركات المسلحة تهمة العنف القمع المفرط ضد المحتجين ، وحثت القوات النظامية على “استخدام صوت العقل مع المتظاهرين وعدم استخدامهم كبش فداء .”
والأغرب من تبرئة قواتها من قمع المتظاهرين ، ونعت وزارة الدفاع بالكذب والفبركة ، أشادت الجبهة الثورية بنضالات الشعب السوداني وبثورته المجيدة . وفي ذات السياق ، أصدرت حركة العدل والمساواة بيانا نشرته صحيفة الجريدة في عددها الصادر في ذات التاريخ تحت عنوان ، “العدل والمساواة تكشف حقيقة المشاركة في قمع المظاهرات الأخيرة” . حيث نفت فيه الحركة على لسان القيادي إبراهيم الماظ ، مشاركة قوات الحركة في قمع المحتجين واصفة قرار إبعاد قواتها من الخرطوم بغير المفهوم “ومحفز للأصوات التي ظلت تردد بأن وجود قوات الحركات داخل العاصمة مخيف ، خاصة من قبل بعض قيادات بقوى الحرية والتغيير” . وشددت الحركة أيضا على مطالبة مجلس الأمن والدفاع بتقديم توضيحات شفافة ، وعلى “ضرورة الإسراع في تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية” ،
وتزامنا مع البيانين السابقين ، أصدرت حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي بيانا نشرته وكالة “سونا”  في الثامن عشر من يناير الجاري تحت عنوان، “حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي تنفي وجود قواتها بولاية الخرطوم،” تنفي فيه على لسان “مستشار الشئون السياسية والإدارية بحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي سيف الدين عيسى ، وجود قوات تتبع للحركة في ولاية الخرطوم وكل المدن في السودان خلاف قوة تأمين الشخصيات المهمة المشار إليها في الاتفاقية”. وأضاف مشيرا إلى “أن قوات الكفاح المسلح لم تكن يوماً طرفا في قتل أبناء الشعب السوداني في العاصمة ، ولا ضد المتظاهرين السلميين مشيرا إلى أن قوات الحركة تدعم عملية التحول المدني الديمقراطي وحرية التعبير والرأي ، كما ترفض قمع المتظاهرين وقتلهم لأنه جريمة ضد حقوق الإنسان. واختتم سيادة المستشار بيانه مشددا على وقوف حركته مع كافة جماهير الشعب في الشارع دعماً للتظاهر السلمي واحترام خيارات الشعوب السودانية في الحرية والسلام والعدالة.” ودعت الحركة “مجلس الأمن والدفاع أن يسمي الحركات التي لها قوات بأسمائها سواءً كانت في العاصمة أو مدينة من مدن السودان الأخرى” .
والجدير بالذكر ، أن ما يسمى بالجبهة الثورية التي أصدرت مثل هذه البيانات الساذجة المثيرة للسخرية والتندر والاشمئزاز في آن واحد ، ما زالت شريكا أصيلا في الانقلاب ، وتشارك الانقلابيين في كل القرارات بتربعها بكامل قياداتها على مقاعد سلطة القمع ، والقتل ، والنهب ، والعمالة. فمن يحرر لقواتها شاهدة البراءة من الضلوع في قمع المحتجين ؟ هل امتثل مالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس ومني مناوي وجبريل ومبارك أردول وغيرهم من قيادات هذه الحركات أدنى صفات البراءة ؟ كلا والله ، فهم حضور في اتخاذ كل قرارات القمع والتنكيل بكل المعايير . وإن لم يكن الأمر كذلك ، لتنحوا من مناصبهم وأدانوا كل الجرائم التي ترتكب في حق هذه الشعب العظيم . فإذا لا تعتقد حركات الارتزاق والخنوع أن الشعب السوداني بهذه الدرجة من السذاجة والغباء ، إنما هذا الشعب العملاق أذكي وأفطن ممن يصدرون مثل هذه البيانات المضحكة ، غير أنه ابتلي بانتماء أعضاء هذه الحركات له وصابر عليه إيمانا واحتسابا .
والأخطر من الاشتراك في الانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر وجرائمه ، هي الخيانة العظمى التي أقدمت عليها هذه الحركات في اتفاق سلام جوبا المشؤوم ضد شعب دارفور المكلوم بصفة خاصة ، والشعب السوداني بصفة عامة . إن هذا الانقلاب المشؤوم الذي لا يزال الشعب السوداني يكتوي بنيرانه ، هو امتداد للمؤامرة والخيانة العظمى اللتين حوتهما بنود اتفاق سلام جوبا السري للغاية ، الذي لا يعرفه السواد الأعظم من الشعب السوداني ، كما أورد دكتور فخرالدين عوض حسن عبدالعال في تعليقه على توجيهات مجلس الأمن والدفاع ، التي طالبت الحركات المسلحة بالخروج من العاصمة والمدن الرئيسية. في تغريدة نشرت على “توتير” في الثامن عشر من الشهر الجاري تحت عنوان ، “عن خروج الحركات المسلحة من الخرطوم واتفاق جوبا السري، “تحت التربيزة” ، أسدل الدكتور عبدالعال الستار عن اتفاقيتين توصل إليهما الأطراف المتفاوضة في جوبا ، “واحدة معلنة وأخرى سرية كشفت عنها كثير من العناصر التي شاركت في المفاوضات .. وأطلق عليها مناوى ” اتفاقية تحت التربيزة”.  وتتلخص بنود اتفاقية جوبا السرية “تحت التربيزة” فيما يلي ، كما وأردها الدكتور عبدالعال :
١. عدم تسليم البشير ورفاقه المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
٢. عدم الكشف عن المجازر التي حدثت في دارفور والمسؤولين عنها.
٣. طي ملف مجزرة القيادة وإعدام كافة الوثائق والمستندات.
٤. مشاركة الحركات المسلحة في جهاز الأمن وان يكون نائب المدير عبد العزيز عشر الأخ غير الشقيق لجبريل إبراهيم.
٥.  قيام تحالف استراتيجي بين الحركات المسلحة والدعم السريع.
٦.  دمج قوات الحركات المسلحة في الدعم السريع وليس الجيش .
٧. أن تبقى قوات الدعم السريع مستقلة وبنفس قياداتها .
٨. عدم تسليم الحكم للمدنيين كما نصت الوثيقة الدستورية واستمرار البرهان رئيسا .
٩. السيطرة على قوى الحرية والتغيير .. وفى حالة عدم التمكن من ذلك استبدالها بآخرين .
١٠. الغاء لجنة إزالة التمكين وقراراتها .. وتمليك كل ما إعادته للشعب ، للحركات المسلحة والدعم السريع .
١١. ادخال حميدتي وشقيقه ومرشحين الحركات المسلحة في مجالس إدارات شركات الجيش .. وتمليك حميدتي ٣٠٪ من منظومة الصناعات العسكرية.
١٢.  إطلاق سراح كافة المعتقلين من قبل نظام البشير بالتدرج واعادة الاموال والممتلكات .  واستغلال قواعدهم في التأييد والدعم وفك العزلة.

فمن المعطيات أعلاه ، ها هو المطمور ما وراء السطور من بنود اتفاق سلام جوبا المقبور “الذي حدث في جوبا بين حميدتي والحركات المسلحة في مرحلة أولية ومن ثم انضم له الكباشي لاحقا”. أما مفاوضي الشق المدني حينذاك كانوا مغيبين تماما من مجريات الأحداث ، وبل لم يفطنوا بعد الاتفاق لكل المؤامرات والدسائس التي كانت تحبك باستمرار لعرقلة مسيرة الانتقال الديمقراطي ودمغ المكون المدني بالفشل ، كما تردد على لسان البرهان وحميدتي باستمرار حتى المرحلة الصفرية التي انتهت بالانقلاب . وكانت الخطوة الأولى لتنفيذ بنود اتفاق جوبا السري كما زعم دكتور عبدالعال ، هي المواكب والاعتصامات التي أطلقت عليها ” اعتصام الموز”، بينما كانت الخطوة الثانية تتمثل تكوين كيان ما يعرف بقوى الحرية والتغيير جناح الميثاق . أما الانقلاب ، فيعتبر الخطوة الثالثة لتنفيذ بنود تلك الاتفاقية السرية . وفيما يختص بخطوة إطلاق سراح الإسلاميين ، ووجهت برفض قاطع من الحلفاء الذين نصحوا البرهان بعدم الإقدام عليها . فلذلك يرى توجيهات مجلس الدفاع والأمن الرامية إلى إخراج قوات الحركات المسلحة من الخرطوم عبارة إجراءات تمويهية لا تصحبها الجدية .
وما يدعم هذا الزعم استمرار قيادات هذه الحركات المسلحة في مناصبهم مزاولة مهامهم بصورة عادية لا تظهر في وجوههم الربكة والحيرة مما يدور حولهم . ولكن الأهم من جدية تلك التوجيهات أو عدم جديتها، في خلاصة الأمر ، أن يعرف الشعب السوداني بصفة عامة أن الحركات المسلحة التي تشارك الانقلاب الدموي حاليا ليست بريئة مما يحدث من قمع وقتل ونهب وتنكيل لأبناء وبنات الشعب السوداني . والمعطيات المذكورة أعلاه، كفيلة بإثبات تورطها واشتراكها في كل الجرائم التي التي وقعت في المدن والقرى والبوادي . فإذا “مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إلّا أن” يحاكموا على سوء ما اخترفوه من جرائم ، ويبعدوا من المشهد السياسي تماما مهما يكف الثمن . لأن مشاركة هؤلاء في الانتقال الديمقراطي أخطر من مشاركة المكون العسكري بقيادة البرهان وحميدتي . لقد غلبت على هؤلاء شهوتهم الدنيئة في كراسي السلطة الزائلة وباتوا من الخاسرين ، ويا حسرة على ما فرطوا هؤلاء في جنب هذا الشعب الأصيل وباتوا من النادمين . فأمثالهم من أشارت إليهم الآية الكريمة، “وإذ زَيّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّنكُمْ إِنِّىٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ” .

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. لم يتخيل احد أن هذه الحركات مشبعة إلي هذه الدرجة من الخسة والدناءة ورخص النفس
    أي أن العدو هو الشعب وان الأصدقاء هم من نهبوا واغتصبوا أهلهم في دارفور،ولكن هي طبيعة المرتزق
    لا قيم ولا أخلاق،ومع تحالف هذه الحركات مع الدعم السريع لنهب بقية الاقاليم،لم يتبق إلا أن تتحالف تلك الأقاليم
    لمواجهة جيوش اللصوص والمرتزقة،،فالجيش راقد ميطي ويقوده جنرالات لم تتبق لهم من كرامة إلا تكة سروال

  2. ١. عدم تسليم البشير ورفاقه المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
    ٢. عدم الكشف عن المجازر التي حدثت في دارفور والمسؤولين عنها.
    ٣. طي ملف مجزرة القيادة وإعدام كافة الوثائق والمستندات.
    ٤. مشاركة الحركات المسلحة في جهاز الأمن وان يكون نائب المدير عبد العزيز عشر الأخ غير الشقيق لجبريل إبراهيم.
    ٥. قيام تحالف استراتيجي بين الحركات المسلحة والدعم السريع.
    ٦. دمج قوات الحركات المسلحة في الدعم السريع وليس الجيش .
    ٧. أن تبقى قوات الدعم السريع مستقلة وبنفس قياداتها .
    ٨. عدم تسليم الحكم للمدنيين كما نصت الوثيقة الدستورية واستمرار البرهان رئيسا .
    ٩. السيطرة على قوى الحرية والتغيير .. وفى حالة عدم التمكن من ذلك استبدالها بآخرين .
    ١٠. الغاء لجنة إزالة التمكين وقراراتها .. وتمليك كل ما إعادته للشعب ، للحركات المسلحة والدعم السريع .
    ١١. ادخال حميدتي وشقيقه ومرشحين الحركات المسلحة في مجالس إدارات شركات الجيش .. وتمليك حميدتي ٣٠٪ من منظومة الصناعات العسكرية.
    ١٢. إطلاق سراح كافة المعتقلين من قبل نظام البشير بالتدرج واعادة الاموال والممتلكات . واستغلال قواعدهم في التأييد والدعم
    وفك العزلة
    —————————————————-
    يا كاتب المقال اتظننا بهذا الغباء والسذاجة لنصدق خزغبلاتك هذه…..!!!! اكتب كلام معقول بتبلع

  3. لماذا ؟ ما يتم الاتفاق عليه بين طرفين وما يدون على الورق كمخرجات لتلك الاتفاقية، تحاط بدرجة عالية من السرية، ولا يبوح به أحد الطرفين، ربما – قدر يسير منها تتسرب الى الاعلام ؟ فبافتراض أن الاتفاقية لصالح الطرفين (الدولتين)، لماذا لا تصارح به شعب الدولتين للالمام بها، أو اذ استدعت الضرورة اجراء استفتاء عام لقياس الرأي عليها بالموافقة أو الرفض من عدمه ؟ وهل هؤلاء الذين يبرمون تلك الاتفاقيات مفوضون حقا من قبل شعوبهم ؟ فلتاريخ اليوم، هل هناك ارشيف موثق واحصائية مركزية دقيقه، لما تم من اتفاقيات وتعاهدات تمت بين السودان وجهات خارجية، فما هي النسبة التي سرت لصالح السودان، بنفس القدر ما هي التي أخفقت ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..