
مواصلة لما إنقطع من حديث في المقال السابق ، تحت عنوان ( انقلاب العسكري مغامرة… ولكنها محاولة ) ، ليتنا ندلف سويا الى ردود الإفعال الداخلية ، وبحصافة القارئ نترك مساحة للتحليل والإستنتاج ، ونكتفي فقط بإيماءات علها تكون مقدمات لقادم الأيام من أحداث وحديث ، لأن الأفعال بحجم إنقلاب عسكري لتغيير نظام حكم له ما له من مدلولات على المستوى المحلي الداخلي والإقليمي والدولي وبالذات يعقب ثورة شعبية مهرت بالدماء والشهداء وبعد عامين ونيف لم يعرف ذوي الشهداء والشعب القاتل الحقيقي.
يوم الثلاثاء المنصرم ، وبمجرد إن تم إعلان فشل المحاولة الانقلابية ، بدات الأحزاب السياسية المشاركة في الفترة الانتقالية التشكيك في عقلنة فكرة الانقلاب وكذلك أصدرت بياناتها مستنكرة محاولة الالتفاف على الفترة الانتقالية والانتقال الديمقراطي ، حزب البعث كان اول الذين أصدروا بيانا وضحوا فيه عدم وقوفهم وراء الإنقلاب الفاشل وتهكموا على من إتهمهم بالضلوع والمشاركة في الانقلاب ، وتوالت من بعد بيانات تجمع الاتحاديين وحزب المؤتمر السوداني وبقية التكوينات الحزبية المشاركة ، ومن المشاركين في التنديد بالانقلاب كأفراد بارزين في الساحة السياسية محمد الفكي سليمان ووجدي صالح ومحمد وداعة ومريم الصادق وسلك كل تحدث بلغته وقدر ثقله السياسي وتمت الإشارة بأصبع الاتهام الى أن النظام الفائت وفلوله هم من كانوا وراء الانقلاب ، ذلك تزامنا مع نقل المتورطين في الانقلاب الى منطقة عسكرية بغرض عمل التحقيقات التي ستكشف الجهات التي تقف وراء المحاولة وكذلك إن كان هناك دعما خارجيا من عدمه، مشكلة شرق البلاد والتي يصطنع شروط حلها الناظر / ترك لم تكن في مجملها شروط تخدم قضايا شرق البلاد ونقلها من حالة التهميش الى ضوء عدسة الإهتمام وكذلك لم تكن بالقوة التي تحرك قوات المدرعات والمهندسين لغزو ومحاولة احتلال مقر القيادة العامة ، لكن المتابع للسجالات بين سياسيي اليوم يلحظ ان الازمة تكمن في داخل مكون الشراكة بين المكونين المدني والعسكري ، وكل يعزي الوهن والفشل في الأداء للطرف الآخر ، المدنيون يتهمون الجانب العسكري بعدم الجدية في ضبط الانفلات الأمني والى عدم تصفية القوات النظامية من الموالين للنظام السابق وكذلك الى عدم إتباع المؤسسات الاقتصادية العسكرية الى الحكومة ممثلة في وزارة المالية وبنفس القدر يتهم المكون العسكري الشق المدني بعدم الجدية في رفع المعاناة عن المواطن السوداني وإتهامهم بالصراع على كراسي السلطة .
كان الأجدر والإكثر قبولا أن يكون الناطق الرسمي موحدا وان تتمركز مضامين الرسالة على أهمية وحدة الصف وراء شعارات الثورة والاشادة بيقظة الجهات الأمنية في كشف مخطط الانقلاب قبل البدء في خطوات تنفيذ الانقلاب ، أما بالنسبة لقصور اي طرف من الإطراف المشاركة في الفترة الانتقالية أن يتم تلافيه ووضع خطط جريئة لمعالجته بعيدا عن منصات الأعلام لزيادة قلق المواطن على مستقبله ومصير البلاد من مزالق التفتت والتشرذم والصراع المناطق والقبلي،كما نحذر كل الأطراف الحاكمة من سوء قراءة الواقع السياسي والتعويل عليه .
في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة في عمر الفترة الإنتقالية ، علينا ،وعلى كل طرف أن يحدد واجباته المنوطة به والواجبة عليه لتعبر سفينة الوطن بسلام ، دون أن نخسر وحدة التراب والوطن ، دون أن يتشظى النسيج الاجتماعي تحت معاول القبلية والإثنيات والجهويات على وقع طبول عنتريات سياسية وتعميق أزمات إحتمل أثرها الشعب وهو يلوك جمر الصبر وقسوة الأمل السراب .كما على الالة الاعلامية ومنابرها ان لا تضخم العناوين المثيرة بهدف الجذب والربح ،سلامة الاوطان في سلامة الأقلام وفي قدرة الإعلام القضية الأم السلام والعدالة والحرية في ظل نظام حكم معافى .
على المكون المدني وحاضنته السياسية ( قحت والخارجين عليها) التفكير بجدية ومسؤولية وجرإة وتجرد ، أن يعمل على تكوين حكومة تكنوقراط ، لمعالجة كل سلبيات الفترة الانتقالية في مجال العمل الاقتصادي بعيدا عن المحاصصات الحزبية التي أودت بكل الآمال في الفترة الانقالية ، على أن يعود المشاركين الى قواعدهم الحزبية لتهيئة المسرح السياسي للفترة الديمقراطية المأمولة، كما أن للحركات المسلحة دور هام في العودة لمناطقهم التي حملوا السلاح بحجة تهميشها في فترات الحكم السابقة للعمل على عودة النازحين والمهجرين للمشاركة في الديمقراطية القادمة والمشاركة في التنمية في ظلال الحرية والسلام والعدالة والواجب عليهم حراستها بالبندقية التي على اكتافهم ، كما على المكون العسكري المحافظة على ثورة الشعب وإعادة الأمن الى سابق عهده حتى يطمئن الشعب الى سنده وظهره قواته المسلحة وقواته النظامية الأخرى بمختلف تشكيلاتها وهو مفوض امره لها بالحفاظ على وطنه وأرواحه وممتلكاته..
نرى ان تعدد المحاولات الانقلابية ، دليل لعدم صحة الفضاء السياسي السودانيه عموما ، تعتريه كثير من المشكلات ، عدم رؤية واضحة لحل مشكلات البلاد المزمنة ، أن المراهقة السياسية هي المرض العضال الذي يشخص كل سياسيينا دون إستثناء ، وداهية الدواهي أن سياسيينا يلدغون من الجحر الواحد ألف مرة دون جدوى ولا عبرة ، منذ الاستقلال ونحن في غمرة الانقلابات دون أن ننجح في إحياء تجربة ديمقراطية يتم فيها تبادل السلطة في سلام.