(قبل فوات الأوان) ثلاثة ملفات لتصفير المشكلات العالقة بين الخرطوم والقاهرة

تقرير ? رانيا الأمين
يأتي التزام السودان بمخرجات الاجتماع الرباعي الذي انعقد بالقاهرة مؤخراً، استكمالاً لنهجه في الحفاظ على علاقاته مع مصر وتحقيقاً لخطته الرامية لتصفير المشكلات الخارجية، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الأزمة المكتومة بين الجانبين لا تزال مستمرة. وبحسب قراءة الموقف فإن هنالك (3) ملفات بين البلدين حلها بيد القاهرة، وذلك لتجاوز حالة الجمود في العلاقات بين البلدين، وفي مقدمة هذه الملفات قضية حلايب، حيث ظل السودان يؤكد بالوثائق على أنها أرض سودانية مع إبراز رؤيته بوضوح في الحفاظ على حقه التاريخي في المثلث.
ويقول الباحث في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا ياسر عثمان إن قضية حلايب أحد أهم أسباب التوتر بين الخرطوم والقاهرة بسبب احتلال الأخيرة للمنطقة على الرغم من أن كل الوثائق والخرائط تؤكد تبعيتها للسودان، معتبراً أن القاهرة تريد تطبيق سياسة فرض الأمر الواقع على المثلث من خلال محاولة استمالة السكان عن طريق توفير الخدمات، وأضاف قائلاً: ?السودان يمتلك بيده أوراقاً يمكن أن تغير من قواعد اللعبة إذا ما رغب هو في ذلك، مبيناً أن تقديم السودان بصفة دورية شكوى للأمم المتحدة ليس من باب المصادفة، بل هي وثائق يمكن الاحتجاج بها عندما يحين وقتها.
محاولات القاهرة المتكررة للتدخل السالب في علاقات السودان الخارجية تهدف بحسب قراءات المراقبين إلى استعداء الآخرين ضد السودان والإضرار بمصالحه. ومن خلال متابعة مجريات الأوضاع بين الخرطوم والقاهرة يتضح أن استراتيجية الأخيرة ترتكز على محاولة إضعاف السودان وإنهاك مقدراته حتى لا يكون نداً لها في حل قضايا المنطقة، ويبدو ذلك من خلال محاولاتها إشغال الحكومة بصراعات وحروب داخلية، وليس ببعيد عن الذاكرة محاولاتها الإبقاء على العقوبات الأمريكية ودعم التمرد بالتنسيق مع اللواء خليفة حفتر بغرض إرسال رسالة للعالم بأن السودان مازال منطقة حروب وإرهاب حتى لا يتم رفع الحظر عنه.
تطور العلاقات بين الخرطوم وواشنطن جعل القاهرة تستشعر بالخطر عقب الخطوات المتسارعة التي مضت في تعزيز العلاقات بين البلدين عقب قرار رفع العقوبات، الأمر الذي زاد من خشيتها في أن تتجه واشنطن إلى السودان للتوسع في القارة الأفريقية لما يمتلكه من عمق أفريقي يؤهله لذلك. ويمكن هنا الإشارة إلى اعتراف مجلس الشيوخ الأمريكي بتراجع الدور المصري في المنطقة والتلويح بصعود دول أخرى، ودعوته إلى تخفيض المساعدات، واصفاً القاهرة بأنها أصبحت دولة تبتلع المعونات.
وذكر مجلس الشيوخ خلال مداولاته بشأن مصر أنها أصبحت دولة تسهم بشكل ضئيل جداً في ما يتعلق بأمن المنطقة، وأن دور مصر في الشرق الأوسط تغير في هذه الفترة، إذ لم يعد لديها دور في حرب اليمن أو في الصراع في العراق أو سوريا، وأشارت مداولات مجلس الشيوخ إلى أن وزن مصر في المنطقة تضاءل جداً.
أكثر ما يزعج الشعب السوداني هو أن القاهرة لا تزال تضع الملف السوداني ضمن الملفات الأمنية والاستخبارية وليس الاستراتيجية والسياسية، ولاتزال تتعامل مع السودان بعقلية التابع، الأمر الذي فسر عدم سعادة القاهرة بقرار رفع العقوبات عن السودان وكذلك الحوار الوطني الذي جرى في الخرطوم ولم تسهم في تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة السياسية، شأن كثير من الدول العربية والغربية والأفريقية التي لعبت دوراً في إنجاح الحوار الوطني ودعمه.
وليس بخافٍ أن مواقف السودان الإيجابية من ملف سد النهضة أثارت غيرة القاهرة التي لم تتصور أن يكون للسودان موقفاً يراعي مصالحه الاستراتيجية بتأييد بناء السد بعد إدخال التعديلات التي طالب بها على جسمه، كما حاولت إبعاده عن المفاوضات إلا أن السودان ظل متمسكاً بحقوقه في مياه النيل.
وأشارت مجلة ?فورين بوليسي? الأمريكية المتخصصة في الشؤون السياسية في تقرير لها، إلى أن السودان لاعب مهم في مفاوضات سد النهضة، وقالت إن استخدام السودان لكميات أقل من حصته من مياه النيل التي كفلتها له اتفاقية 1959 لسنوات عدة، سمح لتدفق المياه إلى مصر التي استخدمت أكثر من حقها في مياه النيل.
وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أن هذه المسألة كانت تختمر منذ سنوات، إلا أن مصر تجنبت التعامل مع الآثار الحتمية على المدى الطويل للمشروع، وهي تعلق ببساطة على المعاهدة التي دامت عقوداً، والتي تمنحها حصة الأسد من موارد النيل.
ودعت الباحثة المستقلة في السياسات المائية لحوض النيل ومؤلفة الكتاب الأوّل حول سدّ النهضة بعنوان ?سد النهضة وحوض النيل?، آنا كاسكاو، في ذات التقرير: ?إلى أن العام المقبل سيكون عاماً حاسماً، مشيرة إلى إنه ينبغي أن يكون ذلك بمثابة دعوة للاستيقاظ السياسي، من أجل اتخاذ إجراءات فورية لاتخاذ قرار مشترك بشأن مسألة تعبئة السد. وقالت إن السودان سعى في السنوات الأخيرة إلى زيادة استخدام المياه الخاصة به، بهدف تعزيز قطاعه الزراعي ولأنه يأمل في استخدام السد في الري، مبينة أن ذلك جعل السودان قريباً من إثيوبيا وأصبح مؤيداً للمشروع، الأمر الذي يجعل معاداة مصر للخرطوم مناورة خطيرة بالنسبة لمصر، محذرة من خسران مصر للسودان، التي تعتبر الدولة الوحيدة التي لديها اتفاق لتوزيع المياه معها، إضافة إلى أنها الدولة الوحيدة التي تشكل تهديداً كبيراً لتدفقات المياه إلى مصر، نظراً لإمكانات الري العالية التي من شأنها أن تكون بالغة الخطورة على مصر.
بينما ذكر خبير الشؤون الأفريقية بمجلس العلاقات الخارجية، إستيفن كوك، أن التوترات الحالية خطيرة وحقيقية وأكبر مما كانت عليه، وقد تصل ذروتها.
لا شك أن العلاقات بين الخرطوم والقاهرة تمر بكثير من المنعطفات هبوطاً وصعوداً بسبب الملفات سابقة الذكر، وهو ما يتطلب من مصر أن تعيد قراءة مواقفها المرتبطة بالسودان برمتها، وذلك في سبيل إيجاد علاقة طبيعية قائمة على احترام سيادة السودان وأفراد شعبه وسعيه في إقامة علاقات خارجية دون أي محاولات للتدخل في شؤونه الداخلية.

اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..