مقالات متنوعة

ورحل (البلوم) … حزيناً … كسيراً … واحسرتاه

علي العبيد 

و كأنه مكتوبٌ على مبدعينا أن يموتوا حزانى ، ضايعين ، مهمَلين ، منكسرين ، بائسين حد العدم .. يعوزون الدار التي تجمع أبناءهم ، و الطعام الذي يسد رمق عوائلهم .. والدواء الذي يخفف آلامهم ..
مات قبل فترة عثمان مصطفى وآخر صورة رأيناه فيها كانت تقطّع القلب .. هيكل عظمي في غرفة بائسة تنبئ عن فقر وجوع وألم .. و كأنه أحد لاجئي المخيمات ..
نُشرت صورة لعبد الرحمن عبد الله في آخر أيامه تجعلك تبكي عليه (حياً) بدموع من دم .. تموت قبله ، أسفاً عليه ، وأنت تقرأ أن صاحب البيت يهدده بالطرد ، وهو عاجز عن تحريك رجليه ، يجلس على كرسي متحرك يلف حول رقبته سبحة هي آخر الخيوط التي تربطه بربه ، بعد أن تقطعت كل خيوط الزيف والكذب والرياء التي كان يعلقها حول عنقه المعجبون ، الذين إنصرفوا عنه عندما خفتت الأضواء وخمد البريق … وأصبح ذا حاجة ، تقطعت حبال الفرح والحبور والإمتاع التي كان يغزلها بسخاء وينثرها على الجميع ، وبعد أن إمتصوا رحيقه الحلو حتى آخر قطرة .. رموه على قارعة الطريق عند أول منعطف .
أي أمةٍ هذه بالله عليكم التي يموت فيها الجابري هائماً في شوارع الحي وهو ينتعل (سفنجة) ، أي أمةٍ هذه بالله عليكم التي يموت فيها عثمان مصطفى وهو بنتظر المحسنين ليوفروا له الدواء ؟ أي أمةٍ هذه بالله عليكم التي يموت فيها عبد الرحمن عبد الله وهو مهدد بالطرد من منزل متواضع لعجزه عن سداد الإيجار ؟ أي أمةٍ هذه بالله عليكم التي يموت فيها أبو عبيدة حسن في منزل عشوائي على تخوم العاصمة مثل المشردين ..
إن هذه لأمةٌ يستحي الإنسان من الإنتماء لها لأنها أمة بليدة ، عديمة الوفاء ، ميتة الأحاسيس ، ناكرة للجميل ، والأدهى وأمر ، أنها طويلة اللسان ومنفوخة على الفاضي ، أمة كل أمجادها أكاذيب وغرور وطاقية (مشنّقة) ودوبيت (نحن ونحن ونحن) وفي الحقيقة (لا  أنتم ولا  أنتم ولا  أنتم) .. وكأن المتنبي قد قصدها بقوله (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم) ..
إن عزاءنا الوحيد هو أن الله قد أخرج من أصلاب هذه الأمة الميتة الضائعة شباباً وشاباتٍ فجروا لنا ثورة سياسية راقية ، ونتوقع أن يصنعوا لنا ثورة في كل شيئ تكنس الخمول والبلادة (والتناحة)(واللطاخة) التي تجري في شرايينها مجرى الدم ، وتخلق واقعاً جديداً غير هذا الوضع البائس المزري في كل شيئ ..
و ما يحير الإنسان (ويقرفه) حد الغثيان ، هو أن أدعياء الفضيلة من المسئولين وأدعياء عمل الخير لا يمدون يد المساعدة إلا بعد أن تبلغ الروح الحلقوم ، ويحرصون على نشر صورهم في وسائط الإعلام وهم يتباهون بما يقدمون لإنسان مسجّى على فراشه البائس وهو ينتظر من يلقنه الشهادتين ، مثلما فعل الكاردينال مع عثمان مصطفى ، ومثلما فعل البرهان مع عبدالرحمن ، ومثلما سيفعل حميدتي أو أسامة داوود غداً مع أحدهم وهو في آخر أيامه .. لتصبح الصورة عاراً على من بحث عنها لزيادة مجده ..
و ما يقطّع نياط القلب أن (قونة) واحدة يمكنها الآن أن تبني منزلاً بنقطة شهرين وهي تردد (هيييي دي ماااااالا) ، وأن مغنياً واحداً يعيش على أغاني من سبقوه من مبدعين يركب سيارة آخر موديل وأصحاب أغانيه يقاسون الجوع والفقر .. ويسكنون في قاع المدينة في منازل من صفيح ، أو من طين في أحسن الأحوال .
خروج :
أرجو المعذرة في أن أستعير عبارة الأديب سيد أحمد الحاردلو .. أرددها في لحظة إنكسار : (ملعون أبوكي بلد) .. أقول قولي هذا وأنا أتساءل : أين وزراء الثقافة والإعلام في هذه البلاد ؟؟؟!!!! .
عبد الرحمن .. أرجو أن تسامحني يوم أن ألقاك أمام الله .. وأقول لك وأنت في عليائك : أنا خجلان من نفسي .. وهذا كل ما أملك .. وأعتقد أن هذه محمدة لي ، لأنني من أمةٍ لا تخجل .. ولترقد بسلام بعد أن : (إتفكفكت من وحل البدن والطين) كما فعل الراحل محمد سالم حميد على لسان الشاعر محمد بادي ..
ألى اللقاء يا عبد الرحمن ..

[email protected]

تعليق واحد

  1. في البداية اترحم لبلوم الغرب .وربنا يرحمه ويجعل مثواه الجنة .امين. حقا شي صادم ومؤلم لمطربينا العظماء ان تصل بهم الظروف لتك الحالات المحزنة.في حين في البلد هناك من يعبث افراد بامواله ومقدراته ويستولون عليه من غير وجه حق ومبدعبنا يموتون جوعا وفقرا واذلالا؟ حقا يابلد فدت رجل عظيم كان صوته بحه سلام وابتسام ورعة كلام لانسان رحيف فنان؟
    خت الجبال غربا…. ود بندا……ادوني سندا…
    هكذا يرحل العظماء ويبقي التافهين امثال البرهان وحميرتي وهم يحتكرون علي كل اقتصاد السودان شركات بميئات المليارات والذهب ويموت المبدعين من ابناء بلادي لايستعون ان يجدو حتي مكان يزلون به؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..