مقالات وآراء

حميدتي البرهان جبريل مناوي أبناء واقع غياب الأقلية الخلاقة

طاهر عمر

يعد أرنولد توينبي واحد من أعظم المؤرخيين في القرن العشرين ويعد إبداعه علامة فارقة حيث يرصد لنا في مسألة التحدي والاستجابة روح نظرته ونظريته في كيفية عبور الشعوب بل الانسانية كافة في مغامرتها الكبرى ويخص الأقلية الخلاقة بالدور العظيم الذي تلعبه في خلق الافكار التي تساعد في الاجتياز ويجب ان نلفت الانتباه لأهميته كمؤرخ ومسألة التحدي والاستجابة كانت الشغل الشاغل للمفكريين الى أن ظهرت على مسرح الأحداث مدرسة الحوليات في مقارباتها الرائعة حيث كانت المخرج من أزمة العلوم الأوروبية وقد أبعدت كثير من المفكريين من مسرح الاحداث في مقدمتهم أرنولد توينبي نفسه وماركس كمؤرخ قد أثرى الفلسفة المثالية الألمانية وقد أوصلته الى أن يكون غائي لاهوتي ديني في ايمانه باطراد العقل و التاريخ .
ومن حينها لم يعد ماركس وماركسيته الأفق الذي لا يمكن تجاوزه بل قد صار فيلسوف عادي يجلس مع بقية المفكريين ولا يفوق جان جاك روسو ولا غيره من الفلاسفة بل قد أصبح أشهر وجه لأفشل اقتصادي . وحتى نربط مسألة الأقلية الخلاقة في أي مجتمع بدورها الرائد كما صوره أرنولد توينبي وصدقا لنظرته نجد أن مفكري مدرسة الحوليات تجسد أقلية خلاقة قد استطاعت أن تتجاوز أفكار توينبي وماركسية ماركس وعبرت نهر الكساد الفكري الذي جسدته أزمة العلوم الأوروبية وسارت نحو أفكار جديدة ارتكزت على دراسة تاريخ المجتمع وتاريخ اقتصاده في دراسة تهتم بالمدى القصير والمتوسط والطويل وقد أطلت على مباحث جديدة من أروعها مسألة تاريخ الذهنيات وكيفية رصد مسألة تحول المفاهيم وهذا مدخل مهم لنقل فكرنا في السودان ومهم جدا لأن ما خلفته مدرسة الحوليات الى اللحظة مسألة أهمية التفكير النقدي بعكس ما سائد في ساحتنا و نخبها وإجادة التركيع.
ونجد أن مدرسة الحوليات قد أطلت على مسرح الفكر في تزامن مع لحظة الكساد الاقتصادي العظيم عام 1929م وقد دعت المفكرين الى اعادة النظر في أفكار كل من ماركس وأرنولد توينبي وغيرهم من الفلاسفة لمن يريد أن يعرف أكثر عن من أبعدتهم مدرسة الحوليات من مسرح الاحداث ومن أبعدتهم عن مشهد الفكر وكانت أول تلبية لدعوة مدرسة الحوليات للنخب في العالم كانت جهود جون ماينرد كينز وظهور النظرية الكينزية ولو دققت النظر بأن مدرسة الحوليات في دراستها لتاريج المجتمع وتاريخ الاقتصاد قد وصلت لما وصل إلية ماكس فيبر لنقده للماركسية ومسألة التركيز على البنى الثقافية بعكس ماركسية ماركس .
ومن هنا نجد أن ماركسيي السودان وأصدقاءهم حتى اللحظة لم ينتبهوا لمسألة علاقة الفرد في صراعه مع مجتمعه حيث ينظمها إفتراض مهم وغائب عن عقلنا السوداني هو مسألة عقلانية وأخلاقية الفرد وهذه العقلانية والأخلاق ما يفتح على أدبيات المعادلات السلوكية ودورها في ترسيخ معادلة الحرية والعدالة القائمة على ميثاق حقوق الانسان وقيم الجمهورية . وقد إحتاجت مدرسة الحوليات لثلاثة عقود حتى تستطيع أن تحقق نجاح قد وصل الى أشهر الجامعات كجامعة السوربون وبعدها إختفت أفكار المنهجية التاريخية التي ما زالت أفكارها مسيطرة على ساحة الفكر في السودان .
ونجدها روح جهد مؤرخيين سودانيين كثر لم ينتج من إصرارهم على المنهجية التاريخية غير الكساد الفكري وأسواء من ذلك كنتيجة لسيطرة المنهجية التاريخية على دارسي علم الاجتماع والمؤرخيين السودانيين غياب التفكير النقدي من جهودهم الفكرية لذلك تجدهم في تبجيل للفكر الماركسي بشكل يوضح لك بأنهم من ضمن من يمكنك وصف كل واحد من بين صفوفهم بالمثقف المنخدع بماركسية ماركس كما يقول ريموند أرون في وصفه للماركسيين الذين قد ذهبوا للحزب الشيوعي قبل أن يذهبوا الى الكتب وقد تمكن منهم الفكر الغائي اللاهوتي الديني .
وقد أصبحوا في مستوى واحد في انسداد أفقهم الفكري مع أتباع أحزاب وحل الفكر الديني وقاسمهم المشترك الأعظم ايمانهم بالمطلق في زمن النسبي والعقلاني واستعدادهم الدائم للخنوع كما رأينا خنوع أتباع أحزاب الطائفية والحركة الاسلامية والسلفيين لمولانا والامام والمرشد وهل لاحظت أيها القارئ تبجيل الشيوعي السوداني للأستاذ في قول بعضهم عن عبدالخالق أستاذنا بما يوحي لك بأنهم لا يختلف تبجيلهم له كما يبجل أتباع الامام ومولانا والمرشد في الأحزاب الطائفية كل على طريقته في تبجيل إمامه وبعد كل ذلك يتحدثون عن الديمقراطية التي لا تعني غير انتصارها للفرد والعقل والحرية. وبالمناسبة تبجيل النخب السودانية لمولانا والامام والمرشد والأستاذ قد فتحت الباب للجهلول حميدتي محاولا أن يجعل لنفسه سبيل وهو يعشم في سند الادارة الأهلية والقبائل والعشائر والطرق الصوفية.
وبالمناسبة يرصد تاريخ الفكر أيضا اصرار برترند رسل على الوضعية المنطقية كاصرار مؤرخينا في السودان على المنهجية التاريخية وكان مصيره بأن فكره قد وصل لطريق مسدود ولا يختلف حاله عن ما ذكرنا كحال من وصفنا من نخبنا السودانية وقد رأينا كيف إنطبق عليهم قول عبد الله الغذامي في مسألة تقدم الشعب وسقوط النخب .
ها هو الشعب السوداني وقد أنجز ثورة قد نالت إعجاب أحرار العالم وها هي النخب السودانية في ضلالها القديم وأوهامهم فيما يتعلق بتقديم حلول نهائية كما رأينا أتباع الحركات الاسلامية وأحزاب الطائفة والسلفيين وقد غاصوا في وحل الفكر الديني ولا يختلف عنهم أتباع فكرة نهاية التاريخ وانتهاء الصراع الطبقي وها هي النتيجة حيث لم ينجز غير المحاصصة في حكومة أعقبت أعظم ثورة وهي ثورة ديسمبر العظيمة أما الحزب الشيوعي فأمره عجب فقد إلتقى مع الفلول والكيزان في هدف إسقاط حكومة ما بعد الثورة.
وهنا يتضح لك أيها القارئ لماذا قد وصلنا لطريق مسدود وفيه إنفتحت شهية كل من البرهان وحميدتي وجبريل ومناوي وكباشي ولا يمنعهم جهلهم من أن تكون لهم رغبة في أن يكون لهم شأن عظيم وهم ليس لهم زاد فكري يجعلهم في مصاف من يعول عليهم في بناء الاوطان ولكن غياب الأقلية الخلاقة هو ما يجعلهم يحسون بأن ليس هناك فرق بين أي ضابط عسكري وبقية مفكري النخب السودانية وهذا كله بسبب غياب دور الأقلية الخلاقة المفقود في الساحة السودانية وهو مفقود بغيابها وكيف يمكننا الحديث عن أقلية خلاقة وها هي أحزابنا الطائفية وأتباعها لا يخجلون عن أن يتحدث أحدهم عن طائفته بكل فخر وإعتزاز وعن إمامه وقديما ومنذ القرن السادس عشر قرن الانسانيين بلا منازع أيام ميشيل دي مونتين وهو سيد القرن السادس عشر قد أكد بأن أول بداية التعافي من أمراض الطائفية هو أن تنتقد طائفتك وتعافها وتعاف أفكارها وتهرب بكل ما أوتيت من قوة من إمامها ومرشدها ومولاها واستاذها وهذا هو الغائب بين النخب .
حينها يتأكد لك بأن زمن الإشراق والوضوح قد أطل ولكن للأسف في زمن المحاصصة والتكالب على المناصب وكل منهم لا يعاف إمامه ومولاه ومرشده واستاذه فثق أيها القارئ الكريم بأننا بيننا وبين الأقلية الخلاقة وأوان ظهورها فرقة وفي غياب الأقلية الخلاقة تظهر المحن والإحن مثل ما يفعل البرهان الآن بانقلابه ومحاولته البائسة لخنق الشعب السوداني بجهود قائد قبائل وعشائر تحت عنوان الادارة الاهلية والمؤلم من بين أتباعه من يفتخر بهم وأقصد ناظر البجة من يتحدثون فرنسي وروسي .
أملنا يكمن في أن الشعب السوداني قد جسد مقولة عبدالله الغذامي بأننا في زمن تقدم الشعب وسقوط النخب ها هو الشعب يطالب بالتحول الديمقراطي وها هي النخب عاجزة في أن تبلغ نصاب الأقلية الخلاقة كما تحدث عنها أرنولد توينبي وهنا نقول للشعب السوداني بأنك من تستطيع أن تقوم بالتغيير وليس النخب ولا القادة والمفكريين فانت فوق السلطة.
وبالمناسبة وجود عبد الله حمدوك كرئيس وزراء يصادف فكرة اليد الخفية التي قد تحدث عنها أدم اسمث بفضل حمدوك سوف تنجح مسألة التحول الديمقراطي وربما وجوده الآن يعطي أمل بأنه سيكون بداية ظهور الأقلية الخلاقة ولا أشك بأن حمدوك ربما يكون أول اقتصادي سوداني استفاد من الاقتصاد وآدابه في نظرياته الاقتصادية وتاريخ الفكر الاقتصادي حيث تنام العقلانية كما رأينا في أفكار ماكس فيبر وما حديث ماكس فيبر عن العقلانية إلا نتاج دراساته العميقة للنظريات الاقتصادية وتاريخ الفكر الاقتصادي فهل وضح لك بأن ذات يوم كان وصايا كثير من المنظمات الدولية ومراكز البحوث بأن يكون رئيس الوزراء اقتصادي؟ ربما تساعد دول العالم الثالث في الخروج من حالة المجتمعات التقليدية وها هو حمدوك بفعل اليد الخفية كاقتصادي يقود مسألة التحول الديمقراطي في غياب الأقلية الخلاقة.
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..