دستور الكتابة (3)

{ النَّمْل الأسترالي}
شكري عبدالقيوم
إنَّ الأستاذ محمد الأمين مصطفى، الذي على الصورة يجلسُ قُبالَتي وعلى يمين الأستاذ صلاح، هو من أعلنَه مركز عبد الكريم ميرغني كفائز بجائزة الرواية لهذا العام. وهو صديقي على كل حال حتى من قبل أن نلتقي كفاحاً. وأنا ها هُنا لأُزْجِي له التهنئة والتبريكات لهذا الإعلان بفوزه ما دامَ إعلانٌ كهذا يُشْعِرُه ببعض الراحةِ والمسَرَّة، وطالما هو يستمد منه بعض التقدير لذاتِه وشيئاً من الثقة بالنفس.
أقُولُ قولي هذا وفي شريعتي والمبدأ، أن ليسَ شرطاً ولا هو ضروري لتقييم نتاج أيِّ كاتب أن أعرف مضمون ما يكتب، أو الأقوال التي يُدَوِّنُها عن ذلك المضمون، لأنَّ هذا يتطلَّب قراءة كل ما كتب، وإنَّما يكفي، أساساً، أن أعرف كيف يُفَكِّر. لأنَّ كيفية التفكير بالنسبة لي تُؤَشِّر وبوضوح تام إلى البنية العقلية الجوهرية والطبع والمزاج والتركيبة النفسية، وإلى المستوى العام للذهن. ولأنَّ هذه الدلالات هي ملامح قدراته الذهنية وتقاطيعها، وهي تشكل الخامة التي تُصاغ منها كل محتوياته وكل منتجاته، وهي كالقواعد العامة والقانون لا تتغيَّر أبداً.
ومحمد الأمين، قبل كل شئ وفوقَ كل اعتبار، اسلامي رأسو عديل كده، بل من النوع الذي ينصب نفسه وكيلاً عن الله ووَصِيَّاً على الضمائر يوزِّع الاتهامات بالكُفْر والزندقة والشيوعية يميناً ويساراً على من يشاء. أذكر قبل سنوات أن الناقد الأستاذ شداد خرجَ على الناس عن لجنة محكِّمي هذه الجائزة وأفاد أن الأعمال المقدمة هذا العام ليسَ من بينها عمل يستحق الفوز وشُكْراً. فماذا لو آنَسَ محكِّمو هذا العام ما يكفي من الشجاعة في أنفسهم لقولٍ كالَّذِي قالَ شداد.
إنَّ الكتابة الروائية، هي عمل فلسفي وفكري محض، ومِنْ ثَمَّ لا دينَ لها ولا عقيدة موروثة ولا نظام أخلاقي أو قِيَمي سائد ولا مؤسسة قائمة ولا نِيَّة مُبَيَّتة وهي نزيهة تماماً على أنها غرضية بلا غرض، وليسَ بوُسْع كائنٍٍ من كان أن يتفلسف أو يفكر ما لم ينطبق ما يقول على ما يفعل انطباق الحافر على الحافر. وهكذا فإنَّ من حَدَّد لنفسه ديناً مُسْبَقاً ونظاماً فكرياً لا يخدعُ إلا نفسه إذا زعم أنَّهُ يفكر أو يتفلسف أو يكتب رواية، لأنو ده شعر ما عندو ليهو رقبة، ولو أصرَّ على ارتكابها سيجد نفسه في خاتِمة المطاف كالنمل الأسترالي كالطيب صالح الذي عاشَ عمره يملأ الدنيا ضجيجاً ويشغل الناس بالحداثة وبالفكر ثُمَّ صارَ إلى أن ختمَ سيرتَه ومسيرتَه بأن سقطَ السقوط الذي لا قيامَ بعده حتى قالَ بكل لزوجة الدنيا وبرودتها ;( واللهِ البشير ده كويس معانا. هو زول طيب ومتواضع وابن بلد ، وكُوَيِّس معانا يعني.).
إنَّ النَّمْل الأسترالي هو نمل كبير، فإذا انقسم إلى شطرين، تقوم معركة بين الرأس والذنَب. ويمسك الرأس الذنب بأسنانه، ويدافع الذنب عن نفسه بشجاعة بلَسْع الرأس. وقد تستمر المعركة نصف ساعة حتى يموتا أو يجرهما نملٌ آخَر.
“شُكْرِي”
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2954455408156198&id=100007753032117



