مقالات وآراء

الثورة السودانية الي أين؟!

علي محجوب النضيف

الوضع الماثل في السودان هو أمتداد لصراع الشعب السوداني ضد الإنقلابيين ودعاة الشمولية والدولة الدينية. فالدكتاتوريات التي أختبرها شعبنا أستمدت زادها وعصبها من نهج ثيوقراطي، بدأ بالطوائف الدينية (الختمية والانصار) وتطور بالإلتحاق بحركات الإسلام السياسي. أظهر التاريخ عبر قراءته، إستغلال العامل الديني في الصراعات السياسية، المعرفية، الإقتصادية والإجتماعية لخدمة أهداف أحكام العمل بنظام دكتاتوري قوامة القوات العسكرية، لمّا يحكمها من نظامها الخاضع للتراتبية الوظيفية في الطاعة والتنفيذ. تجربة المصرين في إدخال الجيش في النشاط الاقتصادي في عهد السادات في نهاية السبعينات لم يكن إعتباطاً ولكن جزء من سياسة تمكين وتوسيع الدور العسكري وتحكمه في العمل السياسي من باب الإقتصاد. طبيعة هذا النشاط الإقتصادي لإرتباطة بالمؤسسة العسكرية التي بها السرية المرتبطة بطبيعة العتاد والمهام القتالية والدفاع عن البلد، احدثت تعقيدات في نظمها وفي أسسها القانونية والسلطات التقديرية وعدم الشفافية، مما جعلها مرتع للفساد والمحسوبية. هذا الوضع تشكل في السودان بنسخ وتطبيق التجربة المصرية في عهد النميري وإزداد العوار في المسخ المكتمل التشويه في عهد الانقاذ والممتد الي الاَن. هذه التجربة زادت من تشوه الإقتصاد السوداني لأنها نشأة في فترة توطين النشاط الطفيلي المسمي بالاقتصاد الإسلامي الذي بدأه الأخوان المسلمين بعد مصالحة النميري في ۱۹۷۷م. ربط الاقتصاد بالقوات المسلحة وتوسيعه بدخول الأمن والمخابرات، أحدث زعزعة في ديناميكية السوق ومضاهاة للقطاع الخاص والعام الذي خصخص وربط برأسمالّي حزب المؤتمر الوطني والمرتبطين معه من مجموعات التوالي في القطاعات الانتاجية والتجارية المهمة حتي أصبح الوضع مغاير لإرتباط ذلك بقيادات هذه المؤسسات العسكرية والمتحكمة في مجري العملية السياسية وشكل السلطة والدولة.
الإنقاذ حللت الدولة ومؤسساتها ومكنت الجماعات الإسلامية غير المؤهلة فيها مما زاد تشوهها وعجزها من القيام بدورها في إنجاز المهام التخطيطية والتنفيذية.  الشعب السوداني ظل يناضل طيلة الثلاثين عام الماضية من أجل سودان يسع الجميع يوفر الرخاء والعيش الكريم. الواقع الاَن، المؤتمر الوطني وفلوله مازالت تسيطر علي مفاصل الدولة والحكم وكلما حدث في فترة الثورة وأتفاق الوثيقة الدستورية كان جزء من التخطيط الذي صاحب فترة إنهيار حكمهم وكيفية ضمان موقع في داخل التغيير القادم حتي إستعادة أنفاسهم والعودة بثوب جديد.
النظر للواقع من زاوية جديد ومختلفة
الوضع السياسي الاَن معقداً ولا مجال للتسويف والسماح بالرجوع الي الوراء الي ما قبل إنقلاب البرهان. اللجنة الأمنية في المجلس السيادي المنحل قطعت الطريق أمامها والحرية والتغيير بالإنقلاب المكتمل الإركان، الذي بالطبع يحاكم عليه القانون الجنائي السوداني لتغويض النظام الدستوري وخرق قانون القوات القوات المسلحة الذي اقسم عليه في الفصل الثاني في المواد (أ ) حماية سيادة البلاد والدفاع عن النظام الدستوري والزود عنه ،(ج ) تأمين احترام سيادة حكم القانون والحكم المدنى الديمقراطى.
القضية المهمة الثانية، الوثيقة الدستورية التي أوجدتها معادلة مختلفة من حيث السياق الزماني والحدثي والتدخلات الاقليمية والدولية،  أصبحت الاَن تتقاطع مع الاحداث التي تمت ولم تعد الرجوع لها حلاً للوضع الراهن. فالوضع يطرح التوصل لإتفاق جديد وفق المعطيات القانونية والثورية والمتغييرات من حيث الكيانات السياسية والمدنية. هذه الوثيقة صممت في إتجاه تنفيذ تحول ديمقراطي جزئ يتوافق مع الفكرة السابقة مع المحور، بالدخول في إنتخابات ۲٠۲٠ والحفاظ علي الجيش بدور أكبر في المعادلة السياسية. هذا الاَن أصبح غير واقعي وغير مقبول من شعبنا تماماً كما عبر عنها في ۲۱ و۳٠ أكتوبر ۲٠۲۱م.
الوضع الاَن يتطلب وثيقة تحكم فترة إنتقالية مدنية كاملة، قيادة اللجنة الأمنية وقيادات التمكين في الجيش خارج المعادلة ويمسح بهيكلته. سلام جوبا، لم يعد يتماشي مع بنوده الملحقة بالوثيقة الدستورية المحلولة وخاصة معظم القائمين عليها أتضح موقفهم الغير معلن من السلام الوطني الديمقراطي وقضية المدنية بإنضمامهم لمعسكر الدكتاتورية والانقلابيين. فأصبحت هناك حوجة لوثيقة سلام جديدة تخاطب قضية السلام من واقع مختلف يلبي الحقوق والعدالة لأصحاب المصلحة الحقيقية في المعسكرات والاصقاع المهجورة.
الإقتصاد المأزوم بسبب سياسة النظام السابق وسيطرت الجيش ومليشا الجنجود والطفيليين علي مفاصله هو ما استغل في هزيمة الثورة والرجوع بنا الي مربع البداية. الإنتاج هو الحل ويتطلب دور للدولة لدعمه مع إيجاد شراكة مع القطاع الخاص والمانحين لخطة التنمية من الحكومة الانتقالية. إبعاد الجيش من الاقتصاد والصناعة المدنية، يقلل من الفساد وإهدار الموارد وبالضرورة لا بد من تحكم وزارة المالية.
الواقع يقول لجان المقاومة، لجان تسير النقابات، المنظمات المدنية للنساء والشباب، منظمات المجتمع المدني وأحزاب وحركات ملتزمة بخط الثورة علي أن تكون هي عماد أي تشريع محلي وقاعدي يؤسس لمجلس تشريعي يحكم مراقبة وتنفيذ مهام الفترة الانتقالية من مفوضيات والتحضير الجيد لدستور مستقبلي للسودان.
۳۱ أكتوبر ۲٠۲

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..