مقالات وآراء سياسية

الغاء العمل بالوثيقة الدستورية مطلب ملح وعاجل لايحتمل التأخير

طارق الأمين علي

لا لأي هبوط ناعم والف لا لاي وساطة تعيد العسكر الى اي شراكة في الحكم المدني الديمقراطي ويجب ان نتعلم من تجاربنا ونتعظ من اخطائنا ونستلهم الدروس من المواقف وأن لانكرر الاخطاء نفسها التي افضت بنا الى مانحن فيه الان حيث ان مانعاني منه الان هو مردود طبيعي لحالة الضعف والهوان وانسداد الافق وانعدام الرؤية والتوجه لقوى الحرية والتغيير عقب الاطاحة بالنظام البائد وانها كانت غير قادرة على قراءة واستيعاب المشهد السوداني وتداعياته وماينبغي ان يصير وقتها و تركت الحبل على الغارب والجمل بما حمل للعسكر واللجنة الامنية للمخلوع وقتها كي تفعل ماتشاء .

حينما اذاع الفريق ابن عوف البيان الاول معلنا الانحياز للشارع السوداني كان العسكر في ساس ويسوس وقوات حميدتي تتأهب لغزو الخرطوم ومقولته الشهيرة (عمارات الخرطوم ستسكنها الكدايس ) وكانت اللجنة الامنية للمخلوع تعد في السيناريوهات المختلفة للوضع تمهيدا لاخراجها وكان الفلول على موعد وثقة بانها فترة محددة ترتب وتسوى فيها الامور والاولويات ثم العودة من جديد بقوة وشراسة للانقضاض على الثورة وشعاراتها – لم يكن امام العسكر واللجنة الامنية وقتها سوى الانصياع لصوت الشارع الهادر ليس ايمانا منها بقضاياه المشروعة والعادلة وطموحاته في الحياة الكريمة بل فقط للحفاظ على بعض المصالح الضيقة والمعتقدات الخربة والايدولوجيات الفكرية التي تجاوزها الزمن والتريث بعض الشيء انتظارا للعاصفة التي ستقتلع الاخضر واليابس نعم لم تكن شعارات الثورة تمثل ادنى ذرة من الاهتمام لدى العسكر وقتها وكان جل همهم هو القيادة والسيطرة على مقاليد الامور وخدمة مصالح الفلول الذين كانوا يطلقون التصريحات وقتها وثم ماذا بعد تسقط بس ؟ وكان البرهان ومن معه في ذلك الوقت ضباطا عظاما في منظومة المخلوع الامنية والعسكرية يدينون له بالولاء الاعمى والسمع والطاعة وبالطبع فان فطام امثال هولاء من الوهلة الاولى صعب للغاية
اشتد عود اللجنة الامنية وقوي ساعدها وهي تتغلغل في مفاصل الدولة وزادت مناوراتها كسبا للوقت مع تدخل قوى وجهات اخرى في الصراع المحموم للسيطرة على الوطن ومايتمتع به من ثقل ووزن افريقي وعربي واسلامي معتبر ومايذخر به من موارد في الوقت الذي كانت فيه مكونات قوى الحرية والتغيير التي تزعم بانها صنعت الثورة وقادت ونظمت مواكبها وقتها في اسوأ مراحل ضعفها الفكري ونضجها السياسي والمجتمعي وكانت فاقدة تماما للرؤية والتوجه والبوصلة التي تمكنها من السيطرة والتحكم لذا تمكنت اللجنة الامنية للمخلوع وبعض الجهلاء بدعم قوي من بعض المحاور الاقليمية من السيطرة عليها وتوجيهها نحو غاياتها وماتريد وماتخطط له وبعدها كان الميلاد والمخاض المتعثر مسخا مشوها سمي وقتها بالاعلان السياسي ثم الوثيقة الدستورية .

لم يقدم القادة العسكريين الحاليين للثورة اي شي غير ادعاء البطولة وانه لولاهم لما سقط النظام البائد ولما حدث التعيير وانهم شركاء حقيقيين في احداث التغيير الذي تم والدليل على ذلك ماحدث صباح الاثنين الاسود التاسع والعشرون من رمضان مع تباشير العيد الندية ومجزرة فض اعتصام القيادة التي حدثت امام بصرهم وعلى مرأى منهم والثوار يستغيثون بهم ويدقون ابوابهم لنجدتهم والة الموت والقتل والدمار تنهش في اجسادهم الضعيفة التي هدها التظاهر واشلاؤهم وجثثهم تربط بالحجارة ويلقى بها في النهر والحرائر يغتصبن في وضح النهار وعلى الرغم من ذلك يدعون انهم من صنعوا التغيير وانحازوا للثورة !! اي مشاركة هذه التي تقوم على جثث ودماء الشهداء وانات الجرحى وحرقة حشا الامهات وجرح الكرامة واغتصاب الشرف ؟ اي تغيير صنعتموه وناطقكم الرسمي وقتها يصرح علنا على رؤوس الاشهاد بانكم من فضضتم الاعتصام وحدث ماحدث – اي شراكة حقيقية ولجنة اديب لها الان اكثر من ثلاثة سنوات ولم تظهر اي نتائج للتحقيق ؟ اي شراكة تتمشدقون بها لولا بعض ضباطكم الاحرار الشرفاء الذين خرجوا عن الطوق ومن لعنة الوطن والتاريخ دفاعا عن الثورة والثوار في ذلك اليوم الاسود امثال البطل حامد الجامد ومحل الرهيفة تنقد
جاءت الوثيقة الدستورية وولدت ميتة تحمل عناصر اندثارها وفنائها في احشائها لأنها لم تقرأ المشهد السوداني جيدا ولم تستصحب مفرداته ولونيته ونكهته المميزة بروح سودانية خالصة ، جاءت الوثيقة غريبة عن الثورة وفكرها وادبياتها وعن روحها وشعاراتها واهدافها حينما اطلقت العنان للعسكر يتصرفون كيفما يشاءون وحينما منحتهم حق المشاركة في قيادة الفترة الانتقالية ورئاستها وحينما استبعدت قوى الثورة الحرة وحجبتها عن المشاركة في حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية وحينما افردت نصيب معتبر من الاستعلاء والتهميش والاستبعاد للقوى الوطنية الحديثة التي تحلم بسودان جديد مختلف تماما عن سودان مابعد اللجنة الامنية للمخلوع ونظامه المقبور ولعل ابلغ دليل على ذلك ماذكره نائب رئيس حزب الامة في برنامج تلفزيوني قبل الانقلاب الاخير بان الوثيقة تعرضت لتزوير من قبل ثلاثة شخصيات لم يسمها ومادار من لغط وجدل وعوار وماخذ قانونية حولها في ذلك الوقت ، وماحدث فيها مؤخرا من تعديل بعد اتفاق جوبا حيث اصبحت فقط وثيقة للمحاصصة والمجاملة والترضيات والمناصب والاستوزار ولم تعد وثيقة دستورية تصلح لقيادة بلد وتاسيس نظام حكم راشد فيه –ومجتمع مدني ديمقراطي متحضر – نعم جاءت الوثيقة خالية من المحتوى والمضمون والدلالة والاشارة -ومليئة بالتناقضات واشكالات التفسير والصياغة السليمة وتفتقد الكثير على النحو الذي يرسي دعائم وشعارات الثورة والحكم الراشد خلال هذه الفترة الحرجة في تاريخ بلادنا ولاعلاقة لها بالدساتير المنظمة لمقومات واساسيات الحكم الديمقراطي المدني.

مطلبنا الحالي العاجل والملح جدا هو الغاء هذه الوثيقة المعيبة بكل خطلها وعوارها ومآخذها الدستورية والقانونية والعودة مؤقتا للعمل بدستور سنة 2005 لشموليته لاسيما في الجانب المتعلق بالحقوق الاساسية والمواطنة والحريات ريثما يتم الفراغ من اعداد دستور دائم للبلاد بالاضافة لحكم ديمقراطي مدني راشد ينبني على ضؤ هذا الدستور يستلهم التجارب والعظات والعبر والدروس من ماحدث خلال الفترة الانتقالية وماانقضى منها .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..