مقالات سياسية

التوهان

اصحي ياترس – بشير أربجي
أصبح من الواضح بمعطيات الواقع على الأرض أن الانقلابيين لم يحسب الأمور جيداً قبل قيامهم بخطوتهم الانقلابية المشؤومة، ولم يقرأوا المشهد جيداً لا داخلياً ولا خارجياً، ولم تكن لديهم الخبرة الكافية لإنشاء مسار دستوري وقانوني وشعبي وحتى إداري يستوعب جريمة الانقلاب على الوثيقة الدستورية ، فأي شخص حصيف سوف يدرك أن فرصة نجاح أي انقلاب واستمراره أصبحت معدومة في السودان بعد إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة واقتلاعها للمخلوع البشير، نعم بامكان الشخص أن ينجز انقلابا ناجحا ولكن بالمقاييس الفنية فقط، بمعنى أن يسيطر على الإذاعة والتلفزيون ويعتقل الوزراء ورموز العمل السياسي ويعطل المؤسسات الدستورية ولكن من الناحية السياسية لن يستطيع التقدم قيد أنملة فى حكم البلاد، ويصبح أمر سقوطه واقعياً وفعلياً ومسألة وقت فقط ليس إلا، لم يدرك الانقلابيون تواضع مستشاريهم ووعيهم أن ثورة ديسمبر صنعت وعياً مجتمعياً بالديمقراطية والمدنية واحترام حقوق الإنسان، وأصبح ذلك ثقافة سارية حتى عند الأطفال.
الانقلابيون وبحكم أنهم أدوات لسواهم لم يفكروا كثيراً في ورطتهم التي ستحدث بعد الانقلاب، أيضا لم يفكروا جميعاً إلا في حماية مصالحهم دون التفكير في ردة الفعل الشعبية، ولم يفكروا بأن هناك شعب قرر أن يدافع عن حاضره ومستقبله بالغالي والنفيس وبكل ما عنده وأنه استدعى لذلك كل مخزون الجسارة والبسالة لديه، وعقد العزم على تحقيق كامل انسانيته وكرامته وشغفه ورغبته الحاسمة في صناعة الحياة ومستقبل يليق بجوهره وتاريخه التليد،
لم يفكروا أن الشعب السوداني بعد أن قدم تجربته الديسمبرية المذهلة للعالم يمكنه أن يتخلى عنها بكل هذه البساطة، فهي لم تكن لأجل كيلو سكر أو قطعة لحم حتى يتم التخلي عنها تحت وقع الرصاص وآلات القمع، لم يفكروا أن هذه التجربة الديسمبرية المدهشة لم تكن مجرد أناشيد وأغاني وإنما منظومة قيم وأهداف ومشروع حياة متكامل،
ولكن من أين لمثل هؤلاء أن يفهموا ذلك؟
فمنذ أن أذيع بيان الانقلاب تيقن الثوار بموته عاجلاً ام آجلاً وخرجوا للشوارع يعلنون ذلك، حتي بدأت ملامح الموت السريري لهذا الانقلاب تتكشف. ولم يجد حاضنة شعبية أو سياسية لهذا له، إلا الفلول (أكرمكم الله) الذين وضح أنهم لا يمتلكون القدرة لإنجاح أي مشروع سياسي، بل إن مجرد وجودهم فيه يعتبر عار وشهادة وفاة له، كذلك فقد سيطر الشعب السوداني تماماً على الأرض وترك للانقلابيين المكاتب والتلفزيون والاذاعة المحمية بالدوشكات والتاتشرات التي تحاول أن تبث الرعب فى الشوارع ولا تستطيع لرفض الشعب السوداني الأبي لها، ولم يجد الانقلابيون أي ثغرة بين القوى السياسية للنفاذ منها لشق الصف الوطني، فمن نعم الله على الشعب السوداني أن عملية الفرز تمت قبل قيام الانقلاب بذهاب كل من في صفهم مما أحدث عملية تنظيف ذاتي لصفوف الثورة من الطفيليات ولم يستطع الانقلابيون إيجاد أي شخص مدني مقبول لمنصب رئيس الوزراء ولا أي منصب ذي بال فأعادوا تدوير نفايات النظام البائد، وحتى الانتهازيين بكل عهد أدركوا بحسهم التسلقي أن هذا الانقلاب فاشل ولا مستقبل له بعد وقوف العالم المؤثر ضده، حتى الذين رعوه الآن يلعنون ورطتهم التي وجدوا أنفسهم فيها، والآن خطابات البرهان وحميدتي وجبريل ومن شايعهم توضح مدى المأزق الذي يعيشه الانقلابيون ولم يتبق لهذا الانقلاب إلا الدفن فقط وأصبحت المسألة وقت وإجراءات يستعد لها ثوار الشعب السوداني لإنهاء هذا الفصل من مسرحية الانقلاب عبر مليونيات الثالث عشر من نوفمبر والسابع عشر منه تاريخ إنتقال السلطة للمدنيين كما أنها للمصادفة تصادف للمفارقة تاريخ أول انقلاب عسكري بالسودان وستصادف الأخير بأذن الله.
الجريدة
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..