الجيش السوداني عقب تطور السودان

النور العباس
الناظر للانقلاب العسكري الاخير في السودان بقيادة البرهان يلحظ انه يختلف عم كل الانقلابات العسكرية في السودان لجهة حيث انه اول انقلاب لم تسبقه ازمة سياسية بين مكونات القوى السياسية تدفع احد الاحزاب لتحريك خلاياها في الجيش لتنفيذ انقلاب عسكري عندما تلتقي مصالح تلك الاحزاب مع العسكر في الاستيلاء على السلطة
الانقلاب الاخير هو اول انقلاب في تاريخ السودان يقوم الجيش بارادة ذاتية وبدون شراكة سياسية مع اي طرف سياسي بل العكس حاول الجيش هذه المرة ايجاد شريك مدني يوفر له غطاء سياسي وحاول شق قوى الحرية والتغيير للانقلاب عليها وبرغم انه استطاع شق حركتين مسلحتين وثلاثة اشخاص انصاف سياسيين وزعيم قبيلة نفذ لهم ماعرف باعتصام القصر او اعتصام الموز واغلاق بهم طريق الشرق واحدث اضرار بالغة بالميناء وساوم سياسيا لاول مرة بغذاء ودواء الشعب بالحصول على مواقف سياسية
كل هذه التحركات لم توفر الغطاء المطلوب وعندما حانت ساعة الصفر تجاوز الجيش كل هذه التكتيكات واصبح يبحث عن مبررات لاتمام الانقلاب الذي كان يعلم بحدوثه راعي الشان في الخلاء بسبب تخرش العسكر بالقوى السياسية بسبب وبدون سبب وخلال شهر واحد افتعل قادة الجيش اكثر من ثلاث ازمات لفض الشراكة اولها قفل طريق الشرق وثانيها اعتصام القصر وثالثها انقلاب البكراوي وتصريحات ود الفكي وابراهيم الشيخ حوله
اصبح الجميع مهيأ لاعلان الانقلاب حتى صارت عبارة دايرين بيان بالرهان تقال بصورة عادية في دولة تنشد التحول الديمقراطي
المشكلة الحقيقية هي انقلاب العقيد البكراوي التى عقد المشهد السياسي لان هذا الانقلاب كما ذكرنا يعبر عن ارادة الجيش الحقيقة وخوفه على فقدان سطوته وامتيازاته في المشهد السياسي في ظل تقدم مدنية الدولة وقطعها اشواط كبيرة في اتجاه التحول الديمقراطي وهو مايعني فقدان مكانة وامتيازات الجيش التاريخية المتوارثة منذ الاستقلال وهو السبب الحقيقي وراء دفع البرهان لفض الشراكة مع المدنيين للحفاظ على هذه المصالحه التاريخية
الجيش السوداني او على وجه الدقة ضباطه الكبار باتوا يشكلون نخبة اجتماعية تتمتع بامتيازات تفوق كل موظفي الدولة (سكن معاش سيارات وسلطة) وليس لهم استعداد للتنازل عندها مقابل تحقيق نظام ديمقراطي وتطور ونماء للشغب
مع تزايد شعور المؤسسة العسكرية بتقدم عملية التحول الديمقراطي تتزايد ضغوطهم على القيادة العليا التى لم تكن ترغب في القيام بالانقلاب طالما اصبحت لهم امتيازات رئاسية ولكن ضغط الدرجات الاقل التي باتت تشعر بخطر مستقبلها وضعت قيادة الجيش امام خيار الانقلاب العسكري علي المدنيين او الانقلاب عليهم هم ذاتهم
كانت القيادات العسكرية تنتظر قائد المدرعات البكراوي للعودة من علاجه بالقاهرة وحال وصوله انعقد موقف المؤسسة العسكرية بكامل منسوببها من القيادات العليا والوسيطة وبعد اكتمال الانقلاب وبلوغ لحظة الصفر تم استدعاء رئيس الاركان وذهب الي المدرعات بطائرة هليكوبتر وهذا امر غريب والتقي بقادة الانقلاب وابلغوه انهم يريدون ارسال رسالة للبرهان ورفاقه الخمس بانهم امام خيارين اما فض الشراكة مع المدنيين وقطع الانتقال الديمقراطي او اعتقالهم هم زاتهم وتنفيذ هذ الامر بواسطة البكراوي ولم يكن امام البرهان وزمرته غير الانصياع لكن كانت امامهم معضلة هي حميدتي واهمية ضمه لصفهم حتي لايعقد الامور بالاتفاق مع الانقلابيين وهذا رغم موقف بكراوي المعروف من الدعم السريع ولكن توازنات السلطة قد تفرض واقع يخالف القناعات الشخصية طالما تلاقت المصلحة العليا للطرفين وحضر حميدتي مع برهان لقيادة المدرعات وتعهدوا بفض الشراكة سويا
اصبح امر الانقلاب لا مفر منه وحاول البرهان القيام بمحاولات لاتمام الانقلاب بغطاء مدني يتمثل في تحيبد دكتور حمدوك المقبول محليا ودوليا ليضمن حيدة الشارع وليتجنب سيناريو العقوبات الدولية ولكن اصطدمت مساعي برهان وزمرته بموقف حمدوك الرافض لقطع الانتقال والعسكر لم يحسنوا قراءة شخصية الرجل الذي يبدو مهذب ومطيع لكنه كان اقوي واذكي من الجميع لان ما كان يعتبر طاعة هو ذكاء لاستمالة شريك نرجسي مستبد لايفهم اكثر من لغة الطاعة فحمدوك يحمل مشروع وطني ديمقراطي غير قابل للابتزاز ويهدف اول مايهدف لانهاء الانقلابات والتحول لدولة مدنية ديمقراطية
ازداد الامر تعقيدا عندما فشل كان الضربة القاضية لمخطط عقب فشل اعتصام القيادة وشق الحرية والتغيير واغلاق ميناء بورتسودان خروج مظاهرات ٢١ اكتوبر التي انهت امال البرهان في تنفيذ وعده للبكراوي ولم يعد امامه خيار غير الانقلاب الصريح على السلطة وهذا ماحدث فجر الاثنبن ٢٥ اكتوبر
كانت مزاعم البرهان غير مقنعة لشرعنة الانقلاب ليست في كونها غير متماسكة لكنها ضعيفة للغاية فالحديث عن فشل حكومة يراسها العسكر امنيا واقتصاديا يحسب عليهم وليس على المدنيين واتهام قوى الحرية والتغيير اقل مايوصف به انها حجة تقف بلا سيقان فكيف تدعي ان الشريك استفرد بالسلطة وحرم رفاقه منها ولم يسمع بفصيل من الحرية والتغيير اشتكي من الاقصاء كما ان جماعة الارادلة قد استحوذوا على قرابة ثلث حصة السلطة وهم حركتين واردول وتوم هجو
ورغم ان الجميع يعلم ان هذه الانقلاب في اعقاب ثورة مدنية عظيمة شهد لها العالم بمثابة انتحار سياسي لكن لم يكن امام البرهان هان خيار غيرها فحياته ومستقبله السياسي ومصالح الجيش اهم من الشعب ومصالحه
لهذا لم يفكر الجيش في عواقب الانقلاب المحلية والدولية لانها لاتعنيه في شيء طالما سيسترد السلطة
كانت رغبة الشعب في تحقيق التحول الديمقراطي بمثابة ترف لانها تحرم الجيش من رفاهيته قادته وحلفائها من بعض نخب المجتمع من الاثرياء والطبقات المرتبطة بهم تاريخيا
فمنذ الاستقلال ظل الجيش يهمن على الحياة السياسية والاقتصادية عبر شركاته بالتعاون مع حلفائه من النخب الاجتماعية الاخري للحفاظ على مصالحهم المتبادلة وقد كانت هذ الحالة عابرة للانظمة الشمولية وهكا مايفسر نظرية الدائرة الخبثة بان كل ثورة او نظام ديمقراطي يقطعه انقلاب عسكري لانه كما يوثر على مصالح قادة الجيش الذين يعتبرون انفسهم اوصياء على الشعب وحامين له برغم ان اجزاء من الوطن محتلة منذ عقود
الجيش تحالف مع كل الاحزاب الاستيلاء على السلطة طوال الحقب السياسية وبذهاب الحركة الاسلامية من السلطة لم يعد بالإمكان ان يتحالف معه حزب لان اغلب الاحزاب المشاركة في تحالف الحرية والتغيير الحاكم اصبحت على قناعة بان التحول الديمقراطي هو السبيل الي سودان متقدم
حتى البشير بخلفيته العسكرية وبعد ان اوصله الجيش للسلطة بالتحالف مع الاسلاميين فكر في ابعاد الجيش عن المشهد السياسي بانشاء مليشيا الدعم السريع لهذا الهدف وقام بتعزيز قدرات جهاز الامن ومنحه سلطات عسكرية قتالية كل هذا لمعرفته بمطامع الجيش المستمرة في السلطة
في اللحطة الاخيرة من عمر نظام البشير تحركت نزعات الجيش واستلموا السلطة لعدم تركها لقوى مدنية تهدد مصالحهم وكانوا يظنون انه بالامكان ترويض الشركاء الجدد وتمرير مخططهم بانهاء مشروع التحول الديمقراطي وعندما ايقنوا ان هذا غير ممكن في ظل الشراكة مع المدنيين كان الانقلاب حتمياً
بتخطيط دقيق اختطف المكون العسكري ملف السلام من المدنيين وابرموا شراكة خفية مع الحركات المسلحة التى بات قادتها يمتدحون عدوهم اللدود حميدتي ولان الحركات هم مليشيات عسكرية لاتومن بالتحول الديمقراطي التقت مصالحها مع الجيش في واد الحكم المدني وكانوا اكبر الداعمين للانقلاب وتنكروا لشركائهم في الحرية والتغيير وشاركوا في الانقلاب
وبالتالي تم تحويل احد شعارات الثورة السلام الي خنجر في خاصرة التحول الدينقراطي من اجل تحقيق مصالح النخبة العسكرية
من يظن ان الجيش سيتراجع عن انقلابه فليعد حساباته وليقراء التاريخ السياسي السودانى جيدا
وبنفس القدر اذا تراجع الثوار وقبلوا بقاع الانقلاب فلينسوا فكرة التحول الديمقراطي للابد وليتركوا على ارواح الشهداء ويطلبوا منهم العفوا على خيانة دمائهم
اذا هي الفرصة الاخيرة ليفهم العسكر ان دورهم في السياسة السودانية انتهي والي للابد