أين مصر من أحداث السودان الانقلابية؟

جمال محمد إبراهيم
(1)
الناظر العجل لحقيقة العلاقات بين السودان ومصر يرى بلدين ليسا فقط شقيقين، بل هما على علاقة توأمة افتراضية، جمعتهما فيها الجغرافيا كما التاريخ. لكنّ النظرة الفاحصة ترى أنّ ثمّة التباسات، على الرغم من حميمية تلك العلاقة، قد اعترت تلك العلاقة في تاريخها القريب. يرى سودانيون كثيرون، خصوصاً من جيل سنوات خمسينيات القرن الماضي وستينياته، أنّ بلادهم قد دفنت مدينة سودانية كاملة المعالم، هي مدينة وادي حلفا القديمة، تحت مياه بحيرة السد العالي، إكراماً لعيون مصر جمال عبد الناصر التي شيدت السد العالي في منطقة الحدود المشتركة بين البلدين. لكنّ مصر، في الوقت ذاته، في عام 1957 نراها تعلن سيادتها على مثلث حلايب السوداني. لجأ السودان إلى الأمم المتحدة، وبقيت شكواه ضد مصر على طاولة مجلس الأمن، معلقة منذ ذلك التاريخ من دون حسم. حين أعلن عبد الناصر قيام الوحدة مع سورية، تشكك مؤرّخون، مثل البريطاني ك.هندرسون الذي تساءل عن أيّ وحدة أنسب لمصر: مع سورية أم مع السودان؟ لمصر هنا، ثمّة أولويات ملتبسة.
ثم تقع على مصر هزيمة حرب يونيو 1967، فتهبّ الخرطوم لنصرة الزعيم العربي عبد الناصر، فتعجب العالم عن عاصمةٍ تهلل لقائدٍ مهزوم، قدم ليحضر قمة سياسية عربية في عاصمة السودان، غير أنّ الخرطوم لم ترفع معنويات مصر وحدها، بل معنويات الشعوب العربية جمعاء، عبر مؤتمر لاءات الخرطوم الثلاث الشهيرة.
روّج مبارك نظام البشير عام 1989 ثم حاول هذا النظام اغتياله عام 1996، وذلك وجه لالتباسات العلائق بين أنظمة الحكم في كلّ من السودان ومصر
لكن تسمع في 1996 عن محاولة فاشلة استهدفت لأوّل مرّة رئيساً مصرياً خارج بلاده. لم يكن وراءها إسرائيليون، أو حتى فلسطينيون ناقمون على اتفاقات كامب ديفيد التي أبرمتها مصر مع إسرائيل. بل كانوا أزلاماً من رجال نظام عمر البشير، خطّطوا للعملية نظرياً في الخرطوم، وفشلوا في تنفيذها ميدانياً في أديس أبابا. الرئيس المصري الذي روّج نظام البشير عام 1989 هو نفسه من عمل هذا النظام لاغتياله عام 1996، وذلك وجه لالتباسات العلائق في العقود الأخيرة بين أنظمة الحكم في كلّ من السودان ومصر.
(2)
ما حقيقة الموقف المصري الغامض من انقلاب الجنرالات في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ولماذا بدا الصوت المصري خفيضاً؟ وهل هي المرّة الأولى، أم أنّ ذلك مسلك بنيوي مُمنهج، تعتمده الدولة في مصر تجاه الدولة في السودان؟ لننظر في التاريخ القريب برهة، لنرى وجوهاً أخرى تعكس التباسات في نظر كثيرين بشأن علاقة البلدين.
كانت للشعب السوداني انتفاضته في 21 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1964، وأسقطت النظام العسكري الذي حكم البلاد من 1958 إلى 1964، وأسهمت الرتب الوسيطة في الجيش في إنجاح ذلك الحراك. تلك انتفاضة جرت وقائعها في سنوات ما قبل ثورات المعلوماتية والاتصالات والعصف الإلكتروني الذي اجتاح العالم الآن، وإلا حظيت بصفة أول موسم ربيع سياسي في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، قبل اشتهار ما عرف لاحقاً بثورات الرّبيع العربي، في عام 2011 وبعده. كان لدولة مصر موقفها الملتبس بشأن انتفاضة الشعب السوداني في تلك الحقبة، إذ كتب محمد حسنين هيكل في أسبوعيته “بصراحة” في صحيفة الأهرام، في 6/ 11/ 1964 مقالاً بعنوان “ماذا بعد في السودان؟” حمل تشكيكاً في انتفاضة السودانيين الذين يفترضون أن ما يكتبه هيكل لا يصدر إلا عن الصوت الرسمي للقيادة المصرية. شـنّت الصحف السودانية هجوماً كاسحاً على هيكل، وكتب صحافي سوداني مقالاً في الردّ عليه، بعنوان “وماذا قبل في السودان؟”. هبّت في اليوم التالي تظاهرات عارمة أحاطت بالسفارة المصرية في الخرطوم، مُندّدة بالمواقف المصرية تجاه ثورة السودان التي أسقطت نظام الفريق إبراهيم عبّود في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1964.
(3)
ثم يأتي السؤال ثانية هنا: لماذا يبدو الصوت المصري خفيضاً، بشأن ما يجري هذه الآونة في السودان، من تحوّلات سياسية جارفة، شغلت أنظار أطراف المجتمع الدولي منظماته وهيئاته الدولية والإقليمية، فيما بقي الموقف المصري بعيداً؟ اكتفت القاهرة بتقديم نصحٍ بلا لونٍ ولا رائحة، ناشدتْ بموجبه جميع الأطراف السودانية ألّا تجنح للتصعيد. بدا لأكثر السودانيين، كأنّ “الشقيقة” مصر غير معنية بتفاصيل ما وقع في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ولا ما تبع ذلك من إلغاء للمواثيق التي تحكم الفترة الانتقالية في السودان، وهو ما اعتبر إنهاءً فعلياً للشراكة بين المكوّنين، المدني والعسكري، وأدخل السودان فيما يشبه النفق المظلم.
لعلّه مثير للغرابة عند كثيرين الموقف المصري “المحايد” بشأن أحداث السودان، فيما اعتاد العالم أن ينظر إلى مجريات أمور السودان عبر عيون مصرية
لم تجد الدولة في مصر غير “تقديم النصح” فيما بلغتْ تجاوزات اللجنة العسكرية في السودان مع المكون المدني الذي قاد الثورة على نظام البشير في خلافاته، حدّاً أقدمت فيه على لجم حقّ التظاهر السلمي ، وتجرّأتْ على اعتقال رئيس الوزراء ومعه وزراؤه، واقتادتهم جميعاً وبأسلحة مشرعة إلى معتقلات سرية. ذلك ما فعله أولئك الجنرالات مع البشير قبل عامين، فأجبروه بما يشبه التمثيلية الدرامية على التنازل، بعد أن أطبق الثوار السودانيون على نظامه المنهار، غير أنّ ما يثير العجب بشأن الموقف المصري تجاهله انقلاب جنرالات السودان الحالي على الوثيقة الدستورية المؤقتة التي يفترض أن يقود الالتزام بها إلى إكمال مسيرة الانتقال الديمقراطي في السودان، ثمّ نراها تنهي الشراكة الهـشّـة بين المكوّن المدني الشعبي، صاحب الثورة التي أسقطت نظام البشير، والمكوّن العسكري الذي آثر الانحياز لتلك الثورة، في الساعة الخامسة والعشرين لنجاح ثورة السودانيين في ديسمبر/ كانون الأول 2018.
هكذا أجمع المجتمع الدولي على إدانة تلك الانتكاسة التي لحقتْ بثورة السودانيين التي حازتْ إعجاب العالم الحرّ الديمقراطي، ولم يتردّد عن إدانة انقلاب جنرالات السودان، غير بضع دول تحسب بأصابع اليد، أبدت صمتا تجاه الحالة الانقلابية في السودان، مثل روسيا والصين الشعبية وفنزويلا. ولعلّه مثير للغرابة عند كثيرين الموقف المصري “المحايد” بشأن أحداث السودان، فيما اعتاد العالم أن ينظر إلى مجريات أمور السودان عبر عيون مصرية.
(4)
ماذا حدث لتلك العيون المصرية، يا ترى؟ ممّا تحفظه ذاكرة المراقبين، قبل ثلاثين عاماً غداة انقلاب العميد عمر البشير، أنّ أغلب أطراف المجتمع الإقليمي، بل والدولي، قد اعتمدتْ قراءة القاهرة انقلاب عام 1989 على النظام الديمقراطي آنذاك في السودان. لقد فعلتْ تصريحات الرئيس المصري، حسني مبارك، المُرحّبة آنذاك، أنّ انقلابيي السودان “دول أولادنا” فعل النار في الهشيم. بعد ترويج الرئيس المصري لانقلاب الجنرال البشير وقتها، نال الأخير قبولاً من كامل دول الإقليم. ثم سرعان ما أدرك الرئيس مبارك الخديعة الكبرى التي ورّطه فيها رجال مخابراته. في عام 1996، كاد أزلام البشير أنْ ينالوا منه، في محاولتهم اغتياله. الدرس الذي استوعبته دول الإقليم، ومعهم أطراف المجتمع الدولي، أنّ نظام البشير قد خدعهم مثلما خدع الرئيس المصري. لم تعد العيون المصرية صالحة للنظر إلى مجريات الأمور في السودان.
جمع بيان الولايات المتحدة والسعودية والإمارات دان ما وقع في السودان، ودعا إلى الحوار والرجوع إلى الوثيقة الدستورية المؤقتة، ولم تكن مصر جزءاً منه
(5)
في نظرة عامة إلى مُجمل التطورات السياسية في أنحاء المعمورة، مثّلت ثورة المعلوماتية والتواصل عبر المنصّات الإلكترونية تطوراً بالغ الأثر على متابعة تلك التطورات. تنقل العين المباشرة للقنوات الفضائية الأحداث في عين المكان وعين الزمان. لم تعد التغطيات الإعلامية قصراً على الإعلاميين وحدهم، إذ مجرّد حملك هاتفاً جوّالاً، يتيح لك ليس المتابعة فحسب، بل المشاهدة المباشرة والتوثيق الآني والتفاعل التبادلي مع أيّ حدث ماثل أمامك. العيون المصرية التي كان ينظر عبرها الآخرون إلى أحوال السودان تجاوزتها عيون أخرى أكثر حدّةً وأشد إبصاراً.
منحت المعلوماتية والتواصل الرقمي قدراً من المتابعة الإعلامية المباشرة والمؤثرة، بما يُغني عن انتظار التقارير الخبرية للأحداث السياسية، ولم تعد معه النظرة إلى التطورات السياسية في أي بقعة رهينةً لنظر عبر أيّ طرف ثالث. كان لافتاً، وفي ما يتعلق بأحداث السودان وانقلاب الجنرالات على المكوّن المدني، أنّ بياناً جمع الولايات المتحدة مع كلٍّ من السعودية والإمارات دان ما وقع في السودان، ودعا إلى الحوار والرجوع إلى الوثيقة الدستورية المؤقتة، ولم تكن مصر جزءاً منه. باختصار، لم ترَ تلك الدول الثلاث موقفاً يجبرها على التماهي مع موقف طرفٍ كانت له المرجعية التاريخية في النظر إلى الشأن السوداني. الخشية أن تشكل التطورات السياسية الماثلة حول المواقف المصرية، وتوجهات الثورة الشعبية في السودان، وهذه الانعطافة الماثلة في علاقات مصر والسودان، انعطافاً سلبياً، قد لا يساعد في استدامة تلك العلاقات التي يقال إنّها عميقة عمق التاريخ المشترك.
العربي الجديد
هكذا قال كاتب المقال؛
(السودان ومصر يرى بلدين ليسا فقط شقيقين، بل هما على علاقة توأمة افتراضية،)!!! … يا سلام…
….. يقول أهلنا.. (المقال باين من عنوانه)
… تفنن عملاء مصر وتباروا وتنافسوا في وصف علاقات بلدنا بمصر حتى تجزل عليهم مخابرات مصر العطاء السخي ولكم بعضها؛
… علاقات الدم والرحم..
… العلاقات الازليه..
… العلاقات الاسريه والتزاوج والتناسل..
…. علاقات حميميه..
…. علاقة التوأمة بين السودان ومصر..
… وقبلها صرح احد سفراء السودان في مصر بتصريح خائب مفاده… الما عندو خال في مصر ما سوداني.. ؟؟!
… وازيدكم حبتين… السودان ومصر دبرين في لباس واحد..
… لن يخطو السودان خطوة الي الامام طالما توجد هذه العقليه المنبطحه لمصر،،والتي تفعل المستحيل ارضاءا لمصر وحماية المصالح المصريه حتي وان ادي ذلك لضياع كل السودان وورود أهلنا مورد التهلكه….
… وتبقى الحقيقه التي لا تخفي على احد وهي ان؛
.. مصر هي العدو الأول واللدود للسودان..
… مصر تحتل ارضنا وطامعة في ارضنا وثرواتنا..
… مصر تعمل بكل السبل لتعطيل التنميه في بلادنا..
… مصر تدفع لجنة البشير الامنيه لعودة السودان للعزله الدوليه والمقاطعه الاقتصاديه حتى تروج وتبيع في بلادنا بضائعها المخستكه والخضار والفواكه المرويه بمياه الصرف الصحي، وادويتها المضروبه واسمدتها المسرطنه ومواد البناء من اسمنت وسيخ ليس بها أي من معايير السلامه..
…. نداء للمشرفين على الراكوبه،في الخريطه الجغرافيه في أعلى المقال تم حذف مثلث حلايب من السودان وضمه لمصر لماذا؟!؟ حتى انت يا بروتس..
برافو عليك
قراءة سطحية جدا للوقايع والاحداث من الغريب ان تصدر من دبلوماسي مفترض فيه الاحترافية . يبدو ان قلم الدبلوماسية لا يزيل بلم الشخصية .
يا راجل دبلماسي شنو ،، امثال هؤلاء السطحيين هم الضيعوا السودان
مصر عارفة بان النظام دة نظام اخواني
هدفها وهدف الامارات معروف ، يجو الكيزان وامريكا توقف المساعدات
وجزء من الحصار
وهم يستفيدوا من الحصار بمواصلة سرقة موارد السودان الزراعية والحيوانية ويعيدوا انتاجها في بلدهم
والاماارت تسرق الذهب واسرائيل لها اهداف بعيدة
هذا هو الحاصل ،، وللاسف امثال هذا الدبلوماسي والانقلابيين والمتمردين والخونة والعملاء فاهمين القصة زي فهم هذا الدبلوماسي
الوحيدين الفاهمين الوضع هم فئة الشباب البمثلوا 70% من الشعب السوداني
الحمد لله مستقبل السودان في خير طالما 70% فاهمين لعبات مصر وغيرها وانهم واثقين من قدراتهم
يجب ان يفهم هؤلاء القلة الوصلوا ارذل العمر بان السودان ومستقبلهم للشباب ،، وهم من يقرروا مصير البلد
ومصر لن يكون لها اي نصيب في ثروات السودان مستقبلا
(ولعلّه مثير للغرابة عند كثيرين الموقف المصري “المحايد” بشأن أحداث السودان، فيما اعتاد العالم أن ينظر إلى مجريات أمور السودان عبر عيون مصرية.)!!!
…. عجبي واسفي ان كاتب المقال (دبلوماسي) يتغابي او لا يدرك ان مصر هي من دبر انقلاب البرهان وان المخابراتي المصري عباس كامل هو مهندس الانقلاب و زياراته الماكوكيه للسودان كانت لوضع اللمسات الاخيره للانقلاب..
…. الادهي والأمر من ذلك أن الدبلوماسي يتغابي عن عمد الدور المصري الأساسي في انقلاب البرهان،، لا ندري لماذا ولكن يبدو أن مصالحه الشخصيه في مصر تتعارض مع الوقوف ضد التدخل المصري السافر في بلادنا،، حاله كحال بعض الساسه والعسكر، والصحفيين الذي باعوا ضمائرهم لمصر بابخس الثمن..
… خسئت يا جمال وليتك التزمت الصمت بدلا من هذا الهراء الخرائي. الذي قذفت به في وجوهنا صباح اليوم…
والله حاجة غريبة .. يا أخي الفراعنة ديل أقرب للانقلابيين بأكثر مما يتصور أي أحد آخر .. ومنذ البيان الآأول لعلمك .. وحتى الآن ولحظة بلحظة لو انت فطن متابع !!.. ولكن الفراعنة يلعبون في الخفاء وخلف الكواليس لأن هذا يجعلهم يكسبون أكثر .. وممكن يظهروا ليك عكس ما هم شغالين فيهو بكل بساطة ..
برافو عليك
الجواب باين من عنوانه …. هذا المقال يجسد هذه المقولة حرفيا ، فالخريطة على صدر المقال مزورة لتضع حلايب داخل مصر
معقول هذه القراءة الساذجة من دبلوماسي ؟؟؟
الإجابة سهلة للغاية. ابحث عن مصلحة السودان في اي سيناريو من الاحداث، وعندما تحدده، ابعد نفسك عنه باقصى ما تسمح به القدرة البشرية، وهناك سوف تجد مصر
لماذا دائما من يصفون أنفسهم بالصفوة أو النخبة لدينا، يجنحون بالمدح والاطراء المبالغ لمصر، بينما لا نقبض نحن الا الأذى والمغص وبكاء الطفل الرضيع منهم ؟
هو دا شكل دبلوماسي ولا مهرج؟!!
أين مصر من أحداث السودان الانقلابية؟
حتتخلصو من عقدة أولاد البوابين خدم البشوات دي بتين؟
اقراء هذا الخبر ايها الدبلوماسي اامغبش عسى ولعلي تفهم حاجه وتدرك ان ما كتبته الا ينطلي على احد..
.اتصالات مصرية لإرساء لوبي عربي داعم لجنرالات السودان
15 نوفمبر، 20213
يسعى النظام المصري، جاهداً، إلى إنقاذ عسكر السودان من فشل انقلابهم ضد الحكومة المدنية، والذي نفّذوه في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والسيطرة على التداعيات المنتظرة لحالة الانهيار التي قد تلحق بالمشهد السوداني برمّته، وما قد يرتبه من أزمات متلاحقة للقاهرة. وفي هذا السياق، قالت مصادر مصرية خاصة، لـ”العربي الجديد”، إن وفداً مكوناً من ثلاث شخصيات مصرية رفيعة المستوى، يعملون على إدارة الملف السوداني، بإشراف شخصي من رئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، زار رئيس الوزراء (في الحكومة السودانية التي أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان حلّها) عبد الله حمدوك في مقر إقامته، حيث يخضع للإقامة الجبرية، وعرض عليه التوصل إلى صيغة تضمن خروج جميع الأطراف الحالية من المأزق الراهن، من دون الدخول في مزيد من الخسائر.
تحاول مصر منع انهيار الموقف الدولي إزاء السودان وتحوله ضد البرهان
وأضافت المصادر، أن المسؤولين في مصر انخرطوا، طوال الأيام الثلاثة الماضية، في اتصالات مع مسؤولين رفيعي المستوى في كلّ من السعودية والإمارات، في محاولة لمنع انهيار الموقف وتحوله ضد البرهان، في ظلّ الضغوط الأميركية والأوروبية الشديدة عليه. وكشفت المصادر أن الهدف من التنسيق مع الجانبين الإماراتي والسعودي، على الرغم من التباين بين القاهرة وأبوظبي أخيراً حول الملف السوداني، هو تكوين لوبي ضغط لامتصاص الضغط على البرهان، ومحاولة كسب مزيد من الوقت لإقناع حمدوك والمكونات المدنية في “قوى الحرية والتغيير”، بأن الوقت لا يزال متاحاً لحل سياسي للأزمة من دون الدخول في دوامة التظاهرات والانفلات.
وأوضحت المصادر أن الوفد المصري الذي زار حمدوك، عرض عليه القبول بالعودة إلى رئاسة الحكومة الجديدة، وتغيير عدد من الوجوه القديمة التي أساءت للمؤسسة العسكرية السودانية. وأشارت المصادر إلى أن حمدوك تمسّك بإطلاق سراح كافة المقبوض عليهم، قبل الشروع في أي حديث يرتبط بالتباحث حول حلول للأزمة الراهنة، كاشفة أيضاً عن أنه شدّد على ضرورة تقديم بعض المتورطين في الأحداث الأخيرة (الانقلاب) للمحاكمات، حتى يكونوا بمثابة عبرة لمن يفكر في أيّ مرحلة مقبلة في الانقلاب على اختيارات الشعب. وقالت المصادر إن حمدوك طالب برفع الإقامة الجبرية عنه أيضاً، قبل الحديث عن حلول، مؤكداً أنه ينبغي على الوسطاء أن يزيلوا مخلفات الانقلاب إذا ما أردوا حلاً ينقذ حلفاءهم في الداخل السوداني. وحول ما إذا كان تمّ الاتفاق بين الوفد المصري وحمدوك بشأن مخرجات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، شهد أي تقدم، أوضحت المصادر أن هناك تكتماً بشأن نتائج اللقاء، لافتة في الوقت ذاته إلى أن حمدوك قدّم تعهدات للقاهرة وللأطراف الخليجية التي يصفها بـ”المتورطة في الأحداث الأخيرة”، بعدم الإضرار بمصالحها.
وأشارت المصادر إلى أن هناك مخاوف من جانب السعودية، بشأن مصير القوات السودانية المشاركة في عملية “عاصفة الحزم” في اليمن. وقالت المصادر إن القاهرة والرياض تشعران بمزيد من القلق بشأن الوضع في السودان، خشية انزلاق الأوضاع إلى مزيد من الانتهاكات كلّما تصاعد الضغط الدولي على البرهان بالشكل الذي يؤدي في النهاية للإطاحة به، مشيرة إلى أن “القلق المصري متعدد المحاور: فتارة بشأن مستقبل السودان الذي يمثل أمناً قومياً لمصر عند الحدود الجنوبية، وتارة أخرى بسبب أزمة سدّ النهضة، التي تخشى القاهرة من تولي أطراف للمسؤولية في السودان والتي قد تعادي المصالح المصرية”.
تمسّك حمدوك خلال لقائه بالوفد المصري بشروطه
وكشفت المصادر أن القاهرة بالتنسيق مع الإمارات والسعودية، أكدت للإدارة الأميركية في سلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية، أنه لا مستقبل مستقراً للسودان في حال تمّت الإطاحة بالبرهان في الوقت الحالي، مطالبة إدارة جو بايدن بالضغط على حمدوك والقوى المدنية للقبول بحل وسط، لا يتضمن أي مساس بالمؤسسة العسكرية التي تعد بمثابة عمود الخيمة للاستقرار في السودان، على حد تعبير المصادر.
وكان التحالف السياسي المدني الرئيسي في السودان قد رفض إجراء أي مفاوضات مع الجيش، وأعرب عن تمسّكه بموقفه قبل أيام، وذلك في أول مؤتمر صحافي يعقده منذ انقلاب 25 أكتوبر بقيادة البرهان.
العربي الجديد