مقالات وآراء

أزمة البرهان ورعاة انقلابه المستحكمة

امجد مصطفي

المتتبع لوسائل الاعلام العربية في تغطيتها للشأن السوداني يلمس تغيراً ملحوظاً في نبرتها في الايام الاخيرة، حيث تتراوح ما بين اعترافها بوجود ازمة حقيقية تواجه انقلاب البرهان ومحاولة التقليل من شأن الغضب والرفض الشعبي للبرهان و الضغوط الهائله التي يتعرض لها انقلابه.

الاعلام المصري، وبعد ان رأي تضائل قدرة رئيسه علي التأثير علي مجريات الامور سواء علي مستوي الاتحاد الافريقي او علي المستوي الدولي، اصبح يعول ايضاً علي عامل الوقت، ويتحدث عن إجراءات الانقلابيين كما لو انها كافية لامتصاص الغضب الشعبي و الضغط الدولي، وهذه التغطية الاعلاميه اقرب للأمنيات منها للواقع.

المخابرات المصريه والاقليمية تعلم تماماً ان هذا الانقلاب لا مستقبل له، وهم ادري بكيفيه عمل القوي الغربيه والمنظمات الدوليه، حيث تتحدث هذه بلغه دبلوماسيه هادئه ولكنها دوما تلوح بعصاة العقوبات الغليظه وتستعملها بكفاءه عاليه لخنق الانظمه المغضوب عليها.

تصريحات الرعاه الخليجيين للإنقلاب بعد التدخل الامريكي المباشر والبيان الرباعي مازالت تتحدث عن إجراءات البرهان علي انها تصحيحية وتوحي بقرب حدوث إنفراجة ما في الموقف تبني علي التنازلات من القوي المدنيه بحيث يستعيد حلفائهم العسكر بعضاً من الشرعية التي فقدوها بعد الانقلاب. ولكن القارئ الفطن يلمس بين السطور تململاً واضحاً من فشل البرهان في تحقيق اي تقدم في مسعاه وضغوطه علي حمدوك للقبول بدور المحلل للنظام الجديد،

الخليجيين يعلمون تماماً انهم لن يتمكنوا من تعويم هذا الانقلاب لشهور طويله اقتصادياً او سياسياً لضخامه التكلفه وضآلة المردود، حيث ان الاقتصاد السوداني سينهار لا محاله بدون دعم اقتصادي دولي، والجيش سينقلب حتماً علي البرهان متي ما طبقت العقوبات المرتقبه علي شركات الجيش والجنجويد والتي تمثل مصدر دخلهم الوحيد، حيث انه لن يتمكن من إلقاء اللوم علي حكومة قحت وحمدوك هذه المرة.

في كل الاحوال سيحمل الشعب السوداني مسؤوليه دعم الانقلاب وانهيار الاوضاع في السودان لمصر والامارات، مما يؤثر بشدة علي طبيعة العلاقة بين اي حكومة مدنية قادمة وهذه الدول، وفي حين ان الامارات قد تخسر فرصه الاستحواذ علي موانئ وأراضي السودان، وهذه ليست خسارة كبيرة، فإن مصر ستكون هي الخاسر الاكبر من سقوط الانقلابيين، ويكفي أن ينحاز السودان للموقف الاثيوبي في قضية سد النهضة لتصبح الخسارة المصرية كارثية.

الخليجين اصبحوا اكثر ادراكاً لفشل البرهان في السيطرة علي الامور، مع محدودية قدراته و ضحالة فكره و ضعف و اهتزاز شخصيته، وهم لمسوا جدية الامريكان في مناهضة الانقلاب بشكل يوحي ان عداوتهم للبرهان تكاد تكون شخصية، ولذك بدأو مسلسل التراجع التدريجي عن دعم البرهان من خلال الحديث عن ضرورة القبول بنوع من التسوية الذي يستوجب التراجع عن بعض قراراته.

المصريين علي الجانب الآخر لم يستوعبوا الرساله الامريكيه او اختاروا ان يتجاهلوها مؤقتاً ليعولوا علي عامل الزمن، فأصدروا تعليماتهم للبرهان بأن يستمر في نهج العناد املاً في تحقيق نموذج السيسي من خلال انتخابات مزورة تأتي بالبرهان رئيساً جديداً مدنياً يتم تسويقه للعالم.

الأزمه التي يواجهها البرهان وحلفائهم تتمثل في ان كافة الخيارات المطروحة من قبلهم للخروج من الموقف الراهن مرفوضة من قبل الشارع، حيث ان خياراتهم للحل لا تتجاوز تشكيل حكومة مدنيه يرأسها اياً من شاء طالما انها تحت رحمة العسكر.

المجتمع الدولي قد يقبل بشراكة جديدة بين المدنيين وأي ممثلين للجيش يقبل بهم حمدوك وبقايا قوي الحرية والتغيير، لكن الجيل الراكب الراس قرر ان هذه الشراكة ملعونة ولا عودة لها، وهنا مربط الفرس.  متي ما رفع الحظر عن الانترنت سيظهر مخزون الغضب الكامن في صدور الشعب من خلال المقاومة الشعبيه المنظمة في طول السودان وعرضه وصولاً للعصيان المدني التام، وهذا وحده كفيل باسقاط اي تسوية مع الانقلابيين.

الازمة تستحكم كل يوم بسبب استعانة البرهان بالكيزان، وهم مرفوضون خليجياً، ومحاوله الاستقواء بروسيا من خلال منحها قاعدة بحريه، وهذا خط احمر امريكي و سعودي ايضاً. لازال البرهان غير قادر علي تشكيل حكومة حيث يتوالي الرفض من المرشحين لرئاستها، وحتي اذا اتي بجبريل او هجو ليرأسها من باب “خربانه خربانه” فانها ستكون مرفوضة من المجتمع الدولي لأن حمدوك ما يزال هو رئيس الوزراء الشرعي. البرهان يحتجز حمدوك و حكومته مما يجعله باستمرار عرضه للمساءله حيث ان هذا الاعتقال غير قانوني، وإذا اطلق سراحهم وبالأخص اعضاء لجنة ازاله التمكين سيلتف الشعب والعالم حولهم ليقودوا المقاومة ضده. واذا قام بقتل اي منهم او استمر في قتل المتظاهرين السلميين سيصبح هو وزمرة المرتزقه التي تؤيده مطلوبين دولياً علي طريقة البشير، وهو في كل الاحوال عرضة للانقلاب عليه من الجيش او الجنجويد. وفي كل هذه السيناريوهات ستخرج مصر اكثر من البقية  بعد ان القت بثقلها خلف الانقلاب.

باختصار هي ازمة مستحكمة للبرهان وشركائه المرتزقه و حلفائهم الاقليميين و لن يزيدها مرور الوقت إلا سوءاً.
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..