الشرطة وإطلاق الرصاص

مقدم شرطة (م)
عوض كرنديس
ابان الديموقراطية الثانية العام ١٩٨٨ وانا برتبة الملازم واعمل بشرطة القسم الاوسط بمدينة الابيض اندلعت مظاهرات بعدد من مدن السودان بسبب زيادة سعر السكر، بمدينة الابيض كانت المظاهرات عارمة قامت الشرطة باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع (البمبان) الا انه لم يجدي في تفريغ المتظاهرين واشتد وطيس المظاهرات وانحرفت عن سلميتها لتشهد اعمال كسر ونهب لعدد من المحال التجارية بسوق الابيض ، لم تكن هنالك نيابة ذلك الوقت وكان امر استخدام القوة اللازمة تحت اشراف السلطة القضائية، كان القاضي المقيم بمدينة الابيض يجلس مع قيادات الشرطة امام مباني رئاسة شرطة الابيض يشاهدون ما يحدث بسبب قرب مباني رئاسة الشرطة من السوق ورغم تلك الاحداث إلا ان القاضي المقيم وقيادات الشرطة ظلت متمسكة بضرورة عدم استخدام السلاح الناري نهائيا وبطبيعة الاندفاع بحكم صغر السن والحماسة وضعف الخبرة العملية كنت اعتقد بان توجيهات قيادة الشرطة الحاسمة بعدم استخدام السلاح الناري يعتبر ضعف وجبن من تلك القيادات وان ما يحدث وصمة عار في جبين الشرطة لكن احداث العام ٢٠١٣م (التي راح ضحيتها عدد من شباب وابناء بلادي الكرام) ادركت وانا اقف بالطرف الاخر من المعادلة بمدى حكمة ورجاحة عقل قيادات شرطة الأبيض (ذلك الوقت) وحسن تقديرهم وفهمهم للأمور فقتل العزل واراقة دمائهم الطاهرة هي الخزي العار الحقيقي فمها حدث من تفلتات فذلك لا يبيح اراقة نقطة دم واحدة لأجله فالمال يعوّض لكن الدم والروح لا تعوض ابدا .
ولا اصدق من قول الله عز وجل في محكم تنزيله: “أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها كأنما أحيا الناس جميعا”… (سورة المائدة، الآية 32)
فهي رسالة لكم اخوتي وابنائي الشرفاء بقوات الشرطة بتجنب استخدام السلاح الناري نهائيا مهما كان الامر ومهما عظمت رتبة مصدر التوجيهات فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فالشرطة للشعب ومنه هكذا كانت على مر العصور والازمان قبل ان تسييسها وأدلتجها حكومة الدمار السابقة ، ودونكم ما قامت به قيادة قوات الشرطة في عهد الفريق اول شرطة عباس مدني مدير عام قوات الشرطة ابان ثورة ابريل المجيدة التي اسقطت حكم النميري فرغم المظاهرات العارمة وضراوتها التي استمرت لفترة طويلة جدا لم تستخدم الشرطة خلالها رصاصة واحدة ولم ترق نقطة دم واحدة وفي نهاية المطاف انحازت الشرطة للشارع كما انحاز ابناء القوات المسلحة الشرفاء للشارع وسقط الطاقية .
وحتما ستعود الشرطة لسابق عهدها بعد وصول مركب ثورة ديسمبر المجيدة الى غاياتها.
فيسبوك