مقالات سياسية

حركة التصحيح العسكري والسياسة المدنية الإنقلابية

الباقر علي محمد الحسن 
الإمم المتحدة  ، الولايات المتحدة ، والإتحاد الأفريقي ، يوصمون الحركة التصحيحية  التي حدثت في السودان في  الخامس والعشرين من إكتوبر بأنها إنقلاب على الشرعية وتقويض للنظام المدني وتعطيل للانتقال المدني الديمقراطي ، الأمم المتحدة عقدت إجتماعا مغلقا خصص للسودان ،  ناقشت فيه التطورات السياسية في السودان ووضع بعثتها اليونيتامس في السودان كما إنها دعت الى عودة الأوضاع الى  ما كانت عليه قبل الإنقلاب ، الولايات المتحدة من جانبها علقت المساعدات الى السودان وأبدت كثيرا من الإنزعاج لتغيير الوضع السياسي في السودان والى فض الشراكة بين المكونين المدني والعسكري ودعت الى إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين فورا ، الإتحاد الأفريقي بدوره علق عضوية السودان في المنظمة الأفريقية وبهذه الخطوة ، التي أدت لتعطيل  الإجتماع الثلاثي لمصر والسودان وأثيوبيا بشأن سد النهضة ، والأخيرة تعيش صراعات وحرب ضروس بين مكوناتها ، أما مؤسسات المال الدولية ، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قررا إيقاف دعمهما للسودان ، الموقف العربي لم يكن واضحا إلا أن التحركات للقادة العسكريين بعد الإنقلاب الفاشل بقيادة الفريق البكراوي توحي بأن هناك بعض النقاشات قد تمت مع أطراف إقليمية وقوى سياسية داخلية باركت هذه الحركة التصحيحية ، إلا أن الجامعة العربية لم تبدي الشجب كما عودتنا فلاذت بالصمت إلا أنها تحركت في آخر المطاف ولم تحقق نجاحا ملموسا ، على الصعيد الداخلي سيواجه النظام الجديد أو الإنقلاب التصحيحي بمقاومة من الثوار والمؤمنين بالدولة المدنية والإنتقال المدني الديمقراطي بالرغم من الوعود التي قطعها الفريق البرهان بتعيين برلمان شبابي من الثوار الوطنيين لمراقبة أداء الحكومة وتكون من مهامه إعطاء النصح والمشورة إلا أن ذلك سيكون محورا للشد والاختلاف بين الشباب الذين هم أصلا ذوي خلفيات سياسية وآيدولوجية والتي منها تشكلت شعاراتهم – حرية سلام وعدالة ،  إلا أن التطمينات بفكرة عودة د.حمدوك للمشهد كرئيس للوزراء لم تكن كافية فهناك قضايا هامة تتعلق  بتشكيل هياكل الحكم ،  وتعليق عمل لجنة التحقيق في فض الاعتصام في باحات القيادة العامة ، وقضية إسترداد الأموال المنهوبة في فترة حكومة الإنقاذ وقضايا الفساد وتفكيك بنية نظام الثلاثين من يونيو 89 ، المصالحة الوطنية في ظل حكومة عسكرية متهمة بأنها جاءت من رحم اللجنة الأمنية التابعة للنظام السابق ، قد يعرض جهودها لكثير من التشكيك والمعارضة ، حيث أن الدعوة للمصالحة الوطنية في هذه المرحلة المعقدة  التي دعى لها ويؤيدها بعض قادة الفصائل الموقعة على إتفاق جوبا ، قصد منها إرباك  المشهد أكثر منه عمليه إصلاح للوضع الراهن ، كل تلك القضايا قد تضعف من تأييد الشارع للنظام الجديد ،  كذلك هناك أصوات نافذة تدعو بعودة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو حيث تلقى دعما من قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين والأحزاب اليسارية بالرغم من حالة التشظي التي تعتريها  ، والموقف من تسليم رجالات الإنقاذ المطلوبين للمحكمة الجنائية ، هذه قضايا أيضا ، إتخاذ أي قرار تجاهها في ظل هذا النظام سيثير جدلا سياسيا حادا ويولد إنقسامات وإستقطابات تؤثر على المشهد وتربك أداءه .
النظام الجديد في بيانه الأول أو المؤتمر الصحفي الذي عقده البرهان ، لم يتحدث إلا عن الدعم السريع بإعتبار أنه الداعم لهذا التغيير مع بقية روافد المنظومة الأمنية القومية إلا أن الخرطوم تحتشد فيها قوات من الحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا ذات عقائد مختلفة وكانت تحارب بإسم مناطق مختلفة طالها التهميش والتهجير والتخلف ، السؤال ، هل يكون لهذه الفصائل  نصيب في محاصصة تجعل منها شريكا في المجلس السيادي ، أم ستكتفي بأن تكون مراقبا في بقية الفترة الإنتقالية ، على أن تتحول إلى أحزاب تشارك في الانتخابات القادمة بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية في 2023 .؟ وهل هناك أي وضع آخر لها غير دمجها ضمن الترتيبات الأمنية  ، قد يؤثر في معادلة الحكم الجديد أم لا ؟ .
سيواجه الحكم الجديد بإشكالات حقيقية ، وضع وثيقة دستورية جديدة عوضا عن الوثيقة التي توافق عليها المكونان ، إدخال بعض التعديلات على بنود إتفاق جوبا ، وهي المسارات ، هل ستتم مراجعتها وتعديلها بما يتسق والدعوات المرفوعة من تلك الأقاليم أم سيتم النظر فقط الى مسار الشرق وجعل توصيات مؤتمر إريتريا المرجعية لأي تعديل في إعادة صياغته مع توسيع قاعدة المشاركة والتمثيل من أبناء قبائل الشرق . ، إلا أن التغيير السياسي في الحكم لم يغير من حدة تصعيد اللجنة المركزية لقبائل البجا في الشرق مما يشكل ضغطا سياسيا على النظام الجديد .
إن السودان في هذه المرحلة المفصلية في تاريخه يعيش كثيرا من الأزمات ، إقتصادية وأمنية  إضافة الى المشاكل الإقليمية ، مثل سد النهضة وتواجد خلايا داعش على أراضيه ، مع تواجد أجنبي كثيف غير مقنن ، وقضايا الهجرة الأفريقية الى أوروبا  التي جعلت من السودان معبرا للسواحل المطلة على أوروبا كما أن الحرب التي تدور رحاها في إثيوبيا والتي ستؤدي حتما الى نزوح بعض الإثيوبيين الى السودان .
بدأ النظام بإصدار بعض القرارات التي جاءت كردود فعل لمواقف غير مؤيدة للإنقلاب مثل إعفاء بعض السفراء في الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض البلدان الغربية وفي دولة قطر ، الإتصالات التي تم إجراؤها بواسطة الجانب الغربي مع د.عبدالله حمدوك ود مريم الصادق يعتبر خروجا على العرف الدبلوماسي في مثل هكذا ظروف ويمثل ضغطا نفسيا على رجال النظام الجديد . أما على الجانب الآخر من الصورة ، تجري محاولات لعودة د.حمدوك الى المشهد اذا إستوفت بعض الاشتراطات ، التي تلبي شعارات الشارع المطالب بالعودة لمدنية النظام السياسي .
المشهد السياسي والحياتي في الشارع السوداني يشهد تعقيدات تنذر بمزيد من معاناة المواطن في شح المواد البترولية والغاز والخبز  وارتفاع أسعار المواد الغذائية وندرة الادوية وبيعها في السوق الأسود في حال توفرها كما أن تعطل البنوك وشبكات الإنترنت قد عطلت من مصالح الناس لكنها لم تعطل في التنسيق لمليونية السبت الثلاثين من أكتوبر . أما ما يجري الآن من محاولات ومشاورات تسبق  تكوين حكومة الكفاءات ،  يثير كثيرا من التساؤلات في كيفية التعاطي معه أو قبول الأطراف المعارضة للإنقلاب  بتنازلات كيفما كانت لتمهد الطريق لسد الفراغ ، مع الأمل في إمكانية ترميم الحرية والتغيير لتكون فاعلة ومشاركة في المشهد في ظل تحكم المجلس العسكري والحكومة التكنوقراطية وغياب الحركات المسلحة في المشاركة ضمن الحكومة التنفيذية  المقبلة،
للتخفيف من حدة ذلك المشهد السياسي المأزوم ، نرى أن يقوم النظام الجديد وعلى وجه السرعة باتخاذ قرارات ثورية وشجاعة ترقى لمستوى الحدث ، وتقديرا للمهددات الوطنية وحفاظا على النسيج الإجتماعي وإعادة الحياة لطبيعتها  :

1) إطلاق سراح السياسيين الذين تم إعتقالهم بعد حركة التصحيح .
2) إستدعاء كافة الأحزاب السياسية والحركات المسلحة الى مؤتمر جامع لوضع خارطة طريق لإنقاذ البلاد .
3}  تشكيل حكومة كفاءات بمشاركة كل القوى السياسية الحزبية في كل من مراحل الترشيح وفي مرحلة الممايزة النهائية دون إقصاء حتى للأحزاب الأربعة التي أتهمت بإختطاف الحكم (أربعة طويلة).
4) العمل على حل مشكلة الشرق بشكل فوري لتخرج البلاد من عنق الزجاجة التي أدخلت البلاد فيه .
5 ) أن يتم إعادة العمل بالوثيقة الدستورية واتفاق جوبا بعد مناقشتهما وتنقيحهما وتعديلهما على ضوء التطورات الجديدة بواسطة المؤتمر الجامع لكافة القوى السياسية .
٦)  السماح للجان المقاومة بممارسة دورها في تقديم الخدمات والإشراف عليها وحراسة شعارات ثورة ديسمبر  .
٧)  على الحكومة إكمال الهياكل العدلية ، المحكمة الدستورية ، الهيئات العليا للقضاء والنيابة مع مشاركة كل القوى السياسية في الترشيح والممايزة والتكليف .

إن عدم نجاح المبادرات  التي قادها د عبدالله حمدوك قبل الحركة الإنقلابية ، أودت بالبلاد الى ما نحن فيه ، إنقلاب عسكري وسياسة مدنية إنقلابية  بتعنت وتشاكس وتراشق النخب السياسية الحاكمة، ومحصلة المحصلات من كل هذ الارتباك السياسي ، أن قوى الحركة الإسلامية إستطاعت أن تفك الحصار المضروب عليها ويمكنها النفاذ الى المسرح السياسي ، إن الرجوع إلى الوراء في ظل هذا المتغير  يظل صعبا والتقدم الى الأمام يبقى  أصعب .

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..