أخبار السودان

السودان: تراجع العسكر أم تنازل المدنيون

أثار توقيع اتفاق بين المكوّنين العسكري والمدني ردود فعل كبيرة ضمن القوى السياسية في السودان، وكانت الظاهرة الأبرز ضمن هذه الردود ارتفاع الأصوات المعارضة للاتفاق الجديد بين الحركات والأحزاب التي وقّعت سابقا اتفاق الانتقال السياسي الذي أدى لنشوء مجلس السيادة والحكومة السابقين واعتمادهما ما يعرف بـ«بالوثيقة الدستورية» وهي القوى التي اختارت، حينها، عبد الله حمدوك لتمثيلها كرئيس للحكومة، وعلى رأسها كل من «قوى التحرير والتغيير» التي تجمع ائتلافا واسعا من الحركات والأحزاب أهمّها «تجمع المهنيين السودانيين» وحزب «الأمة القومي» و«الحزب الشيوعي السوداني».

حصل الاتفاق في يوم مظاهرات واسعة جديدة في مدن السودان، وعلى رأسها العاصمة الخرطوم، التي استمر فيها تقدم الآلاف من المتظاهرين نحو القصر الجمهوري، الذي كان حمدوك قد وصل إليه لتوقيع الاتفاق بعد فك الإقامة الجبرية عنه، وسرعان ما قام بعض المتظاهرين، الذين كانوا يرددون شعارات تهاجم «الانقلابيين» وتندد بإجراءات البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) بترديد شعارات تهاجم حمدوك!

يعبّر الاتفاق، بداية، عن تراجع المكوّن العسكريّ، عمليا، عن خطّته لفرض حكم عسكري مطلق للسودان.

نتج هذا التراجع من إدراك البرهان، وحميدتي (شريكه في الحكم) إن هذه الخطة (حاليّا على الأقل) غير ممكنة التطبيق، وذلك لأن القوى السياسية التي استطاع المكوّن العسكريّ من جمعها لتأييد خطته غير كافية لتقديم تغطية سياسية مقبولة محلّيا أو عالميا، وهذا ما يعني أن الصراع السياسيّ سيستمرّ وأن العنفوان الشعبيّ المعبّر عن هذا الصراع سيستمر بالضغط على المكوّن العسكريّ.

انتبه عديدون إلى أن خطاب البرهان الانقلابي كان أقرب ما يكون إلى نسخة من الخطاب الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين أعلن استيلاء الجيش المصري على السلطة عام 2013، وهو ما يشير إلى أن «السيناريو المصري» كان موضوعا على طاولة الانقلابيين السودانيين، وداعميهم الإقليميين والدوليين.

لم يكن ممكنا، ضمن السياق السودانيّ، على سبيل المثال، أن يقوم البرهان وحميدتي بتطبيق «السيناريو المصريّ» عبر التصدّي الدمويّ المفتوح للتظاهرات، مع ما يعنيه ذلك من سقوط مئات أو آلاف القتلى، فهذا السيناريو، الذي أمكن تطبيقه في مصر، كان موجّها، بشكل رئيسي، إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصارها، وقد تمكّن النظام، حينها، بتواطؤ مباشر، أو بدعم من النخب السياسية المصرية الأخرى، من تنفيذ تلك المجزرة، كما تكفّل خضوع القوى السياسية المصريّة، الضعيفة أصلا، وإرهاب الفئات الشعبية المناصرة للإخوان، وكذلك دعم الأنظمة العربية، وسكوت المنظومة الدولية (أو قبولها المضمر) من تثبيت أركان العسكر.

يعبّر الاتفاق، أيضا، عن تنازل المكوّن المدني، وذلك عبر القبول بمجلس السيادة الجديد الذي ألّفه العسكر وحدهم، وكذلك قبول إشرافه على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، إضافة إلى قبول «تعديل الوثيقة الدستورية» و«تشكيل حكومة مدنية مكونة من الكفاءات» و«إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام» البشير، وهي كلها شروط وضعها المكوّن العسكري بعد الانقلاب.

الاتفاق، على ضوء هذه الوقائع المذكورة، يمثّل نقطة توازن جديدة حرجة بين المكوّنين العسكري والمدنيّ (وما بينهما من حركات عسكرية ـ سياسية). لقد تراجع العسكر عن خطتهم للسيطرة المطلقة على الحكم، وتنازل المدنيون عن مجمل الشروط السابقة التي حكمت «الوثيقة الدستورية» التي كانت من أسباب تفجير الانقلاب، ومنها موعد انتقال السلطة في المجلس السيادي إلى العسكريين، ولجنة تفكيك نظام البشير، وآلية محاسبة المسؤولين العسكريين عن «مجزرة القيادة العامة» عام 2019.

معلوم أن الاتفاق الجديد لن يرضي المكوّنات السياسية والمدنية السودانية، لكنّه، من جهة أخرى، قدّم مثالا عربيا على إمكانية وقف محاولات العسكر للهيمنة المطلقة على السلطة، وتكتسي هذه الواقعة أهمية كبيرة لأنها تقدّم طريقا آخر لا يؤدي إلى استحكام الطغيان، الذي هو حرب أهليّة مضمرة، كما في أكثر من بلد عربي، أو ناشطة، كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق.

القدس العربي

‫2 تعليقات

  1. ” قدّم مثالا عربيا على إمكانية وقف محاولات العسكر للهيمنة المطلقة على السلطة”

    لقد قدم مثالا دمويا على امكانية استمرار العسكر للهيمنة المطلقة على السلطة
    بغطاء من المجتمع الدولي والمنتفعين من العسكر الجاهلين بالسياسة ودهاليزها
    ولكن غاب عن هؤلاء ان شعب السودان ليس اي شعب بل شعب معلم ، قائد لا يقاد
    وحينما ينجلى غبار الانقلاب سيثبت لاصحاب الاجندة من عرب وعجم
    خطأ و خطل مساندة الانقلابيين على الجميع بمن فيهم هم أنفسهم

  2. لن نجعل مصر والامارات ينتصروا على اردة شعبنا
    كل الشعب ما عدا سارقي قوته والمتسلقين رفضوا هذا الانقلاب
    ما زال الانقلاب مستمر
    عايزين مدنية خالصة ،، ديل عملاء مصر والامارات لا مكان لهم بيننا
    اكرر :
    منع دخول اي شاحنة مصرية للسودان هذا واجب وطني
    سحب الجنسيات من الجنجويد والحبش والتشاديين والاريتريين دة مطلب وطني
    لا مكان للقتلة ،، نحن ما عايزين نشوف صورة البرهان وحميدتي والكباشي وياسر العطا ومدير الشرطة وابراهيم جابر وترك والتوم وغيرهم من العملاء ابدا ،، ما ممكن نفتح التلفزيون ونرى البرهان ومن معه ويملا خيالنا سيلان دماء الشهداء الذين قتلوهم بدم بارد عشان يقعدوا
    ابدا ابدا لن نرضى بهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..