مقالات وآراء

حمدوك وقانون التواضع الذي لا يخيب !

الريح عبد القادر محمد عثمان

كتبتُ من ذي قبل وها أنذا أكتب من جديد: إنّ حمدوك طراز مستحدث، و”دقة جديدة”، في فن القيادة الرشيدة، لم يعهده السودانيون من قبل، ولم يألفوه بعد، ولذلك يصَعُب عليهم فهم ما يبدر منه من مواقف.
لقد تعوّد السودانيون على أن يخرج الزعيم شامخاً بأنفه إلى السماء، ثم ينادي، مثلاً، أنه المهدي المنتظر، فيتبعه ملايين المتعطشين الحالمين بالدين والوطن، ثم يطول الانتظار بلا هدى؛
ثم تمضي الحقب فيخرج فيهم “الرئيس القائد”، فيشرِّق ويغرّب، ثم يقف – وراء البنادق الموجهة إلى صدور الشعب – ليُرقِّي نفسه “مشيراً”، و”كشّافا أعظم”، إلى أن يمضي لحال سبيله بدون أن يحقق الرقي لشعبه، ولا العظمة لنفسه!
ثمّ حتى إذا طال على السودانيين الأمد، رُزئوا بـ”أسد أفريقيا” ليزعم أنّ كذا أو كذا تحت حذائه! ولكنه، للأسف، لم يضع تحت حذائه إلا وطنه وشعبه!
وبين هذا وذاك تتوالي أجرام الآفلين: وكلما استبشر الناس بواحد منها أجرم وأفل وتركهم في الظلام والتخلّف والضّعة!
لقد تعوّدنا على الرئيس الجعظري، الرئيس الجوّاظ، الرئيس الصخّاب.
وهنا أّذكِّر بأنّ هناك صفاً طويلاً من “الجعاظرة” الجوّاظين الصخّابين ينتظرون على أبواب القصر!
ولم نحظ إلا قليلاً برئيس لا يريد هالةً ولا هيلمانةً، ولا يريد شعبيةً ولا هتافاً، ولا فداءً بالروح وبالدم!
ولم نُحْظَ أبداً بالرئيس بعيد النظر، شديد الأناة، طويل النفس، حاد البصر والبصيرة، الذي يرى السكة كلها، ويرى الأكمةَ وما وراءها؛
لم نُحظ برئيسٍ ضالتُه هي مصلحة شعبه، أنى وجدها كان أولى بها، ولو جلبت عليه النقمة من الذين يقودهم قصر النظر وقصر النفس، أو “الشفقة الزايدة”، أو الأحلام الوردية؛ وأحياناً كثيرة يقودهم الغضب، أو الجهل البسيط، أو الجهل المركب؛ وأحياناً أخرى يقودهم شعور عميق بالكبر والنرجسية، فيرون أنفسهم “أفهم” من ألف حمدوك وأكثر وطنيةً منه ومن “الجابوه”!
أما الآن، فقد حبانا الله بذلك الرئيس المفارق لجماعة الرؤساء “الجعاظرة”، الذين يحاولون ستر عوارهم بالألقاب والرتب والنياشين، ثم يحاولون الإفلات من العقاب بالتشبث بكرسي الحكم إلى الأبد؛
لقد حبانا الله رئيساً لم يأتِ ليحقق حلم أبيه بأن يكون رئيساً؛
ولم يأتِ إلينا بجيش أمامه وجبل ذهبٍ وراءه؛
لم يأتِ ملطّخ اليدين بدم أو بمال حرام.
جاءنا لا يريد أن يضفي على نفسه ألقاً، ولا لينفض عن نفسه سخاماً؛
ولا يريد بطولة مؤقتة، ولا شعبية زائفة!
لا يريد إلا مصلحة شعبه!
جاءنا وكل عدَّتُه وطنيته ومهنيته: لقد رأى بعين البصيرة أن هذه الشراكة، على علاّتها، هل الحل الممكن آنياً، على ضوء الظروف الداخلية والخارجية، حتى لا يضيع ما تحقق في العامين السابقين. وما تحقق يعدُّ كثيرا وازناً في حسابات المنصفين وفي حساب التاريخ. وحتى لا تضيع دماء الشهداء سدى، وحتى لا يراق المزيد من الدماء الطاهرة. وهو يدرك أن “تجرّع” مرارة الشراكة ضروري للوصول إلى الحكم المدني. وهي يعي ليس فقط معنى أن نعبر وأن ننتصر، بل يعي أيضاً خارطة الطريق المؤدية إلى العبور والنصر.

جاءنا حمدوك بقانون التواضع الذي لا يخيب: من تواضع لله رفعه: شرط وجوابه.

طوال ٣٠ سنة، لم نشاهد في أدعياء الإسلام ما شاهدناه في عامين من حسن أخلاق هذا الرجل، لا سيما أدبه، وحياؤه، وعفة لسانه، وإعراضه عن اللغو، وتساميه عن الصغائر، وضربه صفحا عن المسيئين إليه.  كان أدعياء الإسلام جفاةً، غلاظ القلوب، طعانين لعانين، عرفوا ببذاءة اللسان، وافتخروا بها. وجاء هو حليما، رفيقا، عفيف اللسان، دائم البشر والتبشير بالخير. وكانوا كذابين، يمدحون أنفسهم بما ليس فيهم، وها هو يقدم الأسوة الحسنة في الصدق والتواضع. وكانوا غوغائيين جوّاظين صياحين، وها هو إما يقول خيرا أو يصمت. طعنوا في أهليته ووطنيته، فرد عليهم بالعمل والإنجاز في صمت؛ وطعنوا في دينه فبرأه الله مما قالوا حين احتواه البيت الحرام؛ ودأبوا على تخويف الناس، وزرع اليأس والإحباط في نفوسهم، وظل هو متفائلا، حسنَ الظن بربه وبشعبه.
إلا إنما الدينُ حسن الخلق، وأفضل الخلُق التواضع. وقد جسد عبد الله حمدوك  بتواضعه مكارم الأخلاق. فعسى الله أن يرفع بتواضعه السودان، وعسى أن تشيع بفضله فضيلةُ التواضع في السودان وفي كل مكان.

[email protected]

‫9 تعليقات

    1. والله قلته ما يدور بخاطري.

      لا تخذلوا ولا تخونوا حمدوك الرجل المهذب المحترم عفيف اليد واللسان بعيد النظرة واسع الافق

      العسكر كان ممكن يستفردوا براهم أو يجيبو مدنيين شكليين وال ما عاجبو يطلع يتظاهر ويبلو في الشوارع بموجب قانون الطوارئ ونفقد تاني آلاف من صغار الشباب وبالتالي نعود لمربع العقوبات والحصار الاقتصادي والعزلة وعشان تترفع تاني نحتاج لعمر جيل.

      مشكلتنا نحن رهينة لأطماع اليسار من جانب واليمين من جانب منذ الاستقلال ولذلك نحن في المستنقع الآسن ده

  1. بالرغم من انني لم اكن مقتنعا بحمدوك بعد تجربة العامين الا انني اتمني ان يكون تحليلك في محله وسنصبر لنري ما هو فاعل في الايام القدمه.

  2. مقال مكرب . أوصل فيه الكاتب رأيه بحذاقة!

    الرجل , و أعني حمدوك, بحسن خُلقه يجبر المرء علي إحترامه . هو بموجب معرفته للواقع السياسي وهو بلاشك يعرف منه ما لانعرف إضطر للتوقيع علي إتفاق معيب بدلا من كارثة و حمامات دماء لن يتردد العسكر في إرتكابها .

    العيب في الإتفاق سيزول إذا أوصلنا هذا الإتفاق لإنتخابات نزيهة . أتمني ذلك!

    1. دا إذا الاتفاق سيمنع أي ازهاق لأرواح جديدة ويحقن الدماء حسب نية حمدوك ولكن نوايا العسكر غير هذا لأنهم في سبيل الاستمرار في السلطة والثروة لا يكترثون للأرواح التي يحصدها حميرتي وشقيقه بالاندساس في الشرطة والقوات المشتركة في كل مكان.

  3. بس المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف…….ماذا استفدنا من تواضعه غير كثرة قتل شبابنا واستسآد العسكر علينا؟؟؟؟

  4. حمدوك عمل الخطوة بدوافع متعددة تستصحب المآلات ان استفرد البرهان بالحكم ووافق على الرجوع بتدخلات ووساطة افريقية و اممية ودولية وداخلية وبشروط فأرجو ان لا تدفعوه للاستقالة فتبكون عليه غدا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..