أخبار السودان

الأزمة السودانية بين مطرقة الانشقاقات الأمريكية وسندان الهشاشة الدبلوماسية 

ترجمة: إنصاف العوض

أحبط الممثل الخاص لدى الأمم المتحدة بالسودان فلوكر بيرث جهود الوساطة التي يقودها، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيسلي بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك والمقرر لها الـ30 من أكتوبر الماضي، وقالت صحيفة فورن بوليسي إنه في 30 أكتوبر، كان من المقرر أن يطير ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، إلى الخرطوم عاصمة السودان في بعثة دبلوماسية طموحة تقوم على إقناع الزعيم العسكري للسودان بالجلوس والتحدث مع رئيس الوزراء الذي كان على رأس منصبه قبل أقل من أسبوع كان الهدف هو حل إحدى الأزمات السياسية الأكثر تعقيداً في إفريقيا بعد الاستيلاء على السلطة العسكرية الشهر الماضي الذي أخرج الانتقال الهش في البلاد إلى الديمقراطية، عن مساره.

صانع السلام

وأضافت بأن الرحلة ألغيت فجأة؛ بعد أن أغلق الممثل الخاص للأمم المتحدة في الخرطوم، فولكر بيرث، الباب على المبادرة، بحجة أنها لم تتم بالتنسيق مع الأمم المتحدة أو العواصم الدبلوماسية الرئيسية. طالباً من بيرسلى تأجيل موعد سفره للخرطوم،

ولفتت الصحيفة الى أن المبادرة جاءت وسط موجة استياء عارمة بين كبار المسؤولين بالأمم المتحدة  والمسؤولين الغربيين كونهم ينظرون إليها كنشاط دبلوماسي أوحادي من قبل حاكم ولاية كارولينا الجنوبية السابق، الذي يسعى للعب  دور غير رسمي كصانع  للسلام في السودان، كونها تسعى للتوسط، فى وقت يطالب فيه زعماء حركة  الاحتجاج في السودان، باستعادة الحكم المدني قبل إجراء أي مفاوضات مع الجيش واستبعاد قادة الانقلاب السودانيين من المشاركة في الحكومة المستقبلية.

فيما أرجع المختص فى الشأن السودانى بمجموعة الأزمات الدولية جوناس هونر  غضب الدبلوماسيين لاعتقادهم بأن المبادرة تضعف بل وتدمر الجهود الدبلوماسية الأمريكية والغربية للأزمة السودانية قائلاً إن المحاولة الأحادية لبرنامج الأغذية العالمى، والرامية لهندسة مفاوضات لتسوية الأزمة فى السودان نظر إليها، وعلى نطاق واسع من قبل الدبلوماسيين الغربيين وداخل أروقة الأمم المتحدة بأنها معيقة ومدمرة لجهود الوساطة الدولية . منوهين إلى أن تورط بيسلي أعاق الجهود الدبلوماسية للرئيس الأمريكي جو بايدن للتفاوض على حل للأزمة. وقال مصدر دبلوماسي مطلع على الملف – فضل حجب هويته – للصحيفة إن  إدخال وسيط جديد أو محاور  وخلق شك في ما يتعلق بما هو موقف الولايات المتحدة الفعلي كان لهما آثار سلبية بحتة على الدبلوماسية الأمريكية.

نافذة سياسية

ووفقاً للصحيفة تكشفت حركات مدير برنامج الأغذية العالمي  بعد أيام فقط من قيام قائد جيش السودان الجنرال عبد الفتاح البرهان باستلام  السلطة في السودان في 25 أكتوبر، واحتجاز  رئيس وزراء البلاد ، عبد الله حمدوك، وتعليق الانتقال الديمقراطي الهش في البلاد. وقابل  الانقلاب  موجة من المبادرات الدبلوماسية من قبل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقوى دولية رئيسية  أخرى  هدفت  إلى استعادة الحكم المدني في السودان. غير أن هذه  الجهود تلقت لكمة قوية يوم  الخميس، عندما عين البرهان – من جانب واحد  مجلس سيادة جديد، وسمى نفسه كرئيس له، الأمر الذي  يقوض الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الحالية. كونه يثير بعض المخاوف من أن نافذة الحوار السياسي قد تم إغلاقها أو على وشك إغلاقها، حيث إن هناك اتفاقاً واسعاً بين المجتمع الدولي ومجموعات المجتمع المدني السوداني بشأن الحاجة إلى استعادة دور مدني في حوكمة السودان.

تشفير عسكري

وأعرب العديد من الدبلوماسيين المطلعين على الموقف عن قلقهم من أن بيسلي وأنشطة موظفيه لديها القدرة على إضعاف حملة الضغط، مما يشعر الجيش على  الاعتقاد بأنه يمكن أن يحصل على صفقة أفضل للعمل من خلال بيسلي.

ووفقاً للصحيفة؛ لم يتناول المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية مباشرة، جهود بيزلي الدبلوماسية عندما طلبت منه التعليق على مبادرة بيرسلى، ولكن يبدو أنه يلمح إليه في الحديث عن  الرجوع إلى الوكلاء و الجهات الخارجية، إذ قال المتحدث في استجابة  عبر البريد الالكتروني أنه وبالنظر إلى إمكانية الوصول المستمر إلى كل من الزعماء المدنيين والعسكريين في السودان، انخرطت الولايات المتحدة  فى إشراك القادة بشكل مباشر بدلاً من العمل من خلال وكلاء من طرف ثالث، وأضاف؛ لقد دعمنا باستمرار جهود الوساطة الدولية التي كانت تتماشى مع أهدافنا المعلنة ودعمنا بقوة جهود الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فلوكر بيرث مع  أصحاب المصلحة الرئيسيين لتشجيع التوصل إلى حل .

وتعتقد الولايات المتحدة أن جهود الوساطة الدولية يجب  تنسيقها على أن يقوم بيرث بتنسيق جهود الأمم المتحدة، من خلال ولايته لجعلها منسجمة مع الجهود الدولية.

فراغ دبلوماسي

غير أن بعض الدبلوماسيين يرون أن ، بيسلي، ببساطة، اقترح ملء فراغ دبلوماسي. وأشاروا إلى أن الاستجابة الدولية لأزمة السودان الأخيرة كانت مشوشة وضعيفة، ومخففة؛ من خلال جهود متداخلة ومتعددة من مختلف الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، والمسؤولون فى الأمم المتحدة  والاتحاد الأفريقي، لإيجاد طريقة للتفاوض من خلال إبعاد أنفسهم من مسؤولية أسباب نشوء  الأزمة.

 

وطبقاً للصحيفة يستند النشاط الدبلوماسي لبيسلي على مقابلات مع أكثر من عشرين من المسؤولين والدبلوماسيين والخبراء الذين اتفقوا على أن النظرة ثاقبة حول كيفية تحول وكالة الأغذية المتميز في الأمم المتحدة وحصوله على جائزة نوبل للسلام 2020 جعل من الرجل قوة دبلوماسية وسياسية عالمية.

ومن خلال وظيفته في برنامج الأغذية العالمي، قام الحاكم الأمريكي السابق والمرشح غير الناجح في مجلس الشيوخ الأمريكي بإعادة تشكيل نفسه بممارسة السياسة الخارجية ـ وربما وضع نفسه كمرشح محتمل في الادارة الجمهورية المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية.

إرث جمهوري

ومنذ تعيينه، تصارع بيسلي مع ارتفاع أزمات الجوع في جميع أنحاء العالم التي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا وعلى الرغم من أن بيسلي ينظر إليه على نطاق واسع في واشنطن باعتباره جزء من إرث عصر ترامب، فقد تعاون عن كثب مع الإدارة الديمقراطية الجديدة، بما في ذلك بعض كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن.

وفي السودان ولسنوات، استمرت الأمم المتحدة لتأمين ممر المساعدات للأمم المتحدة في إقليم يسيطر عليه المتمردون في محافظتي جنوب كردفان في جنوب كردفان والنيل الأزرق، كونهما معاقل حركة تحرير السودان قطاع الشمال، الذي شارك في محادثات بين المتمردين والحكومة.

ومع سقوط نظام الرئيس عمر البشير في أبريل 2019، بموجة من الاحتجاجات الشعبية، استفاد بيسلي من القيادة الجديدة للضغط من أجل الوصول إلى المساعدة الإنسانية المفتوحة إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وساطة علمانية

في أكتوبر 2019، طار بيسلي إلى جبال النوبة ورقص مع السكان المحليين للاحتفال باستئناف المساعدات. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تسمح بها المساعدات في الأراضي السودانية بموجب مراقبة المتمردين. في 2020 يناير، رافق بيسلي حمدوك في زيارة إلى جبال النوبة، حيث التقيا مع عبد العزيز الحلو، زعيم حركة تحرير السودان قطاع الشمال. وكانت أول زيارة للمنطقة من قبل مسؤول سوداني بارز منذ ما يقرب من عقد تقريباً.

نتج عنها توقيع اتفاق سلام أولي بين البرهان والحلو، ينص على فكرة الحرية الدينية في السياسة السودانية.

وقال بيسلي الذي شهد حفل التوقيع في جوبا في برنامج الأغذية العالمي، نستخدم الطعام كسلاح من أجل السلام والاستقرار.

سلاح الطعام

وتقول الصحيفة بعد رفص بيسلي التعليق واستجابة لقائمة طويلة من الأسئلة، قال المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي، جريج بارو، كحد أقصى الحائز على جائزة نوبل للسلام 2020، على استعداد دائم لدعم الحكومات والشركاء ووكالات الأمم المتحدة لاستخدام المساعدة الإنسانية والإنمائية لتعزيز السلام والاستقرار. خاصة وأن ما يقرب من ربع سكان السودان يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي، وفقاً لأرقام المنظمة يمكن أن يرتفع العدد إذا أحبطت الأزمة السياسية الخطط لإحياء الاقتصاد الراكد في السودان.

وأضاف في رسالة بريد إلكتروني يغذي برنامج الأغذية العالمي أكثر من 10 ملايين شخص في السودان ونحن بالفعل في موقف نحتاج فيه إلى تعبئة المزيد من الموارد لإطعام أعداد متزايدة من الأشخاص الجائعين وعلى مدى الأشهر الستة المقبلة يحتاج برنامج الأغذية العالمي أكثر من 300 مليون دولار أمريكي لعمليته هناك. وفي حال كان هناك تصاعد في الصراع وعدم الاستقرار، فإن المعاناه ستتضاعف حتماً.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..