
الذي يفوت على أذهان البعض ولم يلاحظوه ؛ هو ان الاتفاق السياسي الذي تم بين الانقلابيين وحمدوك لم يتطرق الى “الانتقال الديمقراطي” المؤسسي ، ولم يلتزم به . ولكنه تعهد فقط بالحكم المدني.
هناك فرق شاسع بين مفهوم وتفسير معنى مصطلح “مدني” ، وبين مفهوم وتفسير معنى مصطلح “ديمقراطي”.
ووفقا لهذا المفهوم الشائع في الشارع اليوم المتعلق بالمدنية. وفي غياب المؤسسات الديمقراطية والمدنية ، سيخلع الفريق برهان البدلة العسكرية. ويلبس الفريق برهان البدلة الافرنجية او الجلابية . وهكذا يتحوّل بسرعة مصباح علاء الدين السحري من عسكري إلى مدني ودون المرور بشرط أن يبقى بعيدا عن أي منصب سياسي لفتر 7 سنوات على أقل تقدير. ويترشح البرهان المدني الذي كان قبل أسبوع عسكري لمنصب الرئاسة . ويفوز في الانتخابات (بنسبة 87.41%) وفق الهندسة الإنتخابية الوراثية المتعارف عليها في دول العالم الثالث عشر . مثلما سبق وترشح وفاز المشير نميري والمشير عمر البشير … ويا بلاش.
ثم وبعد شهور وفي سانحة اول احتفال للجيش بعيد نشاة او تخريج دفعة ، سنفاجأ به وقد أعاد إرتداء الزي العسكري. ورقى نفسه الى رتبة المشير وضرب التحية العسكرية … وكل عرجاء الى مراحها.
وفي خضم هذا التغبيش والوهم المدني . يشرع القواننجية الدستوريبن ، وبيوت الأزياء السياسية في تصميم وتفصيل وخياطة دستور على مقاس الفرعون وهامان وقارون.
وتحت مظلة هذا الحكم والدستور المجاز في مجلس نواب من فصيلة برطم والتوم هجو وأرادول ؛ تظل اللجنة الامنية العسكرية صاحبة العصمة والعفاف والصون ، والحصانة والصولجان باقية بوصفها حاضنة السيطرة ومصدر القبضة الحديدية للرئيس والقائد الملهم الذي سيتم إستجداؤه لاحقاً كي يرضى ويوافق مشكوراً على إعادة إنتخابه مرّات ومرّات . ولا مجال لفترة رئاسة دستورية محددة أو تفكير في تداول السلطة.
ولا مانع في وسط حلقات هذا المسلسل المكسيكي الطويل من تشكيل وزارة بصمجية ، يراسها ويشغلها مدنيون أفندية. يفعلون ما يُؤمرون ولا يعصون للعسكر امرا ، يطلق عليهم كفاءات ، او ياتون بمحاصصات لايهم . فكرش الفيل واسعة والسودان يسع الجميع. والاهم من كل ذلك ان تصبح هذه الوزارة شماعة تعلق فوقها اعطال عراقيل العسكر. وتجاوزات شركاتهم التجارية للقوانين والرقابة والمراجعة ؛ والشفافية والزكاة والضرائب والجمارك الخ. وكذلك شماعة تعلق فوقها عواقيب الفشل والجهل والعشوائية ، والاخطاء وحصاد الفساد الذي سيستجد وينمو على ايدي الاشقاء والنسابة والاصهار والاقارب والأدعياء والبلدينا.
ولاسكات كل صوت معارض سياسي أو ناشط ، او حتى ناصح امين جاء من اقصى المدينة يسعى ؛ تفتح بيوت الاشباح وابواب المعتقلات وغياهب السجون. ويسود التنكيل والتعذيب . وتعود الحروب الاهلية وانتهاكات حقوق الانسان والمجازر والمحارق . وبما يعيد العقوبات الدولية الشاملة والفردية والاغلاق . الى ان يدرك الشعب الطيب بعد عقود من سنوات الضياع انهم خدعوه بقولهم مدنية.
مصعب المشرف
٢٤ نوفمبر ٢٠٢١