مقالات سياسية

حصري لفقهاء القانون الدستوري

اسماعيل عبد الله
[email protected]

القرار الانقلابي الذي اتخذه قائد الجيش بحل مجلسي السيادة والوزراء، يعني أن العودة للوراء مستحيلة و(ردة) كما تقول المقولة السائرة بين ركبان الثورة ومواكبها، كيف حصل قائد الجيش على الحق الدستوري في أن يقوم بتنصيب نفسه للمرة الثانية رئيساً للمجلس السيادي؟، من بعد ما انقلب على المجلسين ووصف نفسه بقائد للجيش، المنصب الذي وصفته الوثيقة الدستورية على أنه يتمثل في كامل عضوية المجلس السيادي – بشقيه العسكري والمدني، وكيف اعطى نفسه ذات الحق في أن يعيّن عضوية جديدة بقمة هذا الهرم السيادي؟، وهل يحق للمحلول أن يحل؟ بمعنى، هل هنالك مسوغ قانوني او تفويض دستوري قد منح لقائد انقلاب عسكري عربي او افريقي جعل منه القاضي والحكم في ذات الوقت؟ انظروا للرجل الذي اقسم امامه قائد الجيش كرئيس للمجلس السيادي، فعاد رئيس المجلس السيادي وعيّن الذي ادى القسم امامه رئيساً للقضاء، ما هو التعريف القانوني لمثل هذا الفعل؟، إن من اعظم بلايا الوطن وقوف اساتذة القانون الدستوري والقضاة والمحامين موقف المتفرج.

إنّ عدم استيعاب المعايير المهنية في اروقة دواليب العمل المؤسساتي للدولة، هو القشة التي قصمت ظهر بعير الحكم الرشيد، وهو العقبة الكؤود التي اقعدت البلاد عن النهوض والتقدم والازدهار والرفاه، فهذا الخروج عن ضوابط المهنة بدأ به نظام الحكم البائد عندما اختلق وابتدع في الجانب المالي والاقتصادي ما اسماه التجنيب، واوجد مؤسسات فاسدة موازية لوزارة المالية وحوّل ولاية المال العام ورهنها لهذه المؤسسات الفاسدة، ومن الناحية الأمنية تخلّت المنظومة البائدة عن مؤسستي الجيش والشرطة واستعاضت عنهما بالدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والدعم السريع، واستبدلت الشرطة الأمنية بمنظمة السلامة، واورثت الاستخبارات العسكرية للهيئة الخيرية للقوات المسلحة، واوقفت نشاط الروابط والاتحادات الشبابية الرياضية والثقافية والاجتماعية، ومنحت منظمة شباب الوطن هذا الامتياز بشكل حصري، وحتى نختصر افاعيل النظام البائد ونبسّط تعريف اجراءاته الشاذّة التي قام بها، ما علينا إلّا أن نقول: لقد وضع الحزب البائد المحلول الذي كان حاكماً، السيف بيد الجبان والمال في يد المختلس البخيل.

إنّ كارثة الكوارث قد حلّت ببلادنا الحبيبة عندما تلاعب استاذ القانون الدستوري بالدستور، وهو خريج السوربون واكسفورد وعميد كلية القانون بجامعة الخرطوم، الدكتور حسن عبد الله الترابي، حينما سمح للعسكر لأن يأخذوه للسجن حبيساً ويذهبوا هم للقصر الرئاسي حكّاماً، وتلك كانت آخر نقطة دم سقطت من عنق المرحوم المقتول غدراً بسيف ابناءه – الدستور والقانون – وكانت بداية النهاية للدولة، وما يحدث اليوم من استهزاء بالمؤسسات العدلية واسترخاص للدواوين القضائية، ما هو الا امتداد لما اقدم عليه استاذ القانون الدستوري الراحل، الذي وضع اللبنات الاولى لدساتير بلدان ترفل اليوم في النعيم البترودولاري، بل وتسعى نفس هذه البلدان لرأب صدع بنياننا المهتريء الذي يعود تاريخ وضع حجر أساس بنيانه لحقب سبقت تكوين هذه البلدان، هكذا عاقبنا ابناؤنا الأبرار الحاصلين على اعلى الاجازات العلمية من ارقى الجامعات العالمية، بفاتورة مدفوعة من دم وعرق جبين المزارع الكادح والراعي المرهق والجندي المهموم والعامل المتعب في المصانع والمزارع، هل هي لعنة الفراعنة؟ أم أننا كابناء لهذه الأرض الودود الولود الحلوب لم نكن بقدر رد الدين وبر الوالدين؟.

استاذ القانون الدستوري الدكتور قيس السعيد رئيس الجمهورية التونسية، وضع النقاط على الحروف عندما علم وتيقن وتأكد من أن الدولة مهددة في وجودها وكيانها، فاستند على المادة الثانية والثمانين من الدستور، وقام باجراء التدابير الحافظة للدولة التونسية من الانهيار، وحماها من الانزلاق والزوال بسبب اختراقات العملاء وتخابر الجواسيس وتآمر الخونة، وعكسْ ما حدث بتونس جرت احداثه في السودان للأسف العميق، فبدلاً من أن يكون رمز السيادة الوطنية لدينا قانونياً خبيراً ودستورياً ضليعاً، جاءنا عسكرياً تزين اكتافه النياشين والدبابير وحدث الذي حدث، فلو كان حادي ركب سفينة الانتقال بدولتنا العريقة قانونياً (صادقاً)، وكان متخصصاً في علوم التشريع ومتشرباً لخصائص مهنة خياطة وحياكة وتفصيل الدساتير، لما حدث الذي حدث، ولما استقبلنا من امرنا ما استدبرنا وركبنا (التونسية) غير مأسوف علينا، لكنها تصاريف الأقدار ومشيئة الواحد الأحد القهّار الذي بشّرنا فقال: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون).

تعليق واحد

  1. يا أستاذ إن ما فعله الشاويش الوهمان يصنفه القانون الدستوري والجنائي ويعرفه بأنه إنقلاب عسكري على الشرعية وتقويض للدستور (الوثيقة الدستورية الانتقالية) من شخص لا صفة له أكثر من كونه قائد للجيش ورئيس للجنة الأمنية العليا للنظام البائد وهي صفة كما تعلم لا تعطيه ولا تعطي اللجنة بأكملها أي سلطة خلاف رفع التقارير والتوصيات لصاحب السلطة الدستورية ليتخذ القرارات حسب صلاحياته في النظام الدستوري الذي يحكم بموجبه كما فعل قيس سعيد رئيس دولة تونس بموجب المادة في الدستور التي تخوله ذلك. فهو أولاً رئيس شرعي وربما تخوله المادة التي استند عليها في اجراءاته التي اتخذها بحل البرلمان حيث لم نطلع عليها.
    ولا مقارنة بين الوضع الدستوري للرئيس التونسي والشاويس الوهمان الذي ليس له أي صفة دستورية في القوانين سواء كانت الدستورية أو الخاصة بالقوات المسلحة والتي تلزمه بالتبعية والانصياع لصاحب السلطة السياسية الدستورية في البلاد وهو رئيس الوزراء في النظام الدستوري البرلماني ورئيس الجمهورية في النظام الدستوري الرئاسي. فقائد الجيش ليس له أية سلطات أو صلاحيات للتصرف وحده ومن تلقاء نفسه حتى بغرض حماية الدستور ضد من يريد تقويضه بالتمرد والخروج على السلطة الدستورية والشرعية في الدولة إلا بعد تلقي الأوامر والتعليمات من السلطة السياسية المختصة المشار إليها. فالنصوص في قانون القوات المسلحة التي تنص على واجبات ومهام القوات المسلحة لا تعطيها حق التقييم و التصرف من تلقاء نفسها وانما برفع التقارير والتوصيات للسلطة المختصة ومن ثم التصرف حسب التعليمات للقيام بتلك الواجبات حتى في الرد على العدوان الخارجي أو التمرد الداخلي لا يعطي قائد الجيش أو قائد أية كتيبة أو فرقة أو فرع أن يتصرف دون تعليمات وأوامر من السلطة السياسية الدستورية المختصة. بل حتى التصرف في شئون الجيش من هيكلة وتعيينات وترقيات وهلمجرا إلا بموافقة الجهة المختصة ألا وهي السلطة السياسية الدستورية العليا أو الإدارية العليا وهي القائد الأعلى إذا كان رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية بحسب النظام الدستوري الحاكم. فعلى القائد العام رفع تقاريره وتوصياته للقائد الأعلى وتلقي موافقته أو تعليماته في هذه الأمور المرفوعة إليه.
    عليه، فإنه ليس في قانون القوات المسلحة أي نص يفهم منه أو يمكن ان يفسر على أن قائد الجيش يقرر لوحده القيام بأي عمل بغرض أو بزعم القيام بواجب الجيش في تنفيذ المهام والواجبات الموكلة إليه إلا بموافقة وتعليمات القائد الأعلى ألا وهو السلطة السياسية المدنية أو الإدارية العليا المختصة. ومن ثم لا يوجد مطلقاً في قانون القوات المسلحة ولا في أي قانون آخر ولا في الدستور بطبيعة الحال أي نص يمنح قائد الجيش الوصاية على أو حق التدخل في نظام وشئون الحكم بزعم القيام بواجبات أو مهام الجيش أو بواجب الوصاية على نظام حكم البلاد فيقرر حل كذا وحل كذا واعفاء مين ومين واعتقال هذا أو ذاك من بيانات. فإذا سمعت مثل هذا من قائد الجيش أو أي ضابط أو عسكري رقيب أول يصدر مثل هذه البيانات والقرارات من خلال أجهزة الدولة الرسمية فهو لا يخلو من إثنين: إما عسكري جاهل هو ومن وراؤه من مستشارين عسكريين قانونيين أو سياسيين مدنيين. مع ملاحظة أنه لا يجوز قانوناً أن يكون لقائد الجيش مستشارين سياسيين مطلقاً عسكريين كانوا أو مدنيين، فذلك في حد ذاته مخالفة للقانون والدستور وإن وافق على ذلك القائد الأعلى أو لم يمنعه!
    قلنا إن سمعت عسكرياً يقول يحل كذا وكذا من مؤسسات الحكم في الدولة فهو جاهل بليد أو انقلابي. هما الصفتان الوحيدتان فقط اللتان يجعلانه يتصرف هكذا وطبعا من تم له الانقلاب ونجح في الاستيلاء على السلطة فلا حدود لسلطته التي حصل عليها هو ومجموعته ولا يقال للقراراته أنه يجوز له أن يفعل كذا ولا يجوز فعل كذا كما جاء في مقالة أحد القانونيين يريد أن يثبت أنه لا يجوز لقائد الجيش الانقلابي تعيين رئيس القضاء وسكت عن جواز حله لمجلسي الوزراء والسيادة الشرعيين من عدمه!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..