مقالات سياسية

لن يجبر حمدوك الكسر يا برهان

زاهر بخيت الفكي

يُروى عن الانقلابي المايوي زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر (الزينكو) أنّه جاء يوماً لحضور اجتماع عاجل دعا له الرئيس نميري أعضاء مجلس قيادة ثورة مايو، والمُنعقِد وقتها بخصوص أزمات معيشية خانقة استعصى حلها، وعلى غير عادته آثر زين العابدين الصمت ولم يُشارِك بكلمة واحدة، فالتفت إليه نميري فجأءه وسأله ما رأيك في ما يحدُث يا زينكو.

فأجاب بسرعة والله يا ريّس الأحوال صعبة جداً ولو ما نحن أصحاب الثورة دي كان قلبناها.

مما لا شك فيه أنّ الاجتماع الذي قرّر فيه البُرهان الانقلاب على الثورة لم ينظُر فيه لأبعد من بواباتِ المكتب الذي اجتمعوا فيه، والواقع يقول بأنّ الرجُل لم يجتمِع إلّا مع من يبصُمون على قراراته بالموافقة بلا اعتراض، وما من سببٍ يدعوهم للاعتراض أصلاً طالما الرُتب وما يتبعها من مُخصصاتٍ في مكانِها، ولذلك امتطى الفريق أول البُرهان القائد الأعلى للقوات المُسلحة مطية السُلطة ليسحق بها خُصوم (البُرهان) الغاضِب جداً من تصريحات بعض شُركاء السُلطة من المدنيين، بلا مُبالاة لتبعات الفعل الذي نسف به كُل مجهودات التغيير، واغتال به الفرح في نفوس من دفعوا ثمن الثورة الغالي.

ما من مُكابِرٍ فينا يُنكِر عجز حكومة حمدوك ما قبل انقلاب البُرهان في تحقيق مطلوبات الثورة، ولقد خرج الثوار مراتٍ ومرات في مسيراتٍ مليونية حاشدة، ارتفعت أصواتهم وامتلأت الطُرقات بهُتافاتِهم لا للانقلاب على الثورة بل للمُطالبة بتعديل مسارها خوفاً عليها من الانحراف عن طريقها، ومن الانجراف المؤدي لسقوطها في هوة الأعداء الذين ظلّوا يتربصون للايقاع بها مُنذ بداياتها، ولم تُفوِّض جماهير الشعب السوداني البُرهان ولا غيره للانقضاض على الحكومة، ولو أرادت لفعلت ولما احتاجت لمثل هذا الفعل المرفوض المبغوض.

يقيني بأنّا نتفِق على أنّ علة بلادنا تكمُن في (الشخصنة) الزائدة التي لم نسمع في يومٍ من الأيام بأنّها كانت سبباً في نهوضِ دولةٍ من الدول، ولن ننهض هكذا بل سنظل ندور داخل هذه الدائرة الخبيثة التي دخلنا فيها بسبب هذه المُمارسات المُقيتة مُنذ استقلالنا، وأنّى لنا الخُروج وكُل من آلت إليه السُلطة يُسخِّرها بلا وعي منه لسحق من يُغضب شخصه، بعيداً عن المؤسسية التي لم نتفق على العمل بها في بلادنا بعد، ولقد حمل البُرهان سوط السُلطة كمن سبقوه لتأديب من جاءوا به إليها.

لم ولن تُشرّعِن عودة حمدوك للسُلطة هذا الانقلاب، والكسر الذي فعلتموه لن ينجبِر بالتطمينات يا بُرهان، والفتق الذي احدثتموه أكبر بكثير من أن يُرتق بعودة حمدوك لرئاسِة الوزارة، أو باطلاق البعض من السجون، وليتكُم تعلمون بأنّ القوة والغلبة لم تعُد في زماننا هذا في يد من يحمِل السلاح، ولو كان الأمر كذلك لظل البشير فينا يصرف في البركاوي لهذا وذاك إلى يومِ الناس هذا.

نسأل الله أن يتقبل جميع شهداءنا ويشفي مرضانا.

الجريدة

 

تعليق واحد

  1. زاهر الفكي, في مشاركتك في تنوير وزارة الخارجية الأمريكية من واشنطن والمبعوث الخاص جفري فلتمان بتاريخ 2 نوفمبر 2021, الصحافيين الأجانب كانوا أوضح وأشجع منك في أسئلتهم. إنت الصحافي السوداني الوحيد وسؤالك المجهز مسبقا إكتفى بأن يسأل, إقتباس, سيدي, كيف ترى أي شراكة مستقبلية محتملة بين المكون المدني والعسكري, وهل تعتقد أنها ستدوم؟ إنتهى الإقتباس.
    كان بإمكانك أن تتحلى بالشجاعة وتسأل أسئلة الشارع؛ كان بإمكانك ربط السؤال بتطلعات الجماهير والحرفنة البتعمل فيها هسع في مقالك عما فعله البرهان ناسفا “به كُل مجهودات التغيير، واغتال به الفرح في نفوس من دفعوا ثمن الثورة الغالي.”
    كلامك كان تقولوا للسفير فلتمان. كان أضعف الإيمان ممكن تسألو, إنت غادرت الخرطوم بي جاي, والإنقلاب وقع بي جاي. هل هي صدفة والله وحكاية؟ هل الأمريكان يتآمرون على الديمقراطية وراء الكواليس (كما حدث عينك عينك في انقلاب عبود حسب الوثائق السرية المفرج عنها والمواقع النشرتها تتطاقش), ثم يتباكون عليها في أحاديث مع الصحافيين أمثالك.

    الصحافة السودانية, بما فيها الجريدة الإنت شغال فيها جزء لا يتجزأ من المشكلة السودانية.
    ممكن تكون بس عبد المأمور بتاكل عيشك. لكن الفيك اتعرفت.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..