مقالات سياسية

الخطأ التاريخي لقوي الحرية التغيير

د. الحسن النذير
قمنا بنشر هذا المقال يوم 17 اكتوبر 2020 ويوم 6 ديسمبر  من نفس العام الماضي. واليوم نضيف اليه بعض الفقرات ، ونودعه للنشر لتأكيد الرؤية التي  تشاركنا فيها كثير من الاقلام الوطنية الشريفة.
الخطأ التاريخي لقوي إعلان الحرية والتغيير,  (قحت) ، والذي لا ولن يغفره الشعب السوداني،  كان  يوم ان وافقت علي إشراك لجنة المخلوع الأمنية في الحكم الإنتقالي!
لا ندري عن ماذا خافوا؟ ولماذا خافوا؟  وان لم يك خوفاً فذلك أنكأ  وأضل!
لقد وقعت. قحت في ذلك الخطأ، رغم أن الشارع كله كان معها. وهل كان للجنة الأمنية جماهير تسندها حتي ترفض الرجوع إلي الثكنات؟  حقيقةً، لم يكن لها ما تستند عليه، لأن الرصاص الذي أطلق محدثاً المجزرة المشئومة الجبانة (مجزرة فض الإعتصام) وما صاحبها من خزي وعار الإغتصاب والتنكيل بأشرف من جادت بهم أرحام نساء السودان، لم يخف الثوار البواسل ، الذين عطروا ساحة الاعتصام بدمائهم الزكية.
لقد كان الموقف الصحيح، الحكيم والشجاع، هو موقف المناضلين المخضرمين أمثال المرحوم الأستاذ علي محمود حسنين والمهندس صديق يوسف والدكتور محمد يوسف، وآخرين من الحكماء، الذين رفضوا (مبدئياً)، إشراك اللجنة الأمنية في الحكم الإنتقالي.   واليوم ، بعد أن اتضحت نوايا الجنة الأمنية المغايرة لإستحقاقات التحول الديمقراطي وشعارات الثورة، يعض الكثيرون  علي  سباباتهم ندماً علي تلك الغفلة! للأسف لم تكن هناك رؤية ثاقبة لدي غالبية مكونات قحت في ذلك الوقت الحرج!!
جاءنا بعد التوقيع علي الوثيقة الدستورية المعيبة، رجل  عرف بنقاء السيرة والتأهيل المعرفي المشهود، ليترأس حكومةً معطوبةً، بحاضنة سياسية قصيرة النظر، ومكبلة بوثيقة دستورية كثيرة الثقوب، ومجلس سيادة، السيادة فيه للأقلية العسكرية التي ظلت تنهش منذ البداية، في صلاحيات الجهاز التنفيذي بلا رقيب ولا حسيب، وتسيطر علي جل المال العام!
وجائنا نَفَر من الناس، لا حول لهم ولا قوة رغم أغلبيتهم في مجلس السيادة المعطوب هو الآخر. لزم المدنيون في هذا المجلس، الصمت ، منذ البداية، عندما قرر المكون العسكري تعيين احد أعضائه  “نائباً أولاً” لرئيس المجلس، رغم خلو الوثيقة الدستورية من أي إشارة لمثل هذا المنصب! واستمر الصمت عن هذا القرار الذي تبعته لاحقاً، قرارات بتعيين  العسكريين في المجلس، روءساء لأهم اللجان (١- إزالة التمكين, ٢- مفاوضات السلام،  ٣- الطواريء الاقتصادية !!)، التي هي أصلاً من صميم مهام السلطة التنفيذية.  وظل بقية أعضاء  المجلس السيادي للتشريفات والعلاقات العامة التي لا تسمن ولا تغني!
واستمرت السلطة التنفيذية بلا رؤية او خطة تسعف البلاد من أزمتها المعيشية الخانقة. وكلما ازدادت هذة الضائقة، استمر رئيس الوزراء يكرر الأمل في العبور! نذكر هنا أن الإصلاحات التي مورست حسب وصفة مؤسسات التمويل الدولية قد افرزت مؤخراً، بعض النتائج الإيجابية في مؤشرات الإقتصاد الكلي، إلا ان آثارها المباشرة علي معاش اغلبية الناس كانت غير محتملة وليست مؤلمة فقط، كما ظل يكرره البعض، ويصفونه بالجراحة المؤلمة! لكنها كانت ولا تزال جراحة قاتلة للكثيرين الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ولا يستطيعون  شراء الادوية المنقذة للحياة!.
ورضخت قحت لتعنت المكون العسكري برفض ترشيح الشرفاء المؤهلين،  لمنصبي  النائب العام  وقيادة الجهاز القضائي، الذي بات امر إصلاحه الآن،  في طَي النسيان.  ويشهد علي ذلك الآن ، تعيين رئيس قضاء، من قيادات حزب المؤتمر الوطني (المحلول) بعد انقلاب 25 اكتوبر!
والنتيجة لخطأ قحت التاريخي الذي لن تغفره  الأجيال القادمة:
– عدم قدرة مجلس الوزراء  علي إنفاذ اي سياسات من شأنها إحراز اي تحسن في مستوى معيشة الناس. وبالعكس بلغ التدهور مبلغاً غير مسبوق. والادهي والامر، غض هذا المجلس النظر عنوةً (عاصي)، عن مقترحات حاضنته السياسية ( برنامج الإصلاح الاقتصادي)، وعن الكثير من توصيات المؤتمر الإقتصادي الأول. ولا ندري ما هو مصدر هذا العصيان؟ وتصمت قحت صمت القبور! كأن هذة الحكومة هي حاضنة لها وليس العكس!!. ويتبسم الجانب الآخر (المكون العسكري) شماتةً علي هذا الفشل!! ويتندر، كأنه ليس جزءاً من السلطة الانتقالية! وكأنه ليس مسئولاً عن حماية الحدود من تهريب السلع الاستهلاكية الاستراتيجية وعن الذهب الذي يتم تهريبه عن طريق المطار، وعن تجنيب حصيلة صادرات البلاد الاساسية بواسطة شركات مؤسسات القوات النظامية!!
– رغم الاحتجاجات الشعبية وتململ الشارع وغضبه لعدم تنفيذ الشعارات  التي نادي بها وضحي من اجلها، لم تتم محاكمة مجرمي النظام البائد وظلت السلطة القضائية تتلكأ تلكؤ السلحفاء في إيجاد قاعة مناسبة لمحاكمة قادة الجرم الأكبر (انقلاب الجبهة الاسلامية ١٩٨٩)!!. ويكرر النائب العام الأسبق في كل مناسبة، مقولته الممجوجة ” التحقيقات جارية”!
– حتي مهربي الدقيق والمواد البترولية والذهب  ومزيفي العملة الذين تم ضبطهم، لم نسمع عن اي محكمة انعقدت لمحاكمة اي منهم! هكذا جائتنا اختيارات المكون العسكري لقيادة السلطة القضائية!! “سلطة الإفلات من العقاب”! اما الأستاذ أديب فما زال يمارس تأديبنا بتحرياته حول جريمة فض الاعتصام، التي لن تنتهي إلي أن…..اطال الله عمره!
– تعطلت وظائف أعضاء قحت! لم تتمكن من تكوين المجلس التشريعي، وتركت الوثيقة الدستورية تتمزق تحت اقدام المكون العسكري والحركات المسلحة وإذعان  مجلس الوزراء المعطوب ” العاصي”!
– جائتنا خلسةً، اتفاقية السلام، وأجيزت بواسطة المجلسين دون ان تناقشها قحت (المشلولة)، ليكتمل تمزيق بقية الوثيقة الدستورية. نعم قحت التي أقعدتها الضربات المتتالية من قبل قوى الهبوط الناعم وبطش المكون العسكري وقهر التفكير في المقاعد!
– وبلغت الروح الحلقوم! لا خبز ولا مواصلات ولا دواء ولا قدرة علي البقاء.  ولا حياة لمن تنادي!!
– الطامة الكبري أكمل فصولها، الإنقلاب الذي تم التخطيط له بواسطة فلول النظام البائد (مجازاً) والحاكم بوكالة المجلس العسكري فعلاً ودون مواربة.   تم ذلك بعد ان اصيبت قحت بالوهن وعلم عسكر اللجنة الامنية بإحتضارها، لذلك قرروا الإنقلاب علي كل الفترة الانتقالية وتحديد موعد دفن قحت وإقامة حفل العزاء في   “سرادق مجلس شركاء الفترة الانتقالية”!  وختم الحفل بالتوقيع علي الإعلان السياسي الأخير.
نعم، وصلت حالة البلاد، هذا الفشل المريع،  والظرف المأساوي الذي، مصدرة بجدارة، تفريط قحت يوم قبلت المساومة مع اللجنة الامنية للمخلوع و إنكسرت وصغرت أمامها، لا لشيء غير قصر البصر والبصيرة! لا لشيء غير الغرور والاستهتار بالتفويض الذي أعطته لها جماهير الشعب المكلومة، في مليونية ٣٠ يونيو ٢٠١٩. المليونية التي اهتزت لها أركان الارض وأخافت كل الرافضين لمدنية وديمقراطية  الحكم في السودان.
الآن، وبعد انقلاب 25 أكتوبر، هل تتحمل مكونات قحت، السابقة والمتبقية، مسئولية خطأها التاريخي، يوم أذعنت لمشاركة اللجنة الامنية في السلطة الانتقالية؟ هل تترك عجلة قيادة الثورة للجان المقاومة وتريح وتستريح.
نعم لجان المقاومة الباسلة والمكتوية بجحيم الازمة وشظف العيش. ولكن هذة المرة، بمدنية خالصة ليس للجنة الامنية فيها موطئ قدم، وليس تحت شراكة مع القوات النظامية باي حال من الأحوال، ليس نقصاناً من قدرها، بل لأن لها مهام وواجبات تكمن في حماية الحدود والامن والدستور. ومن أراد المساهمة من مكونات قحت، فيما تبقي من الفترة الإنتقالية، فتحت مظلة مجلس تشريعي بقيادة لجان المقاومة وشباب وكنداكات الثورة. تحت القيادة صاحبة المصلحة في التحول الديمقراطي وانعتاق البلاد من دوامة الإنقلابات العسكرية،  التي راح ضحيتها خيرة بنات وابناء السودان والتي أضاعت علينا قرابة السبعة عقود من الزمان.
ترجلوا يا آل قحت، ترجلوا فأنتم أقصر من قامة ثورة ديسمبر المجيدة. ترجلوا وإلا فالطوفان ولن يرحمكم التاريخ . ترجلوا لقد سئمنا وجوهكم الشبقة بشهوة الحكم وأزيائكم المترفة التي لا تشبه حالنا الأغبر!
وللموقعين علي سلام جوبا، نقول، إذهبوا لتروا بأعينكم، كيف يعيش  أهلنا الشرفاء في مخيمات اللجوء، المفترشين الارض وملتحفين السماء. إذهبوا إليهم لتعرفوا من الذي يقتلهم ويحرق قراهم. ولكي تتعرفوا علي أولويات المرحلة قبل استمراء نعومة كراسي السلطة.
اللهم نور عقولنا بالحكمة وسهل مسيرة شعب السودان الصابر، وقدر له القيادة المدنية  القادرة آلتي يستحقها والتي تخافك فيه يا ارحم الراحمين.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..